الثلاثاء، 18 فبراير 2014

الأزمات والأمراض المجتمعية ، من يشخصها ويحكم عليها؟

نشر فى البديل بتاريخ 3 أكتوبر , 2013

http://elbadil.com/2013/10/03/%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9/



الفقر والجهل والبلطجة والفساد والرشاوى وغياب الإنسانية ، والإدمان وأطفال الشوارع والتحرش الجماعى وزنا المحارم والانبطاح لثقافة وسياسة ونمط عيش المحتل الأمريكى والتى لاتناسبنا ، وغيرها من الأزمات التى توصف مجتمعنا ، يتفق الجميع أنها وليدة تراكمات لعشرات السنين من مشكلات لم يتم حلها إما جهلا أو استهانة أو تعمدا فتفاقمت وتضاعفت .. فباتت المشكلة ظاهرة ، وتفرعت الظاهرة إلى ظواهر مرضية عديدة ، ورغم ذلك الاتفاق إلا ان الاختلاف يتمحور حول تشخيصات الأسباب البعيدة قبل القريبة ، والجذرية قبل العوامل المساعدة ، وهو مايوسع هوة الاختلاف حول كيفية التاعمل مع تلك الأزمات ومن ثم القضاء عليها أو تحجيمها واتقاء تفاقمها ..
ورغم أن التركيز على تلك الأزمات المجتمعية فى صورتها الكلية هى من شأن الحكومات والمراكز العلمية والبحثية بحثا وتخطيطا ، ومن شأن الحكومة أيضا والجمعيات الأهلية والمؤسسات الخدمية والتثقيفية تنفيذا .. إلا أن الجميع تقاعس فى تحمل مسئولية واجباته إزاء تلك القضية ، لذلك يأتى دور الإعلام وجماعات الضغط هاما جدا فى التركيز على تلك القضايا وإعادة تبنيها مرة أخرى وتسليط الضوء على خطورتها والتنبيه على أن بقائها بدون حلول سيحول الظاهرة المستشرية إلى كارثة حقيقية ، فتفشي الفقر والطبقية والجهل والشذوذ والانحدار الأخلاقى والتطرف و الإرهاب والإدمان وغيرها ستمزق النسيج الاجتماعى تمزيقا ، ومن يتحدثون عن مصطلحات مثل " تفتيت مصالح الدولة " و " انهيار الدولة " ربما لا يدركون أن الدولة مبنية على عقد اجتماعى عقده أفراد معينون تجمعهم بقعة جغرافية معينة لها حدود هم متفقون عليها ، ويجرون عقدا اجتماعيا فيما بينهم يضمن تعايشهم سويا داخل تلك الحدود وتتولى الحكومات تنفيذ ذلك العقد الاجتماعى .. بالتالى فتمزيق الدولة وتفككها عامله الأساسي عدم استطاعة أطيافها الاجتماعية على " التعايش سويا " من الأساس وهنا تظهر بقوة تفشي الأمراض المجتمعية بين أفراد المجتمع عاملا مؤثرا يقلل من آمالنا فى التوصل إلى حل لإيجاد صيغ أخرى للتعايش وتوقيع عقود اجتماعية أخرى وكتابة دساتير تضمن لنا التعاون سويا لعدة عقود قادمة ..
وللأسف فالإعلام كما ألمحت ، لم يعد أداة ومتنفسا لتسليط الدور على مشاكل الناس وأزماتهم المجتمعية والمعيشية ، ولم يعد يربط خطورة تفكيك مصالح الدولة بمجموعة الأزمات والأمراض المجتمعية التى اتفق الجميع على تراكمها ، بل بات الإعلام الخاص " مقروءا ومرئيا " يحمل كل طرف فيه مسئولية الفشل إلى الطرف الآخر وأصبح الجميع ينظر للأزمة من منظوره الأيدولوجى الضيق وبعيدا عن النظرة الفوقية المتجاوزة للممارسات الواقعة .. المسألة لم تعد تتعلق بفصيل سياسي أفسد الحالة المجتمعية وأضر بالدولة وتماسكها من مجرد سنة واحدة ! ولا حتى فصيل سبقه استمر مايقرب من أربعين عاما !! رغم أن الجميع مسئول وتتفاوت مسئوليته وأخطاؤه إلا أن الأسباب الحقيقية لأزماتنا باتت أعمق وأكبر من أن نحملها لنظام معين أو فصيل سياسي بعينه ، من هنا ينبغى أن ندرك مدى فشل الإعلام الحالى أيضا كجهاز مسئول فى حل تلك القضية مثلما فشلت الحكومات والأنظمة المتعاقبة من قبل بل وكانت تلك الحكومات عاملا على ازديات تلك الظواهر وتضاعفها !!
بل إن هناك حالة سيدركها معظم الناس ربما بعد شهور من الآن ، وهى أن الإعلام الموجود سيتعمد ألا يلتفت إلى مشاكلهم الحياتية المتردية والتى تزداد سوءا ، فكما أن الإعلام قد أثار مشكلاتهم وسلط الضوء عليها لاعتبارات ومصالح تتعلق برغبتهم فى إسقاط نظام مرسي ، إلا أن تلك الحالة من الاهتمام بمشكلات الناس وأزمات المجتمع الطافحة سوف تقل كثيرا وربما ينعدم الحديث عنها فى بعض الصحف والقنوات – لنفس ذات المصلحة - وكأننا استيقظنا الآن على دولة الملائكة وعصر المدينة الفاضلة
سيزيد اكتشاف الناس أن السياسيين والإعلاميين يتاجرون بمشاكلهم من أجل مصالح سياسية ضيقة ، مثلما اكتشفوا من قبل أن ثمة من تاجر بحبهم لله والدين لتحقيق نفس المصالح ، وسيكفر الناس بالحكومات القادمة والنخب السياسية " بجميع أيدولوجياتها " ويحاولون البحث عن بديل يشخص مشكلاتهم ويحركها  ويلتفوا حوله فلا يجدون ، وقتها ستزيد المشكلة تعقيدا وقد ينقسم أفراد المجتمع التواقين إلى تحقيق العدالة والتخلص من تلك الأزمات إلى قطاعات عديدة واتجاهات مختلفة ، فمنهم من يعود مرة أخرى وأخرى إلى الرضا بالقمع والتلذذ بالاستبداد ، وقسم سيكفر بالمبادئ نفسها فيغرق فى مستنقع النسبية فى كل شيء ويعيش بلا أى هدف ، وبينهم من ستؤسره ماديته ومصلحته وستتعدد تصرفاته طبقا لوضعه الاجتماعى والثقافى والبيئى والمادى فمن ينتمى منهم إلى طبقة أقل سيلجأ للبلطجة بكافة أنواعها لنيل متطلباته المادية ، ومن ينتمى لطبقة أعلى سيختار الغش والخداع والرشوة والتحايل طواعية ، ومن فى علية القوم سيتجه لا تأمل منه ألا يحتكر أو يتعالى أو  يستخدم نفوذه بدلا من " سلاحه الأبيض " أو ألا يتعامل مع الشياطين من أجل مصلحته ، وسيظهر قسم سيتشبث أكثر بإسلاميته ومبادئها العميقة ولكن للأسف بشكل سطحى يعبر عن رد فعل وخوف من الردة المجتمعية الموجودة فتهلكه الطائفية والتشدد الشديد ، سيتبقى بالتأكيد ثلة تملك العقلية والوسطية فلاتستجيب لصرخات اليأس لتمزق مبادئها وأخلاقها تمزيقا ، ولا تستمع لنداءات التعصب فيضيق عقلها بنفى ورفض الآخر وقد تجد منهم من سيبدأ من الصفر ليبحث عن معناه ووجوده وبشكل علمى وعقلانى .. ربما الأمل فى ذلك القسم الأخير والذى يحافظ على اتزانه الفكرى والأخلاقى فلا تقصمه أمواج المشكلات المجتمعية والأزمات المتراكمة ، والمأمول من هؤلاء أن ينظروا لواقعنا بعين الحكمة والتجرد والإنصاف ليشخصوا مافيه من أزمات ومابه من مشكلات تعيقه نحو التعايش والتواصل والتكامل ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق