الثلاثاء، 18 فبراير 2014

ظاهرة التحرش الكبرى

تم نشر المقال على موقع جريدة البديل بتاريخ 12 سبتمبر 2012
http://elbadil.com/2012/09/12/63855/

قبل أن نسلط الضوء على ظاهرة التحرش المنظم والممنهج والذى أصبح له مواعيد منتظمة وأماكن مرتبطة به ، وقبل أن يتفشى المرض فيصبح وباءا عاما .. وقبل إصدار الأحكام وإلقاء اللوم على مجموعة من الأسباب الظاهرية والسطحية لتلك الظاهرة السيئة التى من الممكن بعد سنين قلائل إذا تم تجاهلها أن تصبح من ذاتيات المجتمع المصرى بما يسمح للكتب والموسوعات السياحية التى تتحدث عن مصر أن تضيف التحرش كظاهرة وسمة مميزة للشعب المصرى ، جنبا إلى جنب مع الطيبة والشهامة والأهرامات وركوب الحناطير و الجمال !!..
وقبل أن يتبارى المحللون الاجتماعيون فيربطون تلك المسألة بظاهرة البطالة أوفشل المؤسسات التعليمية فى القيام بأدوار تربوية تكميلية لدور الأسرة المضمحل هو الآخر ، أود أن أذكـًـر الجميع بأن تلك الظاهرة هى سمة النظام العالمى الجديد الذى نعيش فيه الآن ونقبل بشروطه القاسية والظالمة والممتصة لمقدرات وموارد الشعوب المستضعفة لصالح القوى الرأسمالية الانتهازية ،إن غالبية النظم العربية والإسلامية كانت تنظر إلى التحرش الإسرائيلى الفج بحدود وكرامة وكبرياء أوطاننا وإنسانيتنا دون أن تحرك ساكنا ، اللهم إلا بعض همسات التنديد الناعمة  .. تماما مثل نظرة عديد من الأشخاص ممن يشاهدون الشباب يتحرشون بالفتيات ولا تجد منهم سوى نظرة أمتعاض خجولة أو همهمة استنكار ، فوعى ونفسية المواطن وسلوكياته هو انعكاس حقيقى للنظام المتسلط عليه .. فدعونا فى تحليل تلك الظاهرة أن نرتفع بأذهاننا ولو لمرة واحدة ونربط بين الظلم السياسي الواقع على مجتمعاتنا الشرقية وبين ما يترتب عليه من آثار اجتماعية ونفسية لم تتولد فينا بسبب قسوة المستكبر بقدر ماهى نتيجة لقبولنا ظاهرة التحرش السياسي العالمى دون أدنى مقاومة أو رفض معلن ، وصدقونى إن قلت لكم إن الأذى النفسي لشخص تعرض للظلم والتعذيب مثلا لا يضاهى حالة التشوه الإنسانى لفطرة شخص آخر رأى الأول يعذب ويستنجد به ، فتركه ورحل رغم استطاعته نجدته .. فالأول إن كان أذاه على الجانب المعنوى والمادى شديدا .. إلا أن الثانى فقد كرامته وأمات نخوته ودفن ماتبقى من آدميته .. ولا أدرى لماذا وأنا أكتب تلك السطور أتذكر مشاهد قتل محمد الدرة واستباحة الأقصى وحصار غزة وعلى الجانب الآخر أستحضر صورة مبارك وهو يصافح وزراء الخارجية والحرب الصهاينة مباركا لهم جميع خطواتهم وسياساتهم التحرشية بكرامة أمتنا العربية والاستهانة بأرواح أبنائها ومقدساتهم ، يحتلنى ذلك المشهد من نظام فقد نخوته وإنسانيته واستجاب بكل ضعف وتذلل لتحرشات السياسة الدولية وأنا أتابع انعكاس ذلك على مجموعات من المصريين وألسنتهم تنطق عما يدور داخلهم من أمراض وآفات لا إنسانية .. من عينة " الفلسطينيين باعوا أرضهم وميستحقوش ندعمهم ! " .. " وهى البنت اللى ضربوها وانتهكوا أنوثتها  دى إيه اللى وداها التحرير أصلا !! "
حل ظاهرة التحرش الجنسي فى مصر سياسي من الدرجة الأولى يا سادة ! إن استعادة النظام لهيبته وكرامته ووضع حجر أساس لنظام إنسانى يمارس السياسة مرتكزا على مبادئ الكرامة والاستقلال الوطنى ورفض التبعية الفكرية والسياسية والاقتصادية للآخر سيربى فى مجتمعنا أجيالا تستعيد أخلاقياتها وسلوكياتها الأصيلة .. أجيالا ترفض المهانة والتحرش بجميع مستوياته مستمدة قوتها من نظام سياسي متكامل يرفض التحرش الأمريكى بمقدراته وسياساته وقراراته المستقلة ..
نقطة أخيرة أستمدها مما سبق ، إن التغير الحقيقى فى السياسات الخارجية ينبغى أن يكون مقدما وسابقا للتغييرات الداخلية بجميع أشكالها ومستوياتها وليس العكس ، فالحديث الدائر عن " اننا نبنى نفسنا الأول وبعدها نفوق لأمريكا وإسرائيل ! " لا يؤمن به إلا شخص حالم لم يمارس السياسة يوما واحدا ولا يعرف أن الدولة كما يقول فريدريك راتزل " كائن عضوى حى " ،وبالتالى فلها كيان عضوى واحد يتأثر داخله بمجرد إصابة أحد أعضائه الخارجية ، والبناء الحقيقى لنهضة فاعلة يجب أن يبدأ بتغيير النظرة السياسية لعلاقاتنا بالقوى الخارجية وعلى رأسها أمريكا والصهاينة وبالتالى مستوى تبعيتنا وتعاملاتنا الاقتصادية بالبنك الدولى وصندوق النقد والمنظومة الراسمالية المتوحشة .. والمتحرشة !! .. دا إذا كنتم عايزين نهضة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق