الثلاثاء، 18 فبراير 2014

ناشط سياسي !



ماهو الناشط السياسي؟
هو الذى ينشط دفاعا عن موقف سياسي معين أو نقدا لسلوك وتصرف سياسي معين
ومالذى يحرك الناشط السياسي لكى ينتقد موقفا معينا؟
القضية التى يؤمن بها الناشط السياسي نفسه هى العدالة وهى التى يتحرك الجميع للمطالبة بها والمناداة بتطبيقها ، ولكن يختلف التحرك باختلاف منظور ورؤية كل ناشط للعدالة ، فالليبرالى تحركه مسألة الحريات فى التعبير والرأى وبالتالى فهو يتحرك ضد أى قمع يتعرض له المواطن ، والاشتراكى يحركه حقوق العمال والفقراء والطبقات المهمشة والإسلامى وهو المفترض أن يملك رؤية أعمق وأشمل للعدالة تبدأ من العقيدة وتشمل كل مظاهر الحياة ..
وماهو الناشط السياسي فى مصر ؟
ينشط منتقدا أداءا سياسيا معينا دون أن يتبنى هو موقفا واضحا يضع من خلاله أساسا للنقد وبديلا عن التصرف الحاصل
مالذى يحرك الناشط السياسي بمصر؟
أغلب النشطاء فى مصر لا تفسير أيدولوجى أو منهجى  عندهم لقضية العدالة وبالتالى فهم ينشطون أولا ثم يبحثون بعدها عن المعايير ! وتجد بعضهم ينتقد قبل أن يبحث عن أسباب النقد ، ومرحلة البحث عن " أسس " للنقد ليست صعبة فى أن يجدها الناشط ولكن الصعوبة هى فى تثبيت تلك الأسس بحيث تمسي معاييرا للحكم على أى تصرف أو موقف سياسي قادم يتشابه مع الموقف السابق .. لذلك تتعدد المعايير وتختلف طبقا لكل حدث فيقع الناشط أسيرا لمايسمى " الكيل بمكيالين وثلاثة أو أكثر من مكاييل العدالة "
لذلك فالناشط فى مصر ليس لديه ميزان واحد يفسر به كافة مايطرأ حوله من أحداث ويقيس عليه مايجب أن يتبنى من مواقف ، وتلك الهشاشة أو السيولة الفكرية تجعل الناشط أكثر عرضة للتأثير عليه من مؤثرات عدة تبنى نزعته وتكون شخصيته ومن تلك المؤثرات
1-    الإعلام : عادة مايستجيب هذا النموذج للمظاهر البراقة لبعض الإعلاميين ، شكلهم ولباقتهم وعذوبة أحاديثهم الممتزجة بالكوميديا والسخرية ، فتنطبع صورة ذهنية للإعلامى والصحفى والكاتب الفلانى فى عقلية الناشط تجعله يردد كلماته ومواقفه ويكرر نكاته وتعليقاته وفى النهاية ينتهج نهجه فى قياس الأحداث السياسية وبناء مواقف عليها قد تذيب مايتبقى من صلابة داخل أدمغة " النشطاء " !!
2-    الموقف الجمعى : قد يطلق البعض عليه " العقل الجمعى " ولكن لفظة " العقل " ربما يعنون بها التفكير الجماعى للشباب دون القصد لمفهوم " العقل " بمعنى التعقل والتجرد .. المهم أن موقف باقى النشطاء والأصدقاء على الفيس بوك يبدو عند الناشط عاملا قويا لتكوين وعيه وبناء مواقفه السياسية دون أن تجد مقاومة كبيرة للمبادئ الصلبة أو القيم الثابتة التى أيضا تتغير أو يتم تبرير التحايل عليها
3-    الانقياد الأعمى للقادة والمنظرين : فالناشط الذى  فقط " يميل " إلى أيدولوجية معينة تجده يتأثر كثيرا وبشكل مبالغ فيه إلى " رموز " تلك الأيدولوجية إلى قدر يجعل انقياده للشخص نفسه وليس للفكرة والأيدولوجيا ويظهر ذلك عندما يتخلى الرمز أو القائد السياسي عن أبسط مبادئ أيدولوجيته فى موقف معين فتجد  العديد من " النشطاء " معه أينما صار دون تطبيق معيار " الفكرة والقضية النظرية " على تصرفه ..
ما محصلة ذلك؟
1-    وقوع النشطاء فى مصر أسرى لتلاعب وتوجيه فكرى وسياسي من أصحاب المؤسسات الإعلامية وهى محاولة لتزوير الإرادة و الوعى تم استيرادها من أمريكا والغرب بعد انتهاء مرحلة تزوير الانتخابات والاستفتاءات
2-    وقوع النشطاء ضحية لجهل القيادات وطائفيتهم وانتهازيتهم وبعدهم عن أبسط المبادئ الحاكمة لأفكار أى منهم .. وفى تلك النقطة أجدنى مضطرا إلى الكلام عن الفارق بين المبادئ الحاكمة للناشط ذى الاتجاه الإسلامى والتى تتمثل فى فهم عميق للعدالة على أساس إعطاء كل ذى حق حقه وبناء مجتمع يتبنى المثل والأخلاق الإسلامية التى تتبنى مبدأ الحاكمية لله وترفض الانصياع والركوع لغير الله فى كل موقف من المواقف .. وبين سلوكيات وتصرفات القيادات الإسلامية الحالية والتى ركعت لأمريكا ونافقت الصهيونى وتعالت على نصائح الجميع وتبنت الطائفية وسياسة الإقصاء وتناست حق الفقراء والفئات المستضعفة والمهمشة ، لكن التباين الواضح بين مبادئ النظرية الإسلامية الحقة وبين سلوكيات قادتها وضع الناشط الإسلامى فى مصر فى موقف المبرر لجميع تصرفات قادته بما فيها التصرفات غير الإسلامية ، والعجيب أيضا أن يأتى موقف النشطاء المائلين لليبرالية غير متسق مع مبادئهم عندما تفوض قياداتهم النظام الحالى لمحاربة الإرهاب وتغض البصر عن فرض إجراءات الطوارئ
3-    حالات الاكتئاب والحزن التى تنتاب العديد منهم الآن – باختلاف المسببات والنتائج – بسبب ما أوصلهم فشلهم فى القرارات وتبنى المواقف من انتكاسة  فى ميزانهم الفطرى للعدالة إلى درجة بات الكثير منهم يشعر بدرجة من درجات الانفصام فى تصرفاته وسلوكياته السياسية !! فهو الحر الثائر الذى يبرر الفاشية الحاصلة الآن لكى يقهر من خلالها خصومه الإسلاميين فيجد نفسه مضطرا إلى إقصاء الذين كان يتهمهم بالأمس بأنهم إقصائيون .. كل ذلك كى يبرر موافقته على استخدام القمع ضدهم فيصير ذلك الشخص فى داخله مثالا للثائر الحر النقى الانتهازى القمعى فى آن واحد !!
وما الحل إذن؟
قطعا ليس الحل أن يبتعد الناشط عن الإعلام تماما ولايتابع من خلاله التحليلات والآراء بل يتابعها مع تغليب عقله وإنصافه فى الحكم على تلك الآراء ودون الانسياق للمظاهر المتعلقة بالشكل والمظهر وطريقة العرض الشيك !
أيضا ليس الحل فى تبنى موقف مضاد دائما للموقف الجمعى العام ، فالعزلة والغربة والتحليق خارج السرب ليس غرضا دائميا إلا لأفراد أصيبوا بحب التميز واستجابوا لعقد الاضطهاد والتهميش !! بل الحل فى اتخاذ مواقف لاتبنى على رأى الأغلبية والإجماع العام .. تبنى الموقف من منطلق أحقيته وصوابه وليس بدافع اختلافه أو اتفاقه مع الناس
الحل يبدأ بأن يتحول الناشط من مرحلة التحرك بناءا على الحماس والناشطية إلى مرحلة التحرك بناءا على القضية والمبدأ وهذه المرحلة لاتدرك إلا من خلال التعمق فى القضايا النظرية ومن ثم بناء أيدولوجية قوية للناشط تعبر عن رأى واضح لمسألة العدالة (تعريفا ومصاديقا وميزانا وتطبيقا ) ومن ثم التحرك واتخاذ المواقف الناقدة بناءا على ميزان ومكيال واحد فقط .. هذه دعوة لأن يكون النشاط فى تحصل معنى العدالة متناسبا مع النشاط بحثا عن التحرك أو اتخاذ مواقف سياسية واضحة للمناداة بها .. فهل هذه صعبة؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق