الثلاثاء، 18 فبراير 2014

حالة اليأس المتعمدة




مقال منشور على البديل الإلكترونى 4-11-2012
http://elbadil.com/2012/11/04/68229/
 

أريد أن أعود للماضي القريب فأتعرض لقضية شرعية الدكتور محمد مرسي مرة أخرى وأعرج حول ما  تناولته الإشاعات بأن النتيجة الحقيقية كانت فوز الفريق شفيق .. ولكن لا أريد أن أثير تلك المسألة بشكل يغوص فى الجزئيات والتفاصيل فأعرض مصادر المعلومات التى قطعا لن تكون بالحياد المطلوب ، فالكل فى عرضه للمعلومات حاليا لا يعرض المعلومة المجردة " بما هو كائن " بل للأسف، فمصادر الأخبار المختلفة باتت تعرض الأخبار بتحليلها وفرض " ماينبغى أن يستخلصه المشاهد من الخبر بما يتطابق مع ذهنية عارضى الأخبار " .. لكنى أود عرض رأيي فى ذلك الموضوع كى أخلص إلى قضية أكبر وأعلى ..
تابعت بأم عينى مصادر الأخبار المختلفة دقيقة بدقيقة والكل أجمع وقتها على فوز مرسي بما يفيد التواتر الذى يفيد اليقين مثلما أقر علماء الحديث والمنطق .. وبعد إعلان بعض المواقع نتيجة الانتخابات شبه النهائية وإعلان حملة الدكتور مرسي خبر فوزه تفاجئنا بردود أفعال مرتبكة ومضطربة من حملة شفيق تفيد بأن النتيجة معكوسة ، ولم يسق أى من هؤلاء أى دليل منطقى ملموس ، وبات الأمر معلقا فى يد اللجنة الانتخابية والتى أعلنت فى النهاية فوز مرسي وتفنيد طعونات أعضاء حملة شفيق التى تبين لنا مدى هشاشتها وضعفها قبل أن نحكم على مدى صدق أو كذب تلك الطعون .. ففى الحالتين أيضا يفوز مرسي !
كذلك مع افتراض أن النتيجة النهائية كانت فى صالح شفيق وكان هناك تعمد فج من لجنة الانتخابات بعكسها وتغييرها .. فهل تستطيع لجنة الانتخابات وحدها أن تقف ضد تيار القضاة ووكلاء النيابات وهم الشهود الحقيقيون على أجزاء النتيجة قبل أن يتم تجميعها فيما بعد ؟ بمعنى آخر هل يفترض عاقل أن يكون التواطؤ كاملا بين جميع القضاة والموظفين ولجنة الانتخابات بحيث يتحد الجميع على الزور ولا يظهر منهم قاضيا نزيها واحدا أو عدة وكلاء شرفاء ؟ بحكم كل ماسبق مع استحالة مبدأ اجتماع الجميع على التواطؤ أرى أن فوز مرسي هو النتيجة المنطقية الشعبية التى لم ولن يستطيع أحد أن يتحمل تبعات محاولة تغييرها أو تزويرها ..
لماذا أقول ذلك الآن رغم أنى لست عضوا بلجان الاخوان الإلكترونية !؟ .. نعم كسب مرسي بإرادة شعبية ، وبغض النظر عن كون الدكتور مرسي يستحق نيل ثقة تلك الملايين فيه أم لا .. أود أن أؤكد على حقيقة قد يسخر منها البعض ويعتبرها الآخرون دربا من المثالية .. الحقيقة هى أن إرادة الشعوب هى التيار الجارف والمحرك للسياسات فى أى بلد مهما كانت الضغوط والتدخلات الخارجية مؤثرة وفاعلة ، قال قطاع كبير من الشعب كلمته فى وجه محاولات الإعلام والقوى الناعمة وفلول النظام السابق وبعض دول الخليج والصهاينة توجيه عقول الناخبين .. فاجتماع هؤلاء مستميتين فى توجيه وعى الناخبين تجاه إحياء النظام القديم كان يحمل ضمنا اعترافا منهم بأن تلك هى فرصتهم الأخيرة .. أما الصندوق ونتيجته وإمكانية التلاعب به فهى مخاطرة تبدو فى نفس درجة تهور المخاطرة بتحدى جموع الثوار وفرض بقاء مبارك رئيسا رغم أنف الجموع المحتشدة وقتها ..
إن يقين الناس بان نتيجة الانتخابات حقيقية وعادلة ستؤتى بنتائج إيجابية على وعيهم العام وإدراكهم الجمعى .. سيصب فى مصلحة شعور المواطن بأهميته ومدى فعاليته وتحكمه فى القرار السياسي بمصر بما يتيح له التصور بأن أعتى المسئولين وصانعى القرار والنافذين فى تحديد مسار السياسة المصرية يجلسون أيضا أمام قنوات الأخبار متابعين لنتائج الانتخابات فى حالة توتر ورد فعل – تماما مثل أى مواطن عادى – ومنتظرين لنتائج انتخابات لا يستطيعون إلا توجيه وشراء الذمم والعقول فيما هو خارج الصندوق الانتخابى .. ماذا تتوقعون من مواطن مصرى يصدق حتما تلك الفكرة ويقتنع بذلك التصور ؟ بالتالى سينعكس ذلك الإيمان والتصديق على استقلال القرار السياسي فى مصر .. فالشعب سيدرك لأول مرة فى تاريخ تلك البلد العظيمة أنه القوة الفاعلة والأكثر تأثيرا فى صناعة القرارات الداخلية والخارجية مهما كان الضغط الأمريكى والتوغل الخليجى والإرادة الصهيونية .. ولكن هيهات ، فالإشاعة بأن النتيجة فى صالح شفيق وأن ماحدث كان تلاعبا متعمدا فيها رغم ضعفها المنطقى إلا أنها وللأسف لها صدى كبير فى مجموعات ليست بالقليلة .. لأن تلك الفرضية الواهية تخاطب التشاؤم والتبعية وحالة الاستسلام واليأس الموجودة فى المواطن المصرى والمتأصلة فى وجدانه منذ عشرات السنين - وربما أكثر – مما يحدو بالكثير منهم بأن يعتبروا كل ما يحدث حولهم مؤامرة أو مسرحية محكومة ومتقنة ، فهؤلاء المتشائمون ممن يسمون أنفسهم بالواقعيين يعتبرون أن القوى الخارجية الأمريكية هى صانع الألعاب الحقيقى فى مبارة محسوم نتيجتها سابقا وأن الشعوب لا تصنع تاريخها بنفسها بدون توازنات دولية أو مساندة خارجية من هنا أو هناك ، فلا تستعجب أن يؤكد بعضهم بأن الثورة كانت صنيعة أمريكية كاملة ..
وحتى لا أذهب بعيدا عن الواقع أقر بأننى من المؤمنين أيضا بنظرية المؤامرة ، فما التاريخ إلا حلقة من المؤامرات على أصعدة وزوايا متشابكة ، كما أتيقن من أن النفوذ والتوغل الأمريكى الصهيونى بمصر بلغ أوج مراحله وأخطر تبعاته بما لا يتصوره بشر فى مصر طيلة أكثر من أربعين عاما وحتى قيام ثورة الخامس والعشرين .. كما أعرف بأن الثورة فى ذاتها لم يتحقق منها حتى الآن شيئ ملموس يجعلنا نعتقد بأن ثمة فرصة قريبة للخروج نهائيا من التبعية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية للمنظومة المادية الرأسمالية الصهيو- أمريكية ، لكن على الصعيد ذاته ينبغى أن أتمسك بأن تلك الثورة وما أعقبها من انتخابات أتت برئيس منتخب بإرادة شعبية حقيقية تعكسان تقدما ملموسا على مستوى المعنى والفكرة .. تلك الفكرة بأن إرادة الشعب ماتزال أقوى من أي ضغوطات اقتصادية وعسكرية وسياسية .. وإن الوعى العام مازال محصنا ضد محاولات التزييف الإعلامى الممنهجة والمتعمدة .. أنا وكثيرون غيرى  نصدق ذلك ونوقن به .. فهل يصدق الرئيس مرسي ذلك وهو مقبل على اقتراض النصف مليار دولاء من أمريكا ؟ هل يؤمن مرسي بأن الضمير الشعبى هو السند والحائط القوى الباعث للطمأنينة وهو ينتوى استقراض مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولى ؟ أين الاستقلال السياسي والنهضة الاقتصادية القائمة على التخلص من التبعية الأمريكية أيها الرئيس ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق