الثلاثاء، 18 فبراير 2014

هويتنا وثقافتنا المفقودة

15-3-2012
"لدي ملاحظة فيما يخص تاريخ الفلسفة عامة، وهي أن الاعتداء على الدين فلسفيا لا يكون إلا في لحظات انخفاض وانحطاط الوعي الفلسفي. فبالرجوع إلى تاريخ الفلسفة الغربية منذ لحظتها الإغريقية نرى أن ظهور الفكر الإلحادي المناهض للدين كان في لحظات تراجع الفلسفة وانحطاطها لا لحظات تطورها وازدهارها.فلحظة سقراط وأفلاطون وأرسطو -التي هي حسب غالبية المؤرخين والفلاسفة- لحظة سمو الوعي الفلسفي اليوناني، هي لحظة إيمان واعتقاد، وإذا أردنا أن نقف على لحظات استعداء الدين فيجب أن ننتقل إلى لحظة خريف الفلسفة الإغريقية، أقصد لحظة أبيقور صاحب الأسئلة الإلحادية الشهيرة المرتكزة على إشكالية وجود الشر في العالم.، كذلك الشأن فيما يخص تاريخ الفلسفة الغربية الحديثة، فالقرن السابع عشر قرن عملاق في صيرورة تطور الفكر الفلسفي الأوربي، قرن ديكارت ومالبرانش وسبينوزا ولايبنز... وهم فلاسفة مؤمنون ومعتقدون، بل حتى سبينوزا الذي كان حلوليا فهو في نزوعه الفكري والفلسفي يتسم بنزوع اعتقادي ديني عميق. وهنا أعود إلى ما قلته لك في البداية، وهو أن لحظة القرن الثامن عشر هي الأكثر استعداء للدين في فلسفة الغرب، وعند بحث المحصول الفلسفي لهذا القرن سنلاحظ أنه قرن قزم، وعطاؤه الفلسفي لا يستحق الذكر؛ فإذا استثنيت إيمانويل كانط -وهو كما هو معلوم فيلسوف مؤمن بل شديد التدين رغم أن فلسفته ستوظف لاحقا لدعم النزعات التشكيكية والإلحادية- لا تجد في هذا القرن أي قامة فلسفية تستحق التنويه، ففولتير وروسو ومونتيسكيو... هم أدباء متفلسفون لا فلاسفة بحصر المعنى. فلو عايرت كتبهم بمعيار الصناعة الفلسفية فلن تجد فيها ما يستحق التنويه، والإسهام المعرفي لهؤلاء الأدباء المتفلسفة كان إسهاما في الفلسفة السياسية، خاصة في نظرية العقد الاجتماعي وفصل السلطات. أما الصناعة الفلسفية الثقيلة، كالمنطق ونظرية المعرفة والرؤى الأنطلوجية (رؤى الوجود) فلا نجد لديهم إلا رؤى مكررة" 
هذا الكلام للمفكر المغربى والفيلسوف الدكتور الطيب بوعزة يؤكد لنا أن الهجمة الشرسة التى يتعرض لنا حاضرنا الإسلامى من موجات التغريب والمادية المفرطة وما نتج عنها من ارتفاع ملحوظ فى معدلات الإلحاد والتشكيك لدى شبابنا هى نتاج لندرة الفلاسفة والمفكرين والمتكلمين حاليا .. ففى واقع إسلامى حالى ظل لعشرات السنين يغلب عليه الطابع السلفى المحارب للعقل ودوره فى إثبات الدين بل والدفاع عنه ينبغى أن نتوقع ذلك بل وأكثر منه كثيرا ، ولكن بعد خلخلة المجتمع العربى بثورات وانتفاضات شعبية أجدها تحمل فى جوهرها ثورة على العادات و انتفاضة ضد الجمود والسلبية والاستقرار الزائف ، شعرت برغبة عارمة من الشعوب فى التغيير الثورى والجذرى وقد بانت مظاهر ذلك التغيير عندما وجدت كتب الدكتور محمد عمارة والراحلين المسيرى والغزالى تتخطفها الشباب حاليا ، ووجدت بواعث ذلك فى قيام عدد من الحركات التى تدعو إلى العودة للعقل والمنطق ودراسة أسس الفلسفة الشرقية الإسلامية ، فأيقنت لأول مرة أننا بالفعل فى مرحلة ثورية !! نعم قد تأخذ نتائجها زمنا حتى تكتمل ، ولكن للمرة الأولى أرى بأم عينى شبابا يبدأون بالعقل وبتنمية مهاراتهم فى التفكير ومن ثم ألحظ بوادر لعودة المدرسة العقلية من جديد بعد سنوات من التحنيط والتجاهل .. أرى مصطفى محمود والمسيرى والغزالى الذين ظلمناهم فى حياتنا بجهلنا وتجاهلنا لهم ، يعودون مرة أخرى إلى الحياة ليقتصوا ممن ظلمهم فينا ، أرى ابن رشد الآن وقد أعاد الشباب كتبه المحروقة إلى الحياة ، أسمع الذين يكفرون الفارابى وابن سينا أصواتهم ضعيفة وعاجزة عن مواجهة هذا المد الهائل من المريدين للأستاذين الكبيرين ، أشعر بمزيد من الزهو والافتخار بأن جمال الدين الأفغانى والكواكبى لم يواريهما التراب .. بل كانا فقط غير مرئيين بسبب انتشار الظلام الفكرى المستبد الخامل الخانع لطيلة عشرات السنين .. فأستطيع أن أتفاءل الآن وأؤكد عن يقين بأن ثورة العقل إذا قامت فلن تستطيع أى أداة أخرى إخمادها ، وأقول بمنتهى الثبات والطمأنينة بأن حضارتنا لن تنهدم ، وستعود أقوى مما كانت عليه طالما .. بالعقل نبدأ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق