الأحد، 28 ديسمبر 2014

كرة القدم والنظام الدولى (1)


منشور بالبديل الأسبوعى 24/12/2014 عدد47
وعلى البديل الإلكترونى " بتصرف " على هذا الرابط

العك المصرى!


كانت كرة القدم قديما لعبة ركض تعتمد على مهارات فردية فطرية ومهارات جماعية مكتسبة، حتى دخلت التجارة والبيزنس ذلك المجال الذى بدأ بالمراهنات التقليدية العشوائية ثم تطور " كما تطور النظام الدولى " إلى ثقافة الشركات المتعددة الساعية إلى اتخاذ تلك اللعبة كوسيلة للربح لما لها من شعبية جارفة يسيل لها لعاب رجال الأعمال الذين دائما مايسعون إلى " بيع " أى شيء يحتاجه الناس سواء للتسلية أو بشكل أساسي وضرورى، وكعادة أى شيء تتحكم فيه التجارة بلا ضوابط، فمن المتوقع أن تتحول الشركات الممولة لكرة القدم – خاصة العالمية منها -  لمؤسسات كبرى محتكرة للعبة " إن لم يكن قد وصلنا بالفعل لتلك المرحلة ".
أما عن كرة القدم فى مصر، ولأن عصر الستينات كان متميزا بنداءات الهوية العربية والاستقلال القومى؛  كانت هناك مقاومة كبيرة تعيق إدخال نظام " الاحتراف " للعبة كرة القدم ونقله بحذافيره إلى مصر، وأعلم أن الناقد الكبير الراحل نجيب المستكاوى كان من أشد المعارضين لتطبيق ذلك النظام فى مصر . ولكن فى النهاية انصاعت مصر وغيرها من دول العالم إلى ذلك النظام الذى حول كرة القدم من هواية إلى وظيفة مؤسسية تعتمد على شركات ممولة تأخذ ربحها من الجماهير والشركات المعلنة .. وما أدراك مالشركات المعلنة !   
نعود إلى مصر، فعاملان أساسيان من وجهة نظرى هما الباعثان إلى الاستسلام المصرى لتطبيق ذلك النظام فى مصر؛ الأول هو انتهاء الحقبة الناصرية بمبادئها وشعاراتها المستقلة وبدء حقبة السادات المنفتحة العائمة بلا أى ضابط قيمى أو أخلاقى واضح، فزادت المعاملات غير القيمية وطفا على السطح مجموعة من رجال الأعمال الذين ماكان لهم أى صوت أو تأثير لا اجتماعى ولا اقتصادى أو سياسي، فى الوقت الذى أعطى لهم السادات هامشا من الحرية الاجتماعية والاقتصادية تحت مظلة حكم عسكرى هو المتحكم بشكل مباشر فى فتح وغلق " حنفية الانفتاح "..
أما العامل الآخر الذى جعل المتمسكين بمبادئ الوطنية الصلبة – كالقوميين والناصريين وبعض الاشتراكيين – لايستمرون فى مقاومتهم لذلك التغلغل الرأسمالى لتلك اللعبة هو تحول تلك اللعبة من رفاهية إلى عنوان يعكس تقدم الشعوب ورقيها فى نظر المجتمع الدولى بشكل عام، فاللعبة دخلت حقل التنافس العالمى والدولى من خلال قوة الترويج لكئوس العالم وبطولات الأندية الأوروبية ، مما جعل ظهور دول واندية على قمة عروش اللعبة يعطيهم الشعبية الجارفة العالمية والمكانة الدولية الكبيرة التى بالطبع يظمأ لها دعاة الكرامة الوطنية وتقشعر أبدانهم وهم يسمعون السلام الوطنى المصرى ينال تكريما لائقا فى المحافل الدولية . بالتالى بات تطوير مستوى اللاعبين والحكام والمدربين والأندية بوجه عام – وهم الوقود اللازم لتطوير منتخباتنا القومية – ضروريا وأساسيا ولم يعد حالة من الرفاهية ، ولأن الدولة بكافة مؤسساتها ودعائمها للعبة لن تصمد أمام التطور الرهيب للعبة على جميع المستويات – من منشآت وملاعب وأندية وقاعدة لاعبين تستوجب التوسيع والرعاية والتنمية – مما سيجعلها تقف عاجزة أمام جولات المنافسة العالمية، لم يعد مفرا أن يسلم أصحاب المعايير الصلبة من دعاة الاستقلال والهوية الوطنية، مفاتيح التطوير والتنمية إلى الشركات الخاصة وبالتالى القبول بنظام الاحتراف ..
ولأن السياسيين والاقتصاديين فى بلدنا العزيزة لايمكن اعتبارهم أبناء بررة لمبادئ النظام الدولى ولا لاعبين مهرة محترفين فيه، بل متلقيين خائبين يبررون فشلهم فى نيل أى مكاسب منه بأن مبادئ هذا النظام تتعارض مع هويتهم التى لايعرفونها من الأساس، وفى الوقت نفسه لايلتزمون بمعايير أخلاقية تحكم تصرفاتهم وممارساتهم وتعبر عن هويتنا الحقيقية متعللين بحجية مبادئ هذا النظام " الغاية تبرر الوسيلة واللى تغلب به العب به " من الناحية العملية والتطبيقية ! بالتالى صارت مصر التى " رقصت على السلم " اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا منذ فترة السادات وحتى الآن، تعانى من نفس المشكلة فى كرة القدم، فلا الاحتراف يطبق بمعاييره الغربية الكاملة ولا تدار اللعبة الشعبية الأولى بمبادئ ومحاذير وقوانين تمنع الاحتكار وتضبط الأداء الإدارى والتنظيمى وترفع المستوى العام للعبة فى مصر وتضيف إليه هويتها القيمية والأخلاقية !  فسقطت لعبة كرة القدم فى مصر لإدارة الهواة ومنطق الفهلوة وثقافة " خد مصلحتك واجرى " كصورة مصغرة لمنظومة الإدارة العامة فى السياسة المصرية الحالية .


الأحد، 21 ديسمبر 2014

عن الإرهاب ومواجهته 5

منشور بالبديل الأسبوعى  بتاريخ 17-12-2014 عدد46
وعلى هذا الرابط

الحكاية الثانية بطلها صديقى الكاتب والباحث الدكتور يحيى جاد حيث جمعتنى الظروف السعيدة بمقابلته ، وفيها استعرض بعضا من أفكاره التى ملأت صفحات مؤلفاته الصادرة حديثا، ولأننى كنت محظوظا بأن يتلقف ذهنى " خلاصة " تلك الأفكار قبل النظر فى كتبه نفسها، حيث تحدث عن الحاجة إلى تقديم أطروحة مختلفة لأصول الاستنباط من الكتاب والسنة، إلى جانب نظرة معيارية واضحة للتأمل فى المحتوى القرآنى وكيفية أن يستمد الإنسان منه تكليفاته الروحية والاجتماعية والشرعية منه باعتباره الأصل الأول قطعى الثبوت وكثير من آياته قطعية الدلالة.
على قدر سعادتى بهذا الحديث لكنى لم أخفى حزنى حقا بعد تلك المقابلة.. لأن واقع من ينادون بتجديد الأزهر وتخليصه من الجمود قد صاروا على أنماط متعددة؛ بين المهمش بالكلية للنص النبوى اعتمادا على كونه ظنى الثبوت داعيا إلى بالتخلص من سيطرة الفقهاء على أحكام التشريع بل و هدم بناء أصول الفقه بالكلية وذلك تأصيلا لكون كل إنسان يستطيع الاستنباط من قرارة عقله ونظره الخاص فى القرآن فقط وكذلك لأن الفقهاء كانوا مصيبة الأمة ومانعيها من التقدم والتطور؛ وبين فريق آخر قوى من المدافعين عن الأزهر بشكله وصورته الفكرية الحالية متهما للفريق الأول بعلمنة الأزهر والمؤسسات الدينية بشكل عام وإدخال النسبية الشديدة و تعويم الأحكام الشرعية كإجراء يمهد لإلغائها أو وقصرها على الأحكام الفردية التى لن تخلو هى الأخرى من خطر التعويم، بالتالى قد نستيقظ على العديد من الآراء الدينية التى تقول أن الزنا ليس محرما فى الإسلام والخمر والربا لاسند قوى يحرمهما وكذلك الصلاة نفسها قد لاتعمد على حركات بعينها كشرط لصحتها وهلم جرا ..
والواقع أن ثمه تيار عقلانى آخر يقف مستندا إلى المنطق و يتسم بالمرونة والعصرية مع استيعاب تام للمطلقات والثوابت من الأحكام الشرعية والتى تم إثبات موثوقيتها واعتبارها من الأحكام الفطرية للعقل الصريح والنصوص الشرعية المعتبرة . وعلى هذين الأساسين المعتمدين يرفض هذا التيار أن ينجر إلى محاولات التجديد التى تنادى بإلغاء دور الفقه المعتمد على النصوص النبوية بالكلية تحت حجة أن عددا من الفقهاء تعاملوا مع تلك النصوص عن جهل أو سوء استخدام !وكأننا ينبغى أن نلغى علوم الطب مثلا طالما أن عددا غير قليل من الأطباء قد تسببوا، بإهمالهم أو تناسيهم لقواعد المهنة وأدبياتها؛ فى وفاة أشخاص أو المتاجرة بالأعضاء البشرية نفسها !!
ولكن ما المطلوب إذن وقد وصل الحال إلى أن الخطاب الدينى " سواء بالأزهر وغيره " قد تم وضعه إما فى يد المتاجرين بالدين وخادمى السياسيين، أو فى يد المتحجرين الذين قد يكونون أشد خطرا على الدين نفسه كما يقول الشيخ محمد الغزالى؟ المطلوب أن يكون الحق هو الهدف الأسمى والإنصاف هو المبتغى، لا التجديد من أجل التجديد ولا الوسطية من أجل التوافقات ووضع الحلول غير المنحازة. تلك العقلانية تتطلب موقفا منصفا من علوم أصول الفقه وطرق الاستنباط واتجاها متعقلا من السنة النبوية وعلم الجرح والتعديل نفسه دون الإلغاء الذى يدعو إليه المتشنجون وأصحاب العقول التعميمية والثقافة الثنائية أو التقديس المبالغ فيه للمحدّثين والذى ينتهجه المقلدون دون روية واستبصار. نحتاج إلى أن ينهض عقلاء الأزهر بأنفسهم للقيام بتلك اليقظة العلمية المطلوبة والتى تفاءلت كثيرا بإمكان تحقيقها وأنا أستمتع بحديثى الشيق مع الدكتور يحيى جاد الذى أتمنى أن يوفقه الله فى اتجاهاته ويكثر من أمثاله من الباحثين الشباب.. فمازال هناك أمل !


الاثنين، 15 ديسمبر 2014

أنا منّـك



أنا منّـك
نفَسك فيا يملانى
وكإنك
بطن ولسه شايلانى !

انا وانتى  دا كنا يادوب
روح واحدة فى حضن قلوب
بلاش نهرب من المكتوب
مسيره يضمنا تانى ..
..............................

أنا منّـك
قلبى بيقوى بحنانك
أنا دمك
روحى بتروى بستانك

أنا فيكى ومش حاسة
أنا ايديكى أنا اللمسة !
أنا نسمة هوى هامسة
ساكنة جوا وجدانك ..


أنا منّـك ..

السبت، 13 ديسمبر 2014

إنها الحجاب !


منشور بالبديل الأسبوعى  بتاريخ 10-12-2014 عدد45
وعلى ذلك الرابط (بتصرف)




وما أدراك ما الستينات؟ اتخذ الاخوان المسلمون موقفا مشيطنا للزعيم الراحل عبد الناصر وحقبته بأكملها، وصار على نهجه الكثير من المنتمين للتيار الإسلامى معتبرين أن تلك الفترة هى الأكثر انتكاسة من حيث الروح الإسلامية والأخلاق بشكل عام، ربما لم ينس الاخوان المسلمون ماحدث لهم فى فترة عبد الناصر معتبرين نفس تلك الفترة هى الأسوأ من حيث مصادرة حرياتهم واعتقال قادتهم .. على الجانب الآخر وقف تيار آخر يدافع بقوة عن جميع الإجراءات التى تمت فى تلك الفترة ويقدم صورة مثالية ملائكية عن كون هذا الزمن " الجميل " هو أزهى عصور مصر الحديثة ولايضاهيه سوى عصر محمد على أو العصور الفرعنية القديمة وبعض فترات مصر الفاطمية والمماليك " فى بداياتهم " .. هذا الموقف يتبناه التيار الناصرى والمتوافقون معه الآن من التيارات المؤيدة للحكم العسكرى " بوجه إجمالى " أو الرافعون لشعار الوطنية التى تعنى - فى نظرهم - تقديس وتكريم كل رئيس جمهورية حكم مصر باعتبار أنه " رمز " لمصر والمصريين وهذا يكفى لتكريمه بدون الحديث عن إنجازات فى مقابل إخفاقات وفشل ! ولعل مايسمون أنفسهم " أبناء مبارك " هم المصداق الأتم المنطبق عليه تلك القاعدة والشعار .
ليست تلك المقدمة التاريخية بغائبة عنا الآن ونحن نشهد فى أى حدث أو ذكرى تتعلق بتلك الفترة نشاطا ملحوظا من الفريقين المتناحرين ، فنجد نفس الردود والتبريرات والاتهامات من الطرفين  بنفس المفردات والكلمات التى اعتدنا على سماعها: جوانب من مذكرات الراحل محمد نجيب يستشهد بها الإسلاميون، وشواهد تاريخية تتعلق بتنظيم اخوانى مسلح- تبرأ منه حسن البنا كما يقال- يعتبره الطرف الثانى ذريعة للأحكام الصادرة ضد قيادات وشباب الاخوان المسلمين وقتها، ناهيك عن أزمة إعدام سيد قطب وهى التى اهتزت لها قلوب الإسلاميين الأصوليين منذ وقتها وإلى الآن . ولكن مالجديد إذن؟ ماطرأ مؤخرا من خلال شبكات التواصل الاجتماعى هو تناول تلك الحقبة من منظور مختلف عن ثنائية الرؤيتين السابقتين؛ نظرة تبرز أن تلك المرحلة شهدت ترقى اجتماعى حقيقى لأن " البنات " فى الصعيد والأرياف، وبالطبع العاصمة، مجردات من الحجاب وغطاء الرأس وأحيانا غطاء قصبة القدم وأعلى الركبة بقليل " فيما يعرف بالمينى جيب " ! وأن الحجاب الذى انتشر فى الثمانينات هو مظهر من مظاهر التأثير الوهابى السعودى الذى اجتاح مصر وقدم صورة قبلية للإسلام بعيدة كل البعد عن جوهره وحقيقته، وكان من ضمنها الحجاب أو النقاب وبعض المظاهر السلبية التى أضرت بمجتمعنا كثيرا وحرمته من مظهر التقدم الذى كان ينعم به لتجره جرا للرجعية والتأخر الحضارى .. فى الواقع لم أكن ألتفت لتلك المقولة إذا ماكانت صادرة من احدى السيدات التى تعانى الآن من ظلم وقسوة المجتمع الذى يحارب رغبتها فى أن " ترتدى " ماتريده دون ضغط نفسي أو تخويف أو اتهام بالانحراف أو " تحرش " ! لكن الملفت حقا أن تلك النغمة بدأت تزداد فى لهجتها على المستوى الإعلامى أيضا حتى وصلت إلى  لسان وزير الثقافة نفسه الذى تكفل بعرض نفس وجهة النظر تلك، بل ومتقمصا دور الفقهاء عندما أضاف إليها أن الحجاب نفسه ليس فرضا!

للأسف ما آلمنى فى تلك النظرة المختلفة أنها فاقت النظرتين الكلاسيكيتين " الاخوانية – الناصرية " فى السطحية وقشرية الطرح والرؤية إلى درجة أهملت فيها بشكل كبير الإنجازات السياسية والاقتصادية لتلك الفترة والتى لم يكن لنزع الحجاب أى تأثير فيها بقدر ماكانت قرارات فردية من زعيم بقدر جمال عبد الناصر، كما غضت الطرف عن المشكلات المتعلقة بالحرية والديمقراطية والحبس التعسفى للعديد من الشباب تحت ذريعة انتمائهم للاخوان المسلمين إلى جانب أزمة مراكز القوى نهاية بنكسة 67 التى كانت " اللمسة الأخيرة" القاضية على تلك الحقبة بأكملها والتى أيضا لم تكن نتاج لحالة مجتمعية انتشر فيها المجون والرقص بشكل سافر فى كافة قطاعات المجتمع – كما صور الإسلاميون – بقدر ماهى سقطات وأخطاء أيضا فردية من طبقة حاكمة يتزعمها نفس الزعيم جمال عبد الناصر وقد أعلن مسئوليته عنها بشكل واضح بعد النكسة . خلاصة القول بأن اختزال حالة المجتمع المصرى فى تلك الفترة " بدون حجاب وذقن " لاتعكس بشكل سليم أثرا كبيرا لتلك الحالة المجتمعية لا فى تقدم المجتمع " إذا كنت من المؤيدين لنظام الستينيات " ولا فى تراجعه " إذا كنت من المعارضين لذلك النظام " بل تتعلق المسألة لمسببات أكبر مما يدور فى ذهنية شخص تلمع عيناه لمجرد رؤية صورة لمجموعة من السيدات بلاحجاب، يضحكن ووراءهن منظر شارع نظيف غير مزدحم(بالأبيض والأسود) ويقارنها بماهو حاصل الآن مستحضرا صوت أم كلثوم و" زمن الفن الجميل " ليقدم لنا استنتاجه العميق : " وجدتها ! إنها الحجاب ! " أليس كذلك يا سيادة الوزير؟ 

عن الإرهاب ومواجهته (4)



منشور - بتصرف - بالبديل الأسبوعى بتاريخ 3-12-2014
وعلى هذا الرابط

فى الوقت الذى تتبنى مؤسساتنا الدينية عبء مواجهة الإرهاب والتطرف الفكرى، ولاتكاد تلك المؤسسات تخلو من المصداقية السياسية والتجرد عن المصالح كما قلنا مسبقا، فإن عجائز تلك المؤسسات تمنعهم عقولهم الجامدة أيضا من التطوير والتجديد سواء لمناهجهم العلمية التى اعتمدوا عليها والتى أصابها الصدأ من كثرة مخالفتها للعقلانية المطلوبة وقلة مراجعاتهم لها لدرجة تجعلهم يضعون أى محاولة من محاولات التجديد والتطوير فى قيد الاتهام بالعلمانية أو التحرر من الدين، بذلك يصير المخالف لأفكارهم إما وهابى أو علمانى أو معتزلى فاسد ناكر للسنة النبوية، مثلما هاجمت أقلامهم من قبل العديد من المفكرين المنحازين للاتجاه الإسلامى لالشيء سوى لمحاولاتهم التجديد ونفض عباءة تقديس السائد دون إعمال العقل فى كينونته وحجيته.. 
وحتى أستطيع إيصال الفكرة بشكل أوضح أحكى لكم حكايتين: الأولى عندما كنت فى زيارة إلى لبنان الشقيقة، وقع فى يدى كتاب للأستاذ عباس نور الدين، وهو مفكر محسوب على المؤسسة الدينية الشيعية بجنوب لبنان، الكتاب بعنوان " شباب الجامعة يسألون " واصفا فى مقدمة الكتاب بأن تلك الأسئلة هى مجموع ما تلقاه فى زياراته للجامعات اللبنانية المختلفة بما تمثله من تنوع مذهبى وفكرى واضح .. فى الحقيقة أذهلتنى الأسئلة نفسها والتى كانت عناوينها : ما معنى أن الله بسيط غير مركب؟ كيف خلقنا الله من لاشيء رغم أن هذا يعنى أننا مخلوقون من العدم الذى لاوجود له وبالتالى صار العدم شيئا موجود ! مامدى اتفاق المثل الأفلاطونية مع مبدأ " فطرة الإسلام "؟ هل يفيد العرش بأن وجود الله محدود؟ وغيرها من الأسئلة الوجودية التى تتعلق أيضا بالظلم والعدل والشر والخير وأفعال العباد ! ومع ذهولى من عمق الأسئلة عند طلبة الجامعات اللبنانية ذهلت أيضا من رحابة صدر هذا المفكر المتدين وقوة ومتانة إجاباته ومحاولة تأصيلها عقليا ودينيا بشكل سلس وقوى وابتعاده عن الإجابات السخيفة والمضحكة على غرار " إن الخوض فى تلك المسائل رجس من عمل الشيطان وأنك ينبغى أن تتوب عن التفكير فى تلك المسائل ! " أو إن تلك الأسئلة والشبهات هى دسائس وضعها المستشرقون ليشككونا فى ديننا وأنك ينبغى ألا تضع لهم الفرصة لهدم الدين بالتالى فابتعد عن التفكير ! . عندها سألت نفسي " ماذا لو كان لدينا علماء شباب لديهم العلم والحجة والمصداقية والدليل العقلانى الواضح بما يمكنهم من احتواء تساؤلات تلك الشباب ؟ "
 للأسف لدينا الآن ثلاثة أقسام من الدعاة، الأول: دعاة كلاسيكيون منتمون إلى مؤسسة كبيرة تدعمها الدولة وقد وصل بهم الحال إلى اعتبار أن الدعوة فى صلاة الجمعة هى عمل وظيفى لايحتم عليهم التعمق ولا القراءة المتأنية لمطالب العقيدة واستيعاب مدى التطور الذهنى الذى حل بأفراد المجتمع والذى جعل الطفل والفتى والشاب والرجل والكهل يتكلمون فى سبب خلق الله للكون وهل غير المسلم فى النار؟ ومادليلك على تواتر القرآن ورأيك فى سحر النبى ومحاولته التردى وزواجه من السيدة عائشة وهى بعمر التسع سنوات؟ الثانى : دعاة جدد لايفهمون من تجديد الخطاب الدينى سوى البدلة والكرافت وإثارة النكات والحكايات الواقعية عن الشاب الذى ترك دينه وأخلاقه فابتلاه الله بالفقر والإدمان وانتهى الفيلم بعودته توبته وسط بكاء الحاضرين ! والثالث : دعاة متحجرين ينتمون لتيارات من المفترض أن النداء الحالى لتوجه الدولة هو مواجهة أفكارهم المتغلغلة لما لها من أثر فكرى أوصلنا إلى تلك المرحلة من الجمود والسطحية ..
ثلاثة أصناف من الدعاة بعيدة كل البعد عما فى مكتبة هويتنا الدينية والثقافية من مؤلفات للإمام محمد عبده ورشيد رضا وعمارة وابن رشد والغزالى والمسيرى وأبو الحسن الشاذلى وغيرهم من مفكرين ودعاة أخلاق يستطيع علماؤنا الاستفادة من أفكارهم والتعمق فى فلسفتهم مع الحفاظ على هويتنا وماتبقى من دورنا الثقافى المفقود !  أما الحكاية الثانية ففى المقال القادم إن شاء الله.

الجمعة، 28 نوفمبر 2014

ليالى طوال !


ليالى طوال
بفكر فيك وعايشها بمليون حال
ليالى طوال
بحيا فيها عالذكرى .. وقلنا وقال

ليالى طوال
بعانى فيها من بُعدك
مليش فى الدنيا شيء بعدك
قول لى ازاى تعيش وحدك
.. وخالى البال ؟
ليالى طوال ..
.......................

ليالى طوال
قدرت ازاى تعيش تانى .. وتحرمنى
ليالى طوال
ياريت لوحتى تنسانى .. تعلّمنى

ليالى طوال
ولو فى كلامى بتكذّب
فمش زيي بتتعذب
تعالى نعدها ونحسب
وجع مين طال ؟

ليالى طوال ..

عن الإرهاب ومواجهته 3

منشور بالبديل الأسبوعى بتاريخ 26/11/2014
وعلى هذا الرابط
كيف نقضى على الإرهاب الذى ماعاد تهديدا خارجيا فحسب، بل ونبت داخلى ينمو بقوة ويهدد أمننا القومى بشكل متسارع ؟
أولا : قبل أى مواجهة ينبغى أن نوجه سؤالا لأنفسنا. هل نظامنا الحالى بأدواته الأمنية والقضائية والإعلامية والنخبوية ومؤسساته الدينية ومنظماته المجتمعية يتسم بالعدالة فى حكمه على الآخر وتقديمه البديل وإجراءاته وأدواته فى المواجهة؟ قطعا الإجابة بلا وقد تحدثت عنها تفصيليا متناولا الشق الأمنى وملمحا إلى خلل قانونى " قانون التظاهر " وكذلك سياسي سواء فى التعامل مع جماعة الاخوان ومؤيديها والمتعاطفين معها بشكل واحد ومساواتهم بالإرهابيين الحقيقيين، بل وخارجيا التنسيق مع الأمريكى والسعودى من أجل المواجهة سويا لتيارات التكفير الداعشي !
أما على المستوى النخبوى فلا يمكن لضابط شرطة يظهر فى الأجهزة الإعلامية  وهو يقرأ كتابات سيد قطب ويحللها من الناحية " الفكرية " ويوضع أوجه الخلل الفلسفى فيها؛ أن يكون مقنعا لشباب ينهمك فى قراءة كثير من أفكار مفكرين وفلاسفة آخرين. ومقارنة ماوصلوا إليه من قراءات وأفكار مع عقل هذا الشرطى المتقاعد يتجاوز المسافة الضوئية بين الأرض والشمس ! ولايمكن لبعض العلماء الأزهريين الرافعين شعارات مواجهة الفكر " الوهابى " أن يحظوا بالمصداقية والمقبولية ومنهم من كان يطبل لنظام مبارك السابق ويصف رئيس الجمهورية الحالي بأنه مبعوث الرحمة الإلهية كما المسيح، بل والبعض الآخر من المعتادين على الجلوس فى موائد السعودية وضيافة خادم الحرمين ! وآخرين وصل بهم الحال إلى القطيعة مع الجانب السعودى والجلوس على المائدة الإيرانية .. وكأن إدمان الجلوس على الموائد مرض لم يستشفوا منه بعد ! هل هؤلاء وأمثالهم من إعلاميين، نعرف جميعا تاريخهم القريب قبل البعيد، قادرون على مواجهة الأفكار المتطرفة وإيجاد الطرح البديل الذى يروى ظمأ الشباب الجائع للمعرفة والمتعطش للعدالة والأطروحات المفعمة بالقيم الأخلاقية؟ .. الإجابة بكل ثقة أن نظامنا الحالى - بأدواته المتنوعة - ليس قادرا على المواجهة والحل إن لم يكن هو نفسه سببا أكبر فى تفاقم الأزمة كما أوضحنا فى مقالاتنا السابقة وكما قد يستشعره أى إنسان يشاهد حلقات تليفزيونية تواجه فيها المذيعة ملحدين ومشككين بشكل يثير الضحك والغثيان فى نفس الآن !

ثانيا : إن المواجه للإرهاب ينبغى أن يملك جانبا من الوعى بالظروف التاريخية والموضوعية لنشأة تلك التيارات، من يدعمها ويقدم لها الهواء النقى للحياة والنمو، وما السبيل إلى وأدها بالحجة والدليل البعيد عن الإقصاء والتخوين، فمن يتهمك بالكفر لايمكن أن تواجهه باتهامك له بالخيانة الوطنية. فلتقرأوا كيف واجه الإمام على بن أبى طالب الخوارج بالحجج القرآنية والأدلة العقلية المستمدة من الدين نفسه " وهو الأرضية المشتركة بين الطرفين والتى يمكن احتكامهما إليه " بل وكيف نجح فى إقناع الآلاف منهم مرة أخرى فى العودة لصحيح الدين والعقيدة، وفى الوقت الحاضر قارن بين كلمات الإمام علي فى حقهم وبين كلمات بعض مشايخ الأزهر التى تتعامل معهم كما الوباء القاتل والجراثيم التى ينبغى أن يدوسها النظام بكل حزم ، فلا حوار ولا أرضية مشتركة بيننا، لهم قرآنهم ولنا قرآننا ! لعمرى أين ذهب العلماء الذين تحدثوا مع الجماعة الإسلامية فى الثمانينيات والتسعينيات ونجحوا فى إقناعهم وقتها بالتوبة ؟ فالأزهر الآن مشغول بإحياء الاتجاه المتصوف " الذى لايحمل معه أى رد أو حجة للإقناع " والدكتور على جمعة منشغل بالهجوم على ابن تيمية وعلماء التيار الحشوى فى حالة تعكس غيابا تاما لآليات الحوار البناء  المدعوم بالحجة والدليل دون الهجوم والاتهامات !

عن الإرهاب ومواجهته 2

منشور بالبديل الأسبوعى بتاريخ 19/11/2014
على هذا الرابط

كيف نواجه الإرهاب الفكرى الذى وصل لحد استخدام السلاح سواء فى سيناء أو فى منطقتنا العربية بوجه عام ؟ قلنا فى المقال السابق بأن الأفكار لاتوجهها سوى الأفكار وأكرر بأن الجلاد الظالم لايمكنه من يوم وليلة أن يستمد لنفسه مصداقية من كونه يواجه طرفا إرهابيا طالما هو غير قادر على التمييز بين الإرهابى وبين من يؤيده وبين من يحرضه أو من يتعاطف معه أو من يتشابه معه فى الفكر، هنا لدينا خمسة أطراف: الجانى والمحرض والمؤيد والمتعاطف والمتشابه معه، تلك الأطراف – للأسف- جميعها فى رأى جلادى النظام شيء واحد، وربما لايعرف هؤلاء – أو يعرفون ويتجاهلون – أن عدد المتشابهين مع الأفكار التكفيرية بالملايين فى مصر لأن المنبع الفكرى واحد " وهو التيار الإسلامى " هذا التيار الذى كما أفرز على بن أبى طالب وعمر بن العزيز؛ أفرز أيضا الخوارج التفكيريين والدولة الأموية الظالمة وهاهو يفرز الآن تنظيم القاعدة وداعش وفى نفس الوقت المملكة السعودية! ولامجال للاستغراب عندما تجد النظام السعودى يحارب داعش ويقاوم القاعدة مثلما كانت الدولة الأموية والخوارج فى قتال دائم حتى سقوط الدولة الأموية.. والعقلاء يعرفون أن كلا التيارين لايمثل الإسلام لا شكلا ولا موضوعا .
نعود إلى واقعنا ونقرر أن النظام الحاكم الذى لايفرق فى تعامله بين التكفيرى الذى يضع الحزام الناسف وبين الطالبة الجامعية التى تضع دبوس رابعة تعاطفا مع عدة آلاف من المقتولين والمصابين تم تصفيتهم بدم بارد لأن العشرات منهم يحملون السلاح ! هذا النظام ليس مأمولا منه أن يقيم عدلا ولا أن ينجح فى احتواء الإرهاب ولا استعادة مكانتنا الإقليمية وهو مازال يضع يده مع الأمريكى والسعودى لتصفية الإرهاب الذى كان الأول داعمه السياسي واللوجيستى والثانى منشأه الفكرى !
لست من الذين ينكرون الاعتراف بأن البلد مستهدفة بحق من تيارات تكفيرية ممولة والذين يقولون بأن الإرهاب والتهديدات الخارجية مجرد فزاعة اخترعها النظام ليفرض سلطته ويتمكن بشكل أكبر؛ لكن وإن كانت تلك نية النظام فلايعنى هذا أن التهديد الإرهابى مزيف وأن كل التفجيرات الحاصلة من صنع المخابرات المصرية وأنهم هم من قتل جنودنا الشهداء بسيناء وكافة مناطقنا الحدودية! فلايمكننا أن نعقل ذلك خاصة ونحن واضعون يدنا على التغيرات التى تحدث فى مجتمعنا المصرى خاصة بعد أحداث رابعة، بين عديد من الشباب الذين فقدوا أهاليهم سواء فى رابعة أو فى سجون النظام تحت حكم قانون التظاهر المضحك. أرصد وأشاهد بنفسي رغبة عدد غير قليل من هؤلاء فى الانتقام مما حصل لهم ولاخوانهم وزملائهم بالجامعات سواء فى العام الفائت بجامعة الأزهر وحرمها ومدينتها الجامعية على وجه الخصوص أو بالعام الحالى والذى لايبرز فقط أن هناك بعض الجامعيين يودون التخريب – وهذا شيء لاننكره- ولكن هناك فرق كوماندوز دخلت الجامعة من أجل الإرهاب والتخويف وإهانة كرامة الطلبة جميعهم بدلا من الاحتواء والسماع والحلول ألأكثر عدالة. ولكن هيهات ففاقد الشيء لايعطيه كما ألمحنا سلفا.

الخلاصة أنه لاحل مأمول للأسف للقضاء على الإرهاب الحقيقى الذى ماعاد تهديدا خارجيا فحسب، بل صار ينبت من داخل مجتمعنا ويمده بالماء والأملاح نظامنا الذى لايفهم فى لغة التعامل سوى القوة ولايفرق بين الإرهاب وبين أى إسلامى يمشي على الأرض أو أى متعاطف مع الضحايا أيا كان انتماؤهم وأفكارهم؛ فالإسلامى إرهابى فى مصر بوجه عام والمدنى المتعاطف مع الضحية حتما غير وطنى وممول من الخارج، فليسقط جميعنا ويبقى هو ونظامه وإعلامه وأهله وعشيرته !  

عن الإرهاب ومواجهته 1

منشور بالبديل الأسبوعى بتاريخ 12/11/2014
وعلى هذا الرابط

كان المفكرون المصريون لمئات من سنين مضت حاملين لمنبر الإشعاع الفكرى والثقافى للمنطقة العربية ككل بل أكثر من ذلك فى محيطنا الإفريقى والمحيط الإسلامى أيضا، سواء عبر الأزهر أو عبر أدبائنا ومثقفينا ومفكرينا من كافة التيارات الفكرية ، من الإمام  محمد عبده وقاسم أمين إلى نصر أبوزيد وحسن البنا وسيد قطب وعبد الناصر ونجيب محفوظ وغيرهم ممن لايمكننى أن أحصرهم حفاظا على محدودية المقال .. 
ليس فى ذهنى أن أتحدث عن أسباب التجريف الحاصل الآن فى مصر والذى بلا شك له أثر قوى ومباشر فيما يحدث فى منطقتنا العربية من تمادى للتيارات التكفيرية وتنامى للأفكار المتحجرة وكذلك تزايد للأفكار التشكيكية السلبية أو النسبية المتحررة، والطرفان للأسف مانعان لأى تقدم إنسان أو حضارى لما للأول من تأثير قوى تسانده القوى الغربية الكبرى بأشكال شتى من الدعم لتحقيق مصالح معينة، كذلك تغذيه وتساهم من تسارعه وتغلغله أنه يحمل راية المظلومية فى بلدان كانت أسيرة لحكم ديكتاتورى مهين على مدار عشرات السنين كمصر وسوريا والأردن واليمن وليبيا وغيرها، أو لبلدان أسيرة للاحتلال الذى لايقل تأثيرا فى الشعوب عن التأثير الديكتاتورى نفسه؛ كالعراق وأفغانستان .. ولما للثانى من قوة استمدها من رد فعل عنيف تجاه الزيادة المفرطة للاتجاه الأول.
فقط كل مايمكن أن يقال أن مصر مسئولة عما يحدث فى المنطقة؛ مسئولية فكرية وثقافية ودينية فضلا عن مسئوليتها السياسية والاقتصادية الغائبة تدريجيا منذ عزلها عن قضايا المنطقة بموجب اتفاقية كامب ديفيد المشئومة . وإذا كانت الأفكار التكفيرية باعثها ومنشؤها الحجاز " أو منطقة نجد بالتحديد " إلا أن دورنا المتخاذل عن مواجهة تلك الأفكار لم يقتصر على السلبية أو تجنب المواجهات فحسب، بل تعداه لأن باتت مصر من أبر البؤر المصدرة لأفراد ينتمون لهذه التيارات نفسها ! لا أريد أن أنعش ذاكرتكم بعدد المصريين الذين يحاربون فى سوريا والمنضمين حديثا لداعش فليس عندى عداد يقوم بالرصد الدائم للأرقام التى تتزايد يوميا سواء فى سفرها المباشر أو فى نسبة المؤيدين لتلك التيارات على شبكات التواصل الاجتماعى من المصريين ! بل فقط أود تذكيركم بأن قائد تنظيم القاعدة هو طبيب مصرى يدعى أيمن الظواهرى . يكفى ذلك  لنعرف إلى أى مدى وصل بنا الحال من الانحدار الفكرى والثقافى بأن صرنا نحن مصدرا للقلق والاضطرابات بالمنطقة بعدما كنا مصدرا للإشعاع والتنوير .

وبعيدا عن الحزن والتحسر بلافائدة لا أجد نفسي، وأنا الذى أفخر بالانتماء إلى هذا الوطن الغالى وتاريخه العميق العريق، إلا أن أحذر بدافع وطنى وأخلاقى من شخص يشفق على أمته من الانهيار، بأن استمرار قادتنا السياسيين فى استخدام العنف والحلول الأمنية لاحتواء تلك التيارات لن تجدى نفعا للأسف، فلا قادة تلك البلد الغالية يتسمون بالرصيد المقبول من العدالة التى تجعلهم يلجأون للعنف والقسوة؛ فتاريخهم الإجرامى يشهد على مدى عشرات السنين، ولا هناك حالة حقيقية من الالتفاف الوطنى والشعبى وراءهم لمحاربة الإرهاب داخليا وخارجيا مثلما التى كانت على عهد عبد الناصر سواء فى مشاريعه القومية المحترمة أو فى إجراءاته التعسفية  نفسها. فالواقع مختلف وصار الشعب المصرى منقسم بحق إلى فريقين لكل إعلامه وطريقه وأفكاره وأدواته، لم يتفقوا فى أى معيار سوى على أمرين لاثالث لهما: الأول احتماؤهما واستقواؤهما بالأمريكى وحلفائه من أجل نيل الشرعية الدولية والثانى استعدادهما التنازل عن أى شيء – مهما كان عزيزا – لنيل تأييد تلك القوى التى لطالما ساهمت فى وصول حالنا إلى ماهو عليه منذ اتفاقية كامب ديفيد المشئومة " للمرة الثانية أكررها " وللحديث بقية !   

الحب الأعمى

منشور بالبديل الأسبوعى ، عدد 38 بتاريخ 22/10/2014
وعلى ذلك الرابط 

اللى بيحب إنسان، لازم يحبه بكل مافيه من ميزات وعيوب ومشاكل ! هكذا جعلت تلك المقولة المشهورة الحب أولا وقبل الحكم على جودة وسوء الأخلاق والتصرفات من الشخص أو الكيان الذى نحبه ونكون له التقدير اللازم ..
هى مقولة تقال وتحصد الآلاف من الإعجاب على الصفحات الإلكترونية، يقولها عاشق لمعشوقه عندما يريدها أن تتحمل أذاه وتصبر على سيئاته بل ويتهمها بأنها لاتحبه لمجرد اشمئزازها من تصرفاته أو عدم تحملها لحماقاته ! هكذا تربينا على تلك المقولة التى لانجد مسلسلا أو فيلما يتناول حياتنا الاجتماعية إلا وتقال فيها تلك الجملة التى صارت معتادة ومستساغة عند الكثيرين لدرجة اعتبارها قولا مأثورا حكيما على غرار " المركب اللى ليها ريسين تغرق " أو " إن كبر ابنك خاويه " !. لكن الناظر للمعنى الغريب من تلك المقولة لابد فى النهاية أن يضعها فى نفس خانة الأقوال الوهمية التى قد نظنها صحيحة ولها مصدرية من الحكماء والخبراء لكن فى النهاية تكتشف أنها كالذهب الصينى الذى يختفى بريقه وتنكشف حقيقته مع أول اختبار يتعرض له من أصحاب الصنعة والباحثين عن معرفة طبيعته وخصائصه. تماما مثلما اكتشفنا زيف مقولة " لحوم العلماء مسمومة " والتى طالما اعتبرنا أن قائلها نبى أو من المنتمين للصدر الأول ! فعرفنا بأن تلك المقولة تخفى وراءها أمواجا من التبرير لكل من أقحم نفسه فى زمرة العلماء بحيث تكون كالحصانة التى تعصمه من سهام النقد وتبرر له أى قول أو تصرف يفعله طالما أن مجرد انتقاده سم يؤذى صاحبه فى الدنيا قبل الآخرة !
ومثلما ثبت زيف هذا الكلام السابق كذلك ينبغى أن نتفهم مدى زيف تلك الحكمة المموهة فى أول المقال؛ ليس لما لها من آثار اجتماعية سلبية تحبط أى محاولة للتغير الإنسانى للأفضل وتقتل الحب الصادق المبنى على التعقل واحترام الفضيلة وتقبيح نقيضها وذلك بكونها لاتطلب التماس العذر أو التسامح عن الخطأ – وإلا لكانت مقبولة – بل لكونها تعتبر حب الشخص وتقبل العيوب والقبائح هو الأصل طالما أننا " نحب " بل هى مثار للاستخدام الحالى لتبرير أى موقف سياسي يقوم به الزعماء وقادة الرأى تحت ذريعة أننا " نحب " هذا الشخص وبالتالى فالتغاضي عن الأخطاء وسكوتنا على كل ماهو مشين من أقواله وأفعاله هو قمة الحب وذروة الانتماء ! قبل عدة سنوات كانت مصر " مبارك " وبالتالى فالحديث عن سوء سياسة مبارك قد تنال من وطنيتك وانتمائك لمجرد أن مبارك هو " رمز لكل مصرى " وإهانته هو إهانة لأى مصرى مهما كانت سقطاته وذلاته والفساد المستشرى فى عهده ..
وكما يقولون فى القول الأكثر واقعية " صديقك من صدقك وليس من صدَقك " فالمحب الحقيقى هو من ينشد الفضيلة ويود أن يحقق التكامل فيما يحب أو من يهوى ، كذلك الوطن والانتماء الذى ينبغى علينا أن نحب له التقدم والرقى المطلوبين فبدافع الحب والانتماء العاقل لايمكننا السكوت على مايحل فيه من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية تهدد كينونته .

إذا كان لنا أن نخلق أجيالا تتسم بالانتماء الحقيقى و تقوم بدورها القيادى والرائد فينبغى أولا أن نزرع فيهم القوة العقلية اللازمة التى تجعلهم يحكمون على كل ماحولهم من أقوال متناثرة، العديد منها لايمثل فقط تناقضا عقليا واضحا ؛ بل له أثر سيء يوجه السلوكيات والتصرفات نحو الهاوية ، فى النهاية " اللى بيحب إنسان يحب له الخير ويمنعه عن أى شر " وبمناسبة الشر فهل ينبغى أن " نبعد عن الشر ونغنيله ؟ " بإننا " نمشي جنب الحيط " ؟؟ 

أين مصر؟ مشاهد مؤلمة



منشور بالبديل الأسبوعى بتاريخ 1/10/2014
والبديل الإلكترونى على ذلك الرابط 


(1)
فى زيارتى للمغرب ملبيا الدعوة المحترمة من مركز مؤمنون بلاحدود لحضور مؤتمرهم السنوى بمراكش الغالية ؛ رأيت الراحل هانى فحص المفكر اللبنانى " الشيعى المذهب " وبجواره مفكرين محسوبين على الفكر الأشعرى والبعض من المتكلمين؛ وآخرين يروجون لوجوب الرجوع إلى التقليد وسلفيون هناك وعلمانيون يقدمون حلولا تدعو للتحرر من سيطرة الفقهاء ورجال الدين على المجالات الاجتماعية والسياسية .. الكل فى  فى محراب العلم والنقاش الفلسفى والفكرى يتحلى بتواضع منقطع النظير بحيث  لاتسمع صوتا عال،  يحترمون الاختلاف كاحترامهم لأنفسهم وأفكارهم . ومع ذلك المشهد تجسد لدى رحلة السيد جمال الدين الأفغانى التى قابل فيها علماء الشيعة فى إيران ونصحهم - وكأنه منهم - بضرورة مقاومة الشاه والاستعمار ورحلته فى مصر والهند وغيرها ، وتذكرت العالم العراقى الشيعى محمد آل كاشف الغطاء وهو يستسمح الزعيم جمال عبد الناصر فى العفو عن سيد قطب " السنى " وفى نفس الوقت تموج ذاكرتى بكتابات الشيخ محمد الغزالى وهو يدافع بقوة عن كون الشيعة لايحرفون القرآن حتى ظننت أنه سيؤذن بـ " أشهد أن عليا ولى الله " فى نهاية الكلام !
وفى تلك اللحظة المثالية انتبهت على الصوت العذب  لأستاذى المفكر المغربى الدكتور الطيب بوعزة  هامسا فى أذنى : أين مصر التى تعلمنا من نخبها الفكرية وقاماتها العلمية لعقود طويلة ؟ محمد عبده ورشيد رضا وغيرهم. لماذا تضن مصر علينا بالمزيد ؟؟ فى الحقيقة لم يجد لسانى جوابا سوى أن قلت له : دعواتك بأن نستفيق مما نحن فيه ..
(2)
عدت إلى بلدى لأعرف " أين مصر " فلم أر فى إعلامنا الخاص صاحب المشاهدات الأكبر سوى مشهد متكرر لأحد المحسوبين على متعصبى الشيعة أو البهائية وهو يجر إلى ساحات المناظرات لا ليلقى مافى رأسه من أفكار؛ بل ليتحفنا بكل ماهو تجسيد لآلامه النفسية فى صورة تشنجات وسباب ولعن لسيطرة الأغلبية .. على الجانب الآخر يجلس الأخ السنى المتعصب الذى تم استقطابه لتلك البرامج هو الآخر ليشعر بلذة الانتصار لدينه ومذهبه ظانا منه أنه يدافع عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بتكفير المخالفين وإهاناتهم وتخوينهم. مشهد متكرر يجعل المؤمنين بالصدفة يراجعون أنفسهم ليلتزموا نظرية المؤامرة ! نعم فهناك تعمد واضح فى اختيار جهلاء كل مذهب ومتصعبى كل اتجاه ؛ حتى عندما استضافوا الملاحدة أو المشككين عمدوا إلى تقديم أكثرهم عصبية واضطراب لكى " تسخن الحلقة " ويستمتع المشاهدون باحدى جولات صراع الديكة أو الرياضة فى الغابة !
وبكل أسى فإن المشهد الأول هو مايقال فى المحافل العلمية ولايسمعه سوى قليل من الناس، أما الثانى فهو مايقدم فى مصر بشكل شبه يومى ، فى المحفل الأول يتحدثون فى الأكاديميات الفلسفية والفكرية عن الإسهامات المبدعة لعلى شريعتى ومطهرى وباقر الصدر فى الفكر الإنسانى عموما والإسلامى على وجه الخصوص ولكن فى غمضة عين يتم حرق آلاف مؤلفة من صفحات كتاباتهم على لسان متعصب ينعت جميع الشيعة بالكفر والخطر على الأمة وتنفيذ مخططات الـ" يهود والنصارى " !  
وبجرة قلم يلغى صاحبنا الشيعى جهودا عظيمة قام بها الأفغانى ومحمد عبده والغزالى من أجل الوحدة الإسلامية والحوار المتسامح بين المذاهب،  كلمات مترامية تسيء إلى اتجاه أفرز أبا حامد وابن رشد والفخر الرازى والمسيرى ومصطفى محمود وطه عبد الرحمن وطه العلوانى وغيرهم .. لاعتقاده أنه بذلك " ينتصر " لأهل بيت النبى ويكسر معاول الظلم الأموى انتقاما من حوالى ثمنمائة مليون مسلم سنى لاجريمة لهم فى قتل مولانا الحسين الشهيد فى الوقت الذى كان أغلب أنصار الحسين كالفئران فى بيوتهم حال تلك المعركة الخالدة !
 كيف صرنا ألعوبة فى يد إعلام يجعل من اختلافنا الثقافى والدينى والمذهبى مادة يستعملها ليزيدنا اشتعالا فيجنى من غضبنا وسبابنا وحرقة دمائنا المزيد من الأموال والإعلانات و النجاح ؟ وكيف صارت هذه ثقافة وقع فيها السنى والشيعى والمسيحى والبهائى والملحد ممن تكاد تنجرح حناجرهم من كثرة صياحهم ضد الأمريكان واتهامهم المخالفين بالعمالة والخيانة ! فى حين يقع أكثرهم أسرى لعمالة التسويق والإعلانات وسيطرة ثقافة مادية تستبيح كل شيء "  مشاعرنا وعصبياتنا واختلافاتنا " فتنميها وتقويها مثلما استعملت أجساد نسائنا من قبل وبراءة أطفالنا من بعد ؟ بل كيف يهتفون جميهم : الموت لأمريكا التى تشن حروبا طائفية وتريد تقسيم أوطاننا ثم تجد نفس هؤلاء الأذكياء يقاومون الطائفية بالطائفية والعصبية بالنرفزة؟ لاعجب منهم إذن فى الاستعانة بالأمريكى من أجل تخليصهم من الإرهاب الطائفى الذى باركه الأمريكى ولا مجال للاستغراب عندما يستعينون بالمخابرات الأمريكية ليشكوا إليها مخططات أجهرة الاستخبارات -الأمريكية - أيضا فى تفتيت وتقسيم المنطقة !
وتجد من يحذر من الحداثة ويطنطن بعبارات المسيرى حول زمن سيطرة الثقافة المادية فى عصرها السائل الحالى هو نفسه مصاب بالعته الفكرى والانفصام المعرفى، فإما ينساق إلى دعاوى الحريات بمنظورها التغريبى ويسيل لعابه عند التعرض لمغريات تلك الثقافة على المستوى الإعلامى والاجتماعى والوظيفى، أو  قد يجر " كالمنوم مغناطيسيا " إلى صراعات عنصرية ومذهبية وهمية، أو قد تجد الحالتين فى شخص واحد  ليكتمل لديه الانفصام النفسي والثقافى إلى حالة يسميها هو بنفسه أزمة " فقدان الهوية " ويحاربها فى الآخرين ..  وهو عنده جوا  !!

فى معرض الحديث عن سبب تلك الأزمة وغيرها، لا أنكر أن ثمة استعمار طويل وقف وراء الكثير مما يحصل الآن لمجتمعنا منذ أن قسموا أراضينا بهذا الشكل، ثم يعودون الآن بشكل آخر وثوب جديد باسم الحرب على الإرهاب لتقسيمها مرة أخرى ولكن أيضا وكما قال الحكيم اليونانى سقراط أن منشأ كل الرذائل فى الجهل .. فقد قالها والحمد لله قبل أن يتفوه بها الحسين بن على ومطهرى والحسن البصرى ومحمد عبده وفولتير ! وبهذا أكون هربت من قماءة التصنيف وبشاعة الاستقطاب الجاهل .. على الأقل فى تلك الجولة !

السبت، 27 سبتمبر 2014

رهان لامحل له واعتذار واجب !


منشور بالبديل الأسبوعى عدد35 بتاريخ 24-9-2014
وعلى هذا الرابط 
كنت قد كتبت مقالا منذ عام تقريبا بعنوان " كلام بالعامية عن النظام وخروجنا مالتبعية " مرجحا فيه أن يتمتع النظام الحالى بنوع من البراجماتية الذكية ومدركا كيف أن تعامل جميع ماسبقه من أنظمة مع الأمريكى وابتعادهم عن مطالب الفقراء والمهمشين أدى إلى مزيد من الإفقار والفلس وخسران مكوناتنا الاقتصادية والسياسية الذاتية بل ومفرداتنا الاجتماعية بحيث خضع الجميع لإرادة المستثمر الأمريكى والسياسي الصهيونى مما زادنا فقرا على فقر وهما يضاف إلى همومنا المجتمعية وأزماتنا المتنوعة مسجلا حالة غير مسبوقة من العجز والفشل .
وأضفت أن الإنسان الذكى والمستوعب دروس مامضى ؛ مهما كان اتجاهه ونيته – ملاكا كان أم شيطانا – من الضرورى أن يكون على أولوية أجندته التخلص من التبعية للقرار الأمريكى وتحرير إرادتنا الاقتصادية والسياسية حتى يتسنى لنا الاستفادة من مواهبنا وطاقاتنا بعيدا عن شروط مقيدة يحددها البنك الدولى ليست فى صالح المواطن الفقير كرفع كافة أشكال الدعم تحت ذريعة تخلص الدولة من إرهاقها وتسليم ذلك إلى الشركات الخاصة – وما أدراك ما الشركات الخاصة ! بل وراهنت على أن انحياز النظام للفقراء ومتطلباتهم بات أمرا حتميا لاسيما أن كثير من الجموع الشعبية ملتفة حول تبنى أى مشروع وطنى وفى أشد درجات الحنق على مخططات الأمريكى فى المنطقة إلى درجة جعلت وسائل الإعلام تهول كثيرا من زيارات الرئيس السيسي الأولى إلى روسيا لعلمها بتوق الشعب إلى السياسات التحررية بعيدا عن القالب الأمريكى الفاشل . ولكن للأسف خاننى ظنى فى تلك المرة والذى كان دافعه أن براجماتية هذا النظام ورغبته فى الاستمرار فى الحكم مرهونة باتخاذ تلك القرارات المصيرية وأن أى اتجاه ينزوى فيه السياسيون مرة أخرى تحت الجناح الأمريكى سيعد حماقة لا يمكن أن يتصف بها أى براجماتى فى القرن الواحد والعشرين فضلا عن كونها تتعارض مع اتجاهات أصحاب المبادئ " وهم الذين استبعدنا وجودهم من الأساس سواء فى صف النظام أو المعارضة أو كافة النظم السابقة " !
ففى خطوات سريعة متلاحقة سارع النظام الحالى إلى الملجأ السعودى والإماراتى " مثلما كان يفعل مبارك " وأقحم نفسه فى مسألة أمن الخليج مقدما نفسه كجلاد قوى تحت أمر دول الخليج طالما ستمده تلك الدول بشراء السلاح والعتاد سواء من الأمريكى أو من الروسي نفسه كمحاولة لشراء الصوت السياسي الروسي وإبعاده من تأييد النظام السورى وتفكيك التحالف الروسي الإيرانى من جهة أخرى ..

لم يتمنع النظام الحالى من لعب نفس دور مبارك " وهو الدور الذى يحذر الأمريكان من الإرهاب وفيه كان مبارك يقدم النصح للأمريكان وكأنه عضو فى لجنة السياسة الخارجية الأمريكية مبرزا كيف أن تدخلها فى العراق سيهز من وضعها بالمنطقة ويؤثر على مصالحها ووو " والآن بات نظامنا يطرح نفسه على أنه المتصدى للإرهاب بالمنطقة بتمويل سعودى إماراتى محققا أقصى إفادة للمصالح الأمريكية ومغازلا الأمريكى للاعتماد عليه وهو ماتحقق جزئيا عندما ضم الأمريكى إليه القطرى والتركى " أعداء الأمس " ليكتمل إبطا الأمريكى فى المنطقة ! شعرت بالاندهاش وأنا أرى بأم عينى أن براجماتية النظام مازالت تعول على الكيان السعودى الميت إكلينيكيا والواقع تحت قبضة الشيعة بالشرق والحوثيين بالجنوب وداعش من جهة ثالثة إضافة إلى الأزمات الداخلية فى الأسرة الحاكمة مع تصاعد التفكك المجتمعى السعودى والتى ماعادت سياسة ضخ الأموال تؤتى نتائج طويلة لحل أزماته .. ومازال النظام يراهن على الانطواء تحت الامريكى الذى بات أكثر الأنظمة كراهية فى وسط الشعب المصرى ! أين إذن أوباما الاخوانى والأمريكى الذى أدخل "الإرهاب" فى المنطقة عندما نتحالف معه ومع تركيا وقطر " دول الإرهاب " للقضاء على " الإرهاب " فى المنطقة ! وأين حظوظ الفقراء والمستضعفين وسياسات إلغاء الدعم تسير بشكل تصاعدى ثابت بشكل يجعل تطبيق الحد الأدنى للأجور حبرا على ورق ؟ وأين محاربة الفساد والحزم فى تطبيق الحد الأقصى أم أن صندوق تحيا مصر بات مستودعا للتوبة والتطهير يتبرع فيه بعض رجال الأعمال بالفتات ممن امتصوه من خيراتنا وثرواتنا بدون وجه حق، بل ويمن بعضهم فى وجه النظام نفسه بأنهم قدموا الأموال مساهمين فى التغيرات السياسية الأخيرة ! فى النهاية أعترف بأنى مخطئ برهانى على مخاطبة منطقة الذكاء البراجماتى لسياسيينا الحاليين، فللأسف اكتشفت أننى أخاطب منطقة لاوجود لها ونظام مازال يتعامل خارجيا وداخليا بطريقة مبارك ..

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

بأى منطق نفكر؟ القوانين بين الحتمية والنسبية




بحث منشور بمجلة المسلم المعاصر عدد 152 " إبريل - مايو - يونيو " 2014
وعلى هذا الرابط 
http://almuslimalmuaser.org/index.php?option=com_k2&view=item&id=811:mantq&Itemid=125



منذ أن نشأت الحياة الإنسانية على الأرض وكان فى خاطر الإنسان أن يعرف الكثير عما حوله من كائنات و ظواهر طبيعية ، وكانت غاياته متباينة حول سبب تلك المعرفة ، فتارة يكون السبب هو المعرفة دفعا للضرر الحاصل من بعض الكائنات والظواهر كالبراكين والزلازل ، وتارة يصبو إلى تحقيق النفع والفائدة لتحسين معيشته وأساليبها كرغبته فى معرفة سر طيران الطائر وسباحة الأسماك والبرمائيات وسرعة الحيوانات ونمو النباتات وسقوط الأمطار وغير ذلك .. ومع محاولاته الدؤوبة للتعرف على علل وأسباب كل مايحدث حوله ارتقى الإنسان بعقله كى يعرف بوجه عام الإجابة على سؤال لايسأله فى واقع الحال إلا كائن مميز وموجود مختلف عن باقى الموجودات .. والسؤال هو " ماهى العلة الأساسية لإيجادى وإيجاد ذلك الكون من حولى ؟ هل هناك سبب مرئى أم غائب ؟ وما الغاية من خلقى ؟ ومن واقع تميزى عن غيرى فهل هناك دور أو وظيفة ينبغى على أن أقوم بها ؟؟ "
ومع التطور البشرى وزيادة عمر الإنسان وخبراته  التراكمية فى التعامل مع ما حوله من كائنات وظواهر كونية مختلفة ، زادت تطلعاته ونما أمله فى ان يجد ضالته فى معرفة العلل الأساسية لما حوله ، ومع يقينه بأن ثمة قوانين غائبة عنه تحكم حركة ماحوله ونواميس حتمية للطيران والسرعة والبناء الهندسي والقوة وغيرها بذل الإنسان على مر الأزمنة والأمكنة جهودا كبيرة لتحليل تلك القوانين ، فحاول الطيران ظانا أن الأجنحة هى السبب الرئيسي والعلة الذاتية للطيران وتنبه بعد فشل تلك التجربة بأن الريش والجناحين ماهى إلا علل عرضية تساهم فى التحليق ليس إلا وأن ثمة علل ذاتية أكثر قوة هى العامل المؤثر بالفعل فى تحقيق حلمه الأزلى بالصعود عاليا .. إلى أن أتم الإنسان مراده ليس فى التحليق عاليا فحسب بل وخارج إطار كوكبنا أيضا .. فبات الإنسان الأسرع والأقوى والأكثر سيطرة على كل ماحوله والأكثر معرفة بأغلب مسببات مايحدث حوله من ظواهر طبيعية .. حتى وصل بتحليله لأسباب مايحدث بأن يتنبأ بالأمطار هنا وبالزلازل والبراكين بعد فترة كذا من الزمن !!
والسؤال المفصلى الهام " مالذى آمن به الإنسان واعتقد بحتميته فأوصله يقينه إلى تحقيق العديد من تطلعاته ؟ " إنهما فى الواقع عاملان وليسا عاملا واحدا .. الأول هو علمه اليقينى بأن جميع مايحيط به يرتبط بأسباب وقوانين تحكم تواجده وحركته وعلاقاته ، فآمن الإنسان بقانون السببية أو أصل العلية وتمادى إيمانه به بأن جعل هذا القانون هو الذى يقوم عليه نظام الكون كله بما فيه الإنسان نفسه .. ففضلا عن الاكتشافات العلمية والتى هى نتيجة تصديقه بوجود قانون العلة والمعلول .. فإن الأثر والمؤثر يلعب دورا أساسيا فى تحليل العلاقات الإنسانية وتفسير التطور التاريخى والمجتمعى وهو القانون الذى يستفزعقل الإنسان نحو التفكير ومحاولة الوصول إلى نتائج لكل شيء عبر تحديده لأسباب كل شيء !!
والعامل الثانى هو ثقة الإنسان فى عقله بالتوصل إلى العلل الأساسية وقدرته على الوصول إلى نتائج ملموسة تدر عليه بالفائدة وتجلب له السعادة والراحة .. هذه الثقة هى التى جعلت منه مخلوقا إيجابيا متفائلا يسعى لنيل المعرفة والاغتراف من بحر علل الكون اللامتناهى بل ويتجه للطبيعيات والفلسفة ويعلن بجرأة شديدة بأن السعى للعلم هو أقصى أمانيه وغاية أحلامه ..
ولأن هناك ارتباط قوى بين هذين العاملين فقد استفاد منهما الطبيعيون فضلا عن الفلاسفة الذين – ومن خلال قانون السببية – تطرقوا إلى الكلام عن وجود سبب عاقل وإله غير مرئى هو المسئول عن إيجاد الكون بكل مافيه .. وفى ذلك يقول المؤرخ البريطانى جون بيورى " وقد كان من فلاسفة الإغريق القدماء من اقتنع بهذه النظرية التى يبدو لنا أن العلم الحديث يؤيدها بأبحاثه فى كل ميدان من ميادينه ، ولكن العلماء قد أخذوا منذ عهد قريب ينظرون إلى هذه القاعدة بقليل من الجزم وكثير من الاحتياط .. وهم يفضلون أن يثبتوها على أنها ( إطراد التجربة ) لا على أنها قانون السببية لأن فكرة السببية تقودهم إلى ماوراء الطبيعة !! " [1]
ولأن قانون السببية بطبعه يفضى إلى ضرورة البحث عن الخالق والإله الحكيم الذى دبر تلك النواميس المنظمة للكون ورغم ذلك فهو القانون الذى ينبغى أن يعترف التجريبيون بوجوده لأن من خلاله وصلوا إلى قمة انتصاراتهم العلمية فى عصر الحداثة ، فإن انتقادات أكثر الحداثيين إنكارا للميتافيزيقا لذلك القانون لم تصل إلى حد إنكار القانون نفسه .. بل فقط التشكيك فى بعض تفاصيله مثلما هو الحال مع ديفيد هيوم فى قوله " إننى أشك كثيرا فى إذا كان ممكنا أن نعرف علة عن طريق معلولها فقط " [2]، فهو لم ينكر وجود العلة بل شكك فى أن تصير النتائج طريقا موثوقا للوصول إلى العلل الذاتية للأشياء ورغم أن المقام لايتسع للرد على ذلك التشكيك ومدى موضوعيته وكذلك على الإشكالية الأخرى التى قدمها قائلا " الحجة الرئيسية على وجود الله مستمدة من نظام الطبيعة .. فأنت تقر بأن تلك حجة تسير من معلولات إلى علل .. وإن لم تستطع أن تبين هذه المسألة فإنك تقر أن نتيجتك فاشلة " [3]إلا أن إنكار قانون العلة لم يجرؤ أحد من التجريبيين فى عصور النهضة أن يقترب منه وإلا صار مجنونا وغير معترف بحقيقة التقدم العلمى الحاصل بفضل ثقة العلماء بذلك القانون الذى لم يخذلهم أبدا فى أى موقف من المواقف العلمية وفى أى تجربة من التجارب .. وهو ما أكده هنتر ميد فى كتابه " الفلسفة ، أنواعها ومشكلاتها " [4] قائلا " كشفت نظرية دارون عن تلك العملية المنتظمة الهائلة التى تتحكم فى أشكال الحياة ذاتها ، بدا كأن الزحف المطرد للحتمية قد بلغ أقصى مداه فقد تبين عندئذ أن كل الحوادث فى المجال الطبيعى هى نتائج مباشرة لحوادث سابقة ، وأن الظواهر الواقعة فى نطاق تجربتنا تكاد تكون قابلة للتفسير أو يلوح أنها ستكون قابلة للتفسير على أساس قوانين العلة والمعلول الصارمة ، وظهر بوضوح متزايد أن العمل الرئيسي للعلم إنما هو صياغة هذه القوانين العلية . واقتنع العلماء أنفسهم بأن فى استطاعتهم تلبية كل مايطلبه الذهن من تفسيرات وذلك إذا أمكنهم إعلان الاندماج التام بين مختلف أوجه تجربتنا فى نسق واحد هائل من علاقات العلة والمعلول . وفى هذه الأثناء ازداد الفلاسفة اهتماما بمشكلة العلية وأصبحوا بدورهم يشعرون بأن مفهوم العلة مفهوم رئيسي فى التجربة البشرية ، وهكذا أصبح نطاق الحتمية عند نهاية القرن التاسع عشر ، يكاد يكون شاملا " بقيت فقط الإشكالية المعرفية قائمة " هل قانون العلة فطرى ومستمد من العقل الإنسانى أم مستمد من التجربة كنتيجة لها وليس دافعا وسببا للتجارب مثلما يؤكد الفلاسفة الميتافيزيقيون ؟ "
ولكن على أبواب دخولنا عصر مابعد الحداثة اجترأ المفكرون لا على النيل والإنكار المطلق لذلك القانون فحسب ، بل على كل الحتميات والقوانين الأخرى أيضا .. بما فى ذلك التشكيك المطلق فى الوجود نفسه وهل أفكارنا تمثل الوجود على هيئته أم هناك اختلاف بين مايدور فى ذهننا وبين الحقيقة ذاتها .. ووصل التشكيك مداه بالتساؤل هل مايدور فى ذهننا هى أفكارنا نحن؟ وهل الذهن المفكر الذى صنع اللغة ليعبر بها عن أفكاره وما يدور بخلده .. هل اللغة صنيعة التفكير أم التفكير هو صنيعة اللغة !! لا نستطيع أن نقول إن هذا العصر هو عصر قلب الحقائق رأسا على عقب لأن هذا الانعكاس لو كان متعمدا لاحتاج المفكرون إلى دليل عليه .. ولكن هيهات أن يؤتوا بأدلة على آرائهم فيسقطون مرة أخرى أسرى لحتمية أن لكل شيء سبب فيصبح نقدهم لذلك القانون يحتاج هو الآخر إلى علة !! لم يقع مفكروا عصر مابعد الحداثة فى ذلك الفخ المضحك ولكن أعلنوا ضمنيا تشكيكاتهم المطلقة فى القوانين والحقائق حتى يخرجوا من مطب اليقينية والحتمية ولو بالإنكار .. فباتت معالم ذلك العصر الرئيسية تحمل اللافتات المعروفة الثلاثة والتى نسمعها كل يوم عبر جميع وسائل الإعلام حتى تكاد تخرق آذاننا وهى " كل شيء نسبى " و " التحرر المطلق " و " الشك فى المعرفة والعلم " ..
بالتالى قدم مفكرو ذلك العصر ثلاثة تحديات أمام قانون العلة وغيره من القوانين الحاكمة للتفكير الإنسانى وهى
1-      القوانين بشكل عام جبرية وتقيد حرية الإبداع
2-     حتمية القوانين تعنى أن هناك حقائق مطلقة فى حين أن الحق نسبى
3-     هناك أشياء لانعرف لها قوانين وعلل
وأمام تلك التحديات لايسعنا إلا أن نفرد أمامها ردودا قاطعة تزيل الإبهام قسمناها على أريعة عناوين كالتالى :-
أولا : القوانين حتمية وليست جبرية
رغم الخلط الكبير بين مفهومى الجبرية والحتمية والذى يقع فيه الفوضويون الا أن الفارق كبير بين الحتمية والجبرية بحيث لايدركه إلا الحتميين أنفسهم كما قال هنتر ميد " كان من العوامل الأخرى التى أدت إلى زيادة تعقيد النزاع الناشب حول الحتمية ، عدم القدرة على التمييز بين هذا الرأى وبين القدرية FATALISM  من البداية ، فخصوم الحتمية قلما كانوا يستطيعون أن يدركوا أو أن يعترفوا على الأقل أن هناك فارقا بين الموقفين ، على حين أن الحتمى ذاته كان يشعر بأن الفارق بين الإثنين عميق ، ولو شئنا الدقة لقلنا أن القدرية هى مذهب الحتمية المقدرة PREDETERMINISM كما أن المصطلح الشائع الجبرية PREDESTINATION  يصلح بدوره مرادفا " [5]  وعلى هذا تكون القوانين حتمية بمعنى  أنه عمليا لايمكن التحرر من قوانين العلة واستحالة جمع النقيضين فى أى مجال من مجالات العلوم ومع هذا فهى ليست جبرية بحيث تحيلك إلى نتيجة واحدة مقدرة سواء عملت بتلك القوانين أم تملصت منها وهذه الفارق الجوهرى بين الحتمية والجبرية نلخصه فى مقوله شهيرة جدا وهى " من جد وجد ومن زرع حصد " فتلك القاعدة قانون نتيجته ليست واحدة فى جميع الأحوال بحيث تسرى على من لم يجتهد أو من لم يزرع أيضا !! بل وكما يقول الدكتور عصمت سيف الدولة " لو لم يكن كل شيء خاضع فى حركته لقوانين ونواميس حتمية لما استطاع الناس أن يعدوا بالنزول على سطح القمر وأن يصمموا ويصنعوا أداته المتفقة مع ظروفه وأن ينزلوا عليه
إن حتمية القوانين أو النواميس التى تضبط حركة الأشياء والظواهر لا تعلمنا أكثر من أنه إذا حدث كذا .. حدث كذا ، وإذا لم يحدث كذا .. لم يحدث كذا وهو أمر يعرفه الفلاحون الذين يعلمون علم اليقين أنهم إذا لم يرفعوا الماء من النهر إلى مزارعهم جفت الأرض وإذا جفت الأرض مات الزرع وإذا مات الزرع لايحصدون شيئا .. هذه الحتمية لازمة ليتصور الناس المستقبل الذى ينتظرهم إذا لم يتدخلوا فى تغييره
أما الذين لايعرفون تلك القوانين أو النواميس أو الذين لايحترمون حتميتها ، فسيبذلون جهودا عشوائية لتغيير واقعهم أو يستسلمون لقدرهم " [6] أيضا فإن وجود تلك القوانين لايحرم الإنسان من قدرته الإبداعية ، بل على العكس فتلك المعايير هى الوحيدة التى تكفل للناقد أن يحكم من خلالها على إبداع المبدع وإخفاق الفاشل ، فمن أين لى أن أعرف أن تلك المعزوفة الموسيقية لبيتهوفن رائعة ؟ وقصة طه حسين متميزة ؟ وقصيدة الفرزدق مبدعة؟ إنها بسابق معرفتى بأن الإبداع فى الموسيقا يكون عبر قواعد السلم الموسيقى التى لم تكن أبدا مانعة لإبداع المبدع وتميز الموسيقيين ، بل إن قواعد القصة أو الشعر هى التى تساعد الناقد على أن يصنف المبدع فيقول هذا شاعر وذلك روائى .. هذه فقط أمثلة نقرر منها بأن القوانين لم تمنع السائر على هديها من الإبداع بس من خلالها نستطيع التمييز بين الإبداع والعبثية .. فكيف نميز إذن بين إبداع فرضية علمية تتكلم عن نشأة الأرض وبين فشل نظرية أخرى؟ إنه عن طريق حجم وقوة الأدلة التى ساقها الأول تأييدا لفرضيته بالمقارنة مع هشاشة وضعف أدلة الآخر .. فقوة وضعف الأدلة تحتاج إلى قوانين للتمييز بين الأدلة الموضوعية والأدلة غير العلمية .. فهل كانت القوانين مانعا للإبداع !؟ أم معيارا للإبداع نفسه ودافعا للتميز؟
ثانيا : حتمية القوانين تعنى وجود الحق المطلق !
بدأ التشكيك فى المطلق و إلحاق النسبية بالفضائل الأخلاقية والعلم وقوانين التفكير مبكرا فى عصر اليونان بأن انتشر التيار السوفسطائى محاربا لكل اليقينيات والحتميات ، تارة بالإنكار التام وتارة بالتشكيك المطلق وتارة بأن يدعى بعضهم بأن الحقيقة لا تتعدى وجهة نظر الشخص الواحد فيها إلى أن يتم تعميمها بين جميع الأفراد ، وبالتالى فلكل شخص مقياسه وميزانه للحقيقة كما يقول السوفسطائى الشهير بروتاغوراس " الإنسان مقياس الأمور فى وجودها وفى عدم وجودها .. ولا يتعدى هذا الحكم إلى غيره " [7] وذلك المذهب أسماه حكماء الإسلام بالمذهب " العندى " بمعنى أن الحقيقة ليست كذا بل هى عند فلان كذا وعند علان كذلك وعند خلان هكذا .. ورغم خطورة تلك الإدعاءات وقتها والتى كادت أن تقضى على العلم والفلسفة كما نوه الدكتور يوسف كرم " هذا مثال من عبث السفسطائيين ، ومهما يقال من أنهم أخرجوا الثقافة من المدارس الفلسفية ونشروها فى الجمهور وأنهم مهدوا للمنطق والأخلاق ، فقد كادوا يقضون على الفلسفة لولا أن أقام الله سقراط ينتشلها من هذه الورطة المهلكة " [8] إلا أن ردود سقراط وأفلاطون ومن بعده أرسطو كانت كافية جدا للرد على تلك المحاولات السلبية والعقيمة للتشكيك فى المعرفة
ومع انتهاء عصر الحداثة ، عاد مفكروا مابعد الحداثة إلى نفس ذات السفسطة القديمة وربما استعملوا نفس المصطلحات والتساؤلات مع صبغها ببعض المصطلحات العلمية المناسبة لطبيعة العصر نفسه مثلما جاء فى كتاب " أقدم لك الفلسفة " بأن " ربما كان فى استطاعتنا أن نفهم فلسفة مابعد الحداثة على نحو افضل على أنها تسيطر عليها ثلات (إذا) كبيرة هى كالآتى:
-         إذا كانت الأفكار البشرية لم تعد مضمونة على أنها أفكارنا نحن ...
-         إذا كانت اللغة التى نفكر بها لايمكن أن تشير بطريقة ذات معنى إلى العالم الذى يقع خارج ذواتنا ...
-         إذا كانت معانى الدلالات اللغوية المستقلة ذاتيا تتبدل باستمرار ...
فلابد إذن أن نحمل أنباء سيئة للفلسفة ، والمنطق ، وحتى للعلم نفسه ... " [9]
ومثلما قال الفرنسي المعاصر جان بودريار عندما شكك فى واقعية العالم وأطلق عليه مصطلح " عالم فوق الواقع ! " قائلا نحن نعيش فى عالم مغالى فى واقعيته ، وهمى ! بين إشارات ليس لها علاقة بالسطح المؤقت للواقع  " [10]
والمضحك أن مالا يعرفه النسبيون – سواء القدماء أو الحاليين -  أنّهم وضعوا بأنفسهم أكبر نقض يواجهون أنفسهم به عندما أقروا أن ( كل علم نسبي) فهل أن هذه القضية مطلقة أم نسبية؟ فإن قالوا أنها مطلقة، فهو اعتراف بعلم مطلق لا يخضع لرأي شخص أو إيحاء ظرف ما. فإنهم أرادوا إثبات نسبية كل القضايا فتورّطوا بإثبات إطلاق قضية لم تسلم من النقض ، وإن قالوا: إنها نسبية، فتفقد بذلك صلاحيتها كقانون كلي مطلق لسائر القضايا والأحكام ، بل وينبغى أن يواجهوا أيضا بسؤال آخر " مامدى يقينكم بنسبية حكمكم على نسبية تلك القضية؟ فالقول بالنسبية أيضا هو " حكم وتقرير " قد يكون قطعيا هو الآخر فيتأكد وجود القطعيات إذا قرروا ذلك !! ويستمر مواجهة النسبيين إلى درجة تجعلهم يعترفون بشكهم فى تلك القضية ( فالنسبية تعد شكا فى قطعية أى قضية ) ، وهنا يستمر نفس التساؤل " هل أنت موقن بشكك هذا؟ " فإن وافق فهاهنا أيضا يصدر حكما قطعيا لاشك أو احتمال النسبية فيه ، أما إن انتهى إلى قوله " لا أدرى إن كنت أشك فى هذا المبدأ أم لا " فلا يصلح معه إلا العلاج العملى الذى قرره الكثير من حكماء الإسلام ومتكلموهم ويلخصه الدكتور راجح الكردى قائلا " بل ويرى أكثر من اشتغل بمناهج العقل وأنظاره من المعتزلة للرد على الفلاسفة المنكرين أنه لامناظرة مع هؤلاء بل  إنه من الغلط مناظرتهم لأن من يزعم أنه ( لايعلم أيناظر أم لايناظر ، بل لايدرى موجود هو أم لا ) كيف يرد عليه؟ وهل مخاطبته إلا كالسكوت عنه ؟ ولايجوز فيمن هذا حاله إلا التأديب دون غيره من الأساليب ، يقترح البغدادى من أهل السنة ( أن يعاملوا بالضرب والتأديب وأخذ الأموال منهم ، فإذا اشتكوا من ألم الضرب ، وطالبوا أموالهم قيل لهم : إن لم يكن لكم ولا لأموالكم حقيقة ، ولما تشتكون من الألم ، فما هذا الضجر ؟ ولم تطلبون مالا حقيقة له ؟ ) " [11]
وعمليا ، حكم النسبيون على أنفسهم بأنفسهم، حينما نفوا الإدراك المطلق والقواعد الكلية، فلا يحق لهم بعد ذلك إصدار حكم كلي أو قاعدة عامة بنسبية جميع القضايا، إذ يبقى هذا أمر نسبي وخاص بهم، لا ينبغي فرضه على الآخرين ، حقا إن فرض النسبية فى كل شيء هو ضرب من الجنون يجعل كل النظريات العلمية والعقائدية والأخلاقية فى حالة سيولة وبالتالى لو تعممت النسبية لسادت الفوضى الشاملة كل جنبات حياتنا الإنسانية ، يقول الدكتور عثمان أمين " والواقع أن المتشكك مضطر أن يعترف – لو أمكن أنه يعترف بشيء – أن كل حياة إنسانية تنقرض بالضرورة إذا سادت مبادؤه الشكية واعتنقها الناس جميعا وأن كل استدلال وكل عمل يقف توا ويصير الناس إلى مايشبه النوم الشامل ، ويلبسون على تلك الحال إلى أن تضطرهم ضرورات الحياة إلى الحركة والعمل .. مهما يحاول المتشكك باستدلالاته العميقة أن يلقى فى روع الناس قدرا من الحيرة والبلبلة والاضطراب فإن أتفه حوادث الحياة تقضى على هواجسه وشكوكه ، وتتركه شبيها  بغيره ممن لم يشتغلوا ببحث فلسفى قط ! " [12]
والخلاصة أن وجود الحق المطلق فى ذاته هو مترتب على وجود قوانين حتمية تمكننا من إدراكه والوصول إليه مع شرط مراعاة تلك القوانين والإبداع فى الوصول إلى تفصيلاتها .. وفى الوقت نفسه فإن وجود حقيقة مطلقة لاتعنى أن معرفتنا بها مطلقة .. كذلك لايمكن أن تكون باعثا نحو سيطرة ثقافة " احتكار الحق " على الجميع .. تلك الثقافة التى عانى منها الإنسان الغربى فى العصور المظلمة كثيرا لأسباب عديدة من الظلم أن نضع من بينها وجود الحق المطلق فى نفسه ..
أيضا وجود حقائق مطلقة لايلغى وجود النسبى ، فالذوق الإنسانى فى الألوان والألبسة والأطعمة والمقطوعات الموسيقية والفن ومظاهر الجمال المادى عموما هى فى ذاتها نسبية ولا إطلاق فيها ..
  إن الرغبة فى الإحاطة بالحقائق الكاملة ينبغى أن تكون باعثنا الأساسي ، والالتزام بتواضع العلم مع التسليم بمحض افتقار الإنسان ومحدودية عقله ينبغى أن تجعل الجميع يخوض بحر المعرفة " كمحاولات " يبنيها كل إنسان فيحيط بالقدر الضئيل من اليقين بكل ماهو حوله وبالقدر الأكبر من نسبية معرفتنا بباقى الحقائق فى القدر الآخر إلى أن يجيء فلاسفة وعلماء لاحقون إلى البدء مما انتهى إليه السابق بتأكيد بعض الحتميات والإضافة عليها والخوض فى تحصيل نتائج نسبية أخرى لموضوعات يبحثون فيها عن إجابات قاطعة .. هذا ماينبغى أن يكون عليه العلماء والمفكرون فلا هم يقعون أسرى للدفاع عن قضايا لم تكف الأدلة لحصول اليقين بها ، وفى الوقت نفسه لايلحقون النسبية فى كل القضايا فيميتون داخل كل مفكر وعالم الرغبة فى الوصول للحقائق بأن يؤسر المبدع تحت سلبية النسبية المحبطة ..
ثالثا : غياب معرفتنا بالقوانين والعلل لايعنى انتفاءها
هذه القضية مجرد فهمها وتصورها يعد كافيا للتصديق بها ، ولكن ومع الأسف انبرى بعض ضيقى الأفق لقلب تلك القضية وتحويلها لفظا ومعنى إلى مامفاده ( مالم نعرف قوانينه وعلله فهو غير خاضع لقوانين ! ) ولا أدرى بم أحكم على هؤلاء الذين قلبوا الآية وعكسوا المعيار فتعجلوا بتغليب الإنكار على وجود علل من مجرد أننا لم نكتشف تلك العلل والقوانين حتى الآن .. أى عقل سليم يدرك بلا فذلكة أن المحاولات المتكررة والتراكمية للعلم والمعرفة والتى يخوضها الإنسان منطلقها الأساسي معرفته بجهله بالعلل مع يقينه بوجود أسباب وقوانين يحاول اكتشافها .. فالدافع للعلم هو الجهل والدافع للكمال هو الإيمان بالنقص ، عندئذ تصير القاعدة هكذا (مالم نعرف قوانينه حتى الآن ، نجتهد لكى نعرف قوانينه لأننا موقنون بأة لكل شيء علة وسبب .. ) هذه القاعدة جعلت أحلام الإنسان بالفضاء تتحول إلى واقع وقد تجعل أحلام الإنسان بالسفر عبر الزمان واقعا أيضا .. لم لا طالما حاولنا معرفة قوانين الزمن ..
أما شبهة أن هناك أشياء لانعرف لها قوانين وعلل ، فهى شبهة العاجز السلبى الذى لايؤمن بقدرته على المعرفة ولاإرادة التعلم لديه بل ولايشعر بتميزه وتفاضله كإنسان يستطيع الخوض فى النتائج وصولا إلى عللها ، والحمد لله أن ذلك المرض لم يصب الإنسان منذ فجر التاريخ وإلا لكان مانعا قويا من خوضه الناجح فى العلوم  كالطب والهندسة والميكانيكا والزراعة والصناعات والدواء والفضاء والرياضيات والاجتماع والتاريخ والفلسفة وغيرها ..
لاشك أن فكرة نفى العلل بمجرد عجزنا عن الوصول إليها فى الوقت الحالى هى فرضية واهية مقيتة جدا من الفرضيات القاتلة للفلسفة وللعلم والمتحدية لإرادة حب المعرفة والبحث عن غموض المسببات وهى الإرادة المحفورة فى وجدان الإنسان للمميز والتى عبر عنها العديد من الفلاسفة بأقوال مختلفة ، فممن ذكره أرسطو حول ذلك الخصوص يؤكد أن غاية الإنسان هى معرفة العلل فيقول :- 
"
·         لسنا نعرف الحق دون أن نعرف علته   
·        من الصواب أن تسمى معرفة الحق من الفلسفة ، الفلسفة النظرية لأن غاية المعرفة النظرية الحق ، وغاية المعرفة العملية الفعل ..
·        أى علم من العلوم ينبغى أن يسمى حكمة ؟ يجب أن يسمى كل علم حكمة ، فأما الحكمة العالية المتقدمة الفائقة التى بقية العلوم تابعة معترفة لها فواجب أن يكون علم علة التمام والخير ، فإن باقى العلل هى بسبب هذه العلة " [13]

وفى الإسلام يبنى القرآن الكريم مصداقية التوحيد والتصديق بآيات الكتاب على ثقته فى وجود " قوم يعقلون ويتفكرون" و " أولى ألباب " وفى إمكان العقل الإنسانى أن يدرك العلل الغائبة ويستدل بها على وجود الإله والتصديق بماجاء به الأنبياء والرسل ، يقول تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت: 20 ، و في آية أخرى (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)الذاريات: 20 .. وعلى هذا فالعقل الإنسانى راسخ الإيمان بقدراته التى أكدها الوحى والدين ، فكلاهما كما يقول الفارابى "يعطى المبادئ القصوى للموجودات ، فإنهما يعطيان علم المبدأ الأول والسبب الأول للموجودات ، ويعطيان الغاية القصوى التى لأجلها كون الإنسان وهى السعادة القصوى " [14]
رابعا : التحرر الحقيقى ليس بإلغاء القوانين
إن فى واقع الأمر ليس هناك تحرر مطلق ، بل إنه تخلص من قيد للوقوع فى قيد آخر .. فإما أن تتخلص من قيد التجرد الذى يحيلك إلى قوانين العقل الجمعى الإنسانى لتقع أسيرا لقيدك الفردى الأنانى الذى يضع لك قوانينك الخاصة المستجيبة لنزعاتك الفردية وتطلعاتها .. فتتخلص من سيطرة العقل الجمعى وقوانينه لتسقط تحت فخ فرديتك ونزواتك التى تمثل قوانينك أنت .. وإما أن تتجرد وتتحرر من نزواتك وهواك وآرائك الفردية المتأثرة بعوامل عديدة .. لتتجرد بعقلك الذى وقتها سيكون عقلا إنسانيا خالصا لايمثلك أنت فقط ، بل يسرى تجرده وتفكيره على الجميع وبالتالى يحيلك تحررك من نفسك إلى تسليمك لقوانين العقل المجرد ..
فإن كنت مجبرا على الاختيار فاختر لنفسك التسليم بالقوانين العقلية المنزهة والمجردة حتى تكون إنسانا فاضلا ، لا أن تختار قوانينك الفردية المنزهة تحت شعار " الحرية " المزيف ، فالتحرر الحقيقى " التجرد " هو تحرر من العلائق المادية والحسية والركون للعقل المجرد البعيد عن الاهواء والمتعلقات المادية الخاصة بالأنا ولواحقها .. ليس عقل الأنا .. ولكنه " العقل نفسه " .. أما التحرر المزيف فمعناه التحرر من قوانين " العقل المجرد " والركون إلى الأنا ..
وبمعنى مقارب لتعريف الحرية الحقيقية ، عمد علماء الأخلاق والرقائق إلى تقديم تصور معنوى رائع عن مفهوم التحرر والأسر ، يقول أبو حامد الغزالى " اجتهد فى معرفة أصلك ، حتى تعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية ، وتبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال ، وتخلص نفسك من قيد الشهوة والغضب ، وتعلم أن هذه الصفات لأى شيء ركبت فيك ، فما خلقها الله تعالى لتكون أسيرها ، ولكن خلقها حتى تكون أسرك وتسخرها للسفر الذى قدامك ، وتجعل احداها مركبك ، والأخرى سلاحك حتى تصيد بها سعادتك ، فإذا بلغت غرضك فقاوم بها تحت قدميك ، وارجع إلى مكان سعادتك ، وذلك المكان قرار خواص الحضرة الإلهية ، وقرار العوام درجات الجنة .. " [15]
نخلص من كل ماسبق من عناوين ومحاور للحديث إلى عدة نقاط تبين لنا وهم مزاعم الفوضويين والنسبيين وهى
1-     التفكير عبر القوانين الحتمية ليس جبريا ، بل هو دعوة للتأمل والإبداع ومظهر من مظاهر تميز الإنسان
2-     القوانين تؤكد وجود المطلق وتبرز أهمية العلم وسمو السعى نحو المعرفة ، وإطلاق النسبية دعوة للفوضى
3-     لذة المعرفة هى فى كشف غموض العلل واكتشاف القوانين والموازين .. وإنكار القوانين والعلل هو تمويت للعلم والفلسفة

بأى منطق نفكر ؟
خلصنا فى العنوان السابق بوجود قوانين تحكم عملية التفكير الإنسانى بحسب كونها احدى الظواهر الموجودة بالكون ، شانها شأن قوانين الجاذبية والحركة وغيرها .. وانطلاقا من مبدأ السببية باعتبار أن الفكر الإنسانى هو نتيجة ومحصلة لتفكيره ، فمن المنطقى أيضا أن نتساءل عن القوانين التى تحكم تفكيرنا الإنسانى والتى بموجبها نستطيع الحكم على طرائق التفكير المختلفة إما بالانضباط أو العشوائية وهو مايعود فى النهاية على حكمنا النهائى بسلامة أو خطأ الأفكار الناشئة عن ذلك التفكير .. فعالم اليوم يموج بآلاف الأفكار والنظريات التى تخص الإنسان والمجتمع ومن زوايا عديدة ، سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية ، والكل يقيم دلائل حول صحة فكرته وجدوى نظريته وقوة أطروحته .. لذلك وجب على الإنسان المدقق والناقد إذا أرد أن يبنى نقدا موضوعيا على صحة فرضية أو شائبة نظرية أن يبدأ من النقد الموضوعى لطريقة تفكير المفكر نفسه وليس لإنتاجه الفكرى .. فإذا اعتبرنا العقل هو المنوط بتصنيع الفكرة والتى هى عبارة عن المنتج المصنوع مثلا ، فمن ينتقد المنتج بإبراز عيوب فى صناعته بالطبع يكون على دراية بطرق تصنيع المنتجات ، وهو أفضل على مستوى الوعى والتخصص ممن ينتقد نفس المنتج ولكن من زاوية استهلاكه أو شكله ولونه ومظاهره الغير مرتبطة بطريقة التصنيع وجودة الخامة ذاتها .. فالأول ينتقد موضوعيا بحكم تخصصه والثانى يفتقد المعيار العلمى السليم للنقد ، فربما أيضا ينخدع بلون أو شكل المنتج فيطلق أحكاما خاطئة بسبب عدم مهنيته وتخصصه ..
بأى منطق نفكر ؟ هو استعراض لمدارس ومعايير فى التفكير ذاته وتمثل كل مدرسة منها قانون يعود إليه المفكر لإدراك الصواب من الخطأ ولتقييم الأفكار الأخرى على طبقه ، وعلى حسب ذلك فهناك أربعة قوانين متناحرة يعتبرها أصحابها المعيار الأسلم للحكم على جميع القضايا المطروحة وتصنيفها للحقانية أو البطلان ، وتلك القوانين هى
أولا : قانون أو منطق القوة
أصحاب ذلك القانون يعبرون عن صحة فكرة أو ممارسة سياسية أو سلوك إنسانى بأنه " صحيح " لكونه يحقق القوة لصاحبه ، والآخر " خاطئ " لكونه يسلب القوة نفسها ، وقد ارتبط ذلك المعيار بالقادة المتسلطين كأمثال هتلر ونابليون وغيرهم ، فالعديد من أقوالهم تفوح منهم رائحة تمييز الصالح من الطالح بمعيار القوة والضعف فقط .. كذلك من المفكرين فى المجال السياسي ارتبطت تلك النظريات بالإيطالى ميكيافيللى صاحب كتاب الأمير والذى رسخ فيه ضمنيا لأصالة ذلك المبدأ وكيف أن الغاية وهى الوصول للسلطة باعتبارها مصداقا لإرادة القوة ، تبررها أى وسيلة يلجأ إليها السياسي لضمان الحصول على السلطة والبقاء فيها أيضا ..
وفى عصر الحداثة ارتبطت ذلك الفكرة بشكل أكثر تأصيلا باتجاهين كبيرين
الاتجاه الأول : هو اتجاه الفيلسوف الألمانى نيتشه فى كتابه الإنسان الأعلى ، والذى عرف الإنسان النبيل بأنه " فى جوهره تجسيد لإرادة القوة " ، ولم يكتف نيتشه بذلك بل استخدم نفس المعيار فى رفض دعائم الدين المسيحى لأنها فى نظره تعبر عن إزكاء روح الضعف فى الإنسان عندها تطالبه بالخضوع والافتقار إلى الإله ! ، يقول برنارد لويس محولا وجهته حول آراء مفكرين آخرين حول نفس الموضوع  " واعتراض نيتشة على المسيحية هى أنها السبب فى قبول مايدعوه " أخلاق الرقيق " ومن الغريب أن نلاحظ تعارضا بين حججه وحجج الفلاسفة الفرنسيين الذين سبقوا الثورة الفرنسية . فقد احتجوا بأن العقائد المسيحية غير صادقة ، وأن المسيحية تعلم الخضوع لمايحسب أنه إرادة الله بينما البشر الذين يحترمون أنفسهم لا ينبغوا أن يحنوا هاماتهم أمام أية قوة أعلى .. "
كذلك من غير المستغرب أن يعبر نيتشه عن أيدولوجيته السياسية بأن يبغى – كما يقول لويس "عنصرا عالميا حاكما ، يكون منه أسياد الأرض ، أرستقراطية جديدة ضخمة مؤسسة على نظام ذاتى أصرم مايكون ، تحمل لآلاف السنين طابع رجال السلطة الفلاسفة والطغاة الفنانين " ، فلاعجب هنا أن يقول نيتشه نفسه " إن الآمال العالية فى هذا القرن تكاد كلها تعزى إلى نابليون " [16]
الاتجاه الثانى : هو اتجاه الدارونيين الذين يرون أن إرادة البقاء لدى الإنسان – وليست إرادة القوة فى ذاتها – هى التى تحتم عليه أن يصير قويا كى يكون منتصرا فى صراعه الأبدى مع الطبيعة ، وحول تلك الفكرة المهيمنة على عديد من السياسيين الغربيين يقول المفكر الراحل عبد الوهاب المسيرى " إن النموذج الفعال في الحضارة الغربية الحديثة والمهيمن عليها هو الداروينية. والداروينية بحكم منطقها لا يمكنها أن تقبل الحوار العقلاني، فهي ملتزمة بالتطور الخطي وترى أن جوهر الحياة الإنسانية هو الصراع وأن البقاء للأصلح أي للأقوى، والطريقة الوحيدة لحل الخلاف عندها هي القوة.

الإنسان إما أن يكون متفوقا (سوبرمان) فيسيطر، أو أن يكون إنسانا متدنيا (سبمان) يتواءم ويرضخ. وإسرائيل هي المثال الحي على ذلك، فهي قلعة مسلحة تدك المنازل وتكسر عظام من يطالبون بحقوقهم مثل حق تقرير المصير. وهي في الوقت نفسه تعطي ليهود العالم حق العودة بعد غياب عدة آلاف من السنين، وتنكر هذا الحق على الفلسطينيين الذين لا يزالون يمسكون بمفاتيح منازلهم التي تقطنها أسر يهودية! أليس هذا تعبيرا فاضحا عن ثنائية السوبرمان والسبمان، الإنسان المتفوق والإنسان المتدني! " [17]

والحقيقة أن الرد على معيار القوة الباطل بسيط جدا ، فالقوة فى ذاتها تحتاج إلى تعريف دقيق حتى تكون معيارا يصلح للحكم .. فهل معناها القوة المادية كما يفهم من فلسفة نيتشه أم الرغبة فى البقاء كما يقرر الدارونيين أم القوة الذاتية فى الحق نفسه والتى عندما يدركها الإنسان يصير قويا مستأنسا بالحق فى ذاته كما وصفها الميتافيزيقيون ؟ حقا إن معيار وقانون القوة يحتاج هو الآخر إلى معيار يسبقه ويعرفنا عليه وإلى قانون يحدد ماهية ذلك القانون ويخرجه من نسبيته العقيمة ، ولكن بأى قوانين تستطيع إقناع من يسيرون على درب نيتشه ودارون بأن يقبلوها كمعايير حاكمة تفسر لنا ماهية القوة  ، فالأول أشار بشكل واضح أن " الحقيقة مثل الأخلاق ، مسألة نسبية .. فليس ثمة حقائق ، بل هناك فقط تأويلات "[18].
ثانيا : منطق المنفعة ولغة المصالح
"جاءت اللفتة البراجماتية الجديدة التى شدت الأعناق وجذبت الأنظار مما (كان) ومما هو (كائن) إلى ما (سوف يكون) .. وذلك بأن جعلت معيار صدق القول هو مايترتب عليه ذلك القول من نتائج ، فأعطنى من القول مايهدينى سواء السبيل فى حياة عامة أو فى صناعة وزراعة وتجارة ، أسلم لك من فورى أنه قول حق ، بغض النظر عما كان وماهو (كائن) بالفعل "[19] هكذا تكلم الدكتور زكى نجيب بشكل واضح ومبسط محمود عن اتجاه البراجماتية غير الملتفت إلى ماهية أى شيء أو نظرية أو فكرة فى ذاتها ، بل سلط الضوء فقط عما سوف نستفيده منها معتبرا أن هذا هو المعيار الأصوب للحكم على المصداقية من عدمها ، فالبراجماتى كما يقول وليام جيمس "ينأى عن بعيدا عن التجريد وعن عدم الكفاية ويعرض عن الحلول الكلامية وعن التعليلات القبلية الدرئية (السابقة على التجربة) وعن المبادئ الثابتة وعن ضروب المطلق والأصول المزعومة  .. وهو يولى وجهه شطر الاستنادية والمحسوسية والكفاية ، شطر الحقائق والوقائع ، شطر العمل والأداء والمزاولة وشطر القوة " [20]، ولا أدرى لماذا لفت نظرى ذلك البائع الذى يبيع صورا للفريق السيسي والدكتور محمد مرسي معا وفى آن واحد مع عدم اكتراثه بأيهما على حق ، تذكرت فورا ماقاله ويليام جيمس عن البراجماتية بأنها " اتجاه تحويل النظر بعيدا عن الأشياء الأولية ، المبادئ ، النواميس ، الفئات ، الحتميات المسلم بها وتوجيه النظر نحو الأشياء الأخيرة ، الثمرات ، النتائج ، الآثار ، الوقائع " [21]
وكما قلنا فى الرد على معيار القوة ، فإن قانون المنفعة نفسه يحتاج أيضا إلى معيار لتحديد ماهية المنفعة سواء للفرد أو المجتمع ككل ، وهل يدخل فى إطارها العلم النافع واكتساب الملكات الفاضلة مثلما يقرر المثاليون والمتدينون وكافة الفلاسفة الإلهيين أم تكتفى المنفعة بالمتطلبات المادية للمجموع ككل مثلما يقرر الاشتراكيون أم أن أساس المنفعة بأن يسعى الفرد لتلبية مطالبه المادية وهو مايعود بالنفع على المجتمع ككل كما يقرر الرأسماليون؟ حقا إن معيار المنفعة أيضا فضفاض ونسبى باعتراف الماديين أنفسهم ، ومهما حاول البراجماتيون أن يهربوا من طبيعة ماهو كائن ، فقد سقطوا أيضا فى مطب حتمية تعريفهم لمفهوم المنفعة عبر " ماهو كائن " والخوض النظرى فى تحديد " مفهوم المنفعة " مما جعلهم بحكم رؤيتهم النظرية للمنفعة ينتمون للمدرسة المادية التجريبية ذاتها رغم محاولاتهم المستميتة إبراز أنفسهم كمفكرين متجاوزين للخلاف النظرى بين التجريبيين والإلهيين !!
ثالثا : منطق الأغلبية والقانون الطبيعى
وضعت الأكثرية كمعيار نسبى لتحقيق النفع والإرضاء لا كمقياس يحدد لك الصحيح من العليل فى الفكر والنظريات والأخلاق ، ولكن التغير المستمر فى اختيارات الأغلبية والتى قد تصل فى بعض الأحيان إلى اختيار الشيء ثم نقيضه بعد ذلك قد أفضت بأولى تجارب الديمقراطية فى أثينا إلى الانهيار مثلما تنبأ لها سقراط وأفلاطون من قبل ، فالأول انتقد قيام الجماهير بوضع القرارات في سرعة وجهل. وتساءل أليس من الجهل أن يحل مجرد العدد محل الحكمة ؟ ، والثانى أقام تصورا لنظام يحمل ثبات القيم والمنطلقات الأخلاقية للمجتمع لكن تحت حاكمية الفلاسفة والحكومات ، بحيث " يتصور أفلاطون دولة تبنى على مثال الإنسان ، وصورة الأجزاء الثلاثة . فكما الرأس والقلب والبطن ، للدولة حراسها ، مقاتلوها (أو جنودها) ، وعمالها (كالفلاحين مثلا) .. من الواضح أن أفلاطون يعتمد هنا على الطب الإغريقى ، فكما أن الإنسان الذى يعمل جسده وعقله جيدا يكون متوازنا ومنضبطا ، كذلك المدينة الفاضلة هى التى يكون فيها كل فى موضعه ، ليشكل الجميع كلا واحدا
إن فلسفة أفلاطون فى الدولة تقع ، ككل فلسفته ، تحت عنوان العقلانية , فالمهم فى مدينة فاضلة أن يحكمها العقل .. وتماما كما يحكم الرأس الجسد ، يجب أن يناط بالفلاسفة حكم المدينة " [22]
ولكن مع مرور الزمن أعاد الإنجليزى جون لوك فكرته السياسية عن منطق الأغلبية باكتشافه مايسمى بقانون الطبيعة والذى مفاده بأن تراكم اختيار الناس للأنظمة سيتم بطريقة التجربة والخطأ إلى أن يصل فى نهاية الأمر ومن تلقاء نفسه إلى التطور المنشود للبشرية فى تحقيق العدالة ، ورغم أن لوك كما يقول الدكتور الطيب بوعزة " لم يؤكد نسبية المعرفة وأصلها التجريبى فحسب ، بل حرص أيضا على التوكيد على كون العقل مجرد صفحة بيضاء (tabula rasa) ، فكيف يمكن أن ينسجم موقفه الإبستمولوجى الذى يشرط العقل بالمكتسب التجريبى ، وبين قوله فى كتاب (المقالتان فى الحكم)بأن كل شخص له معرفة بالقانون الطبيعى حيث يرى أن ( كل الناس الذين يمتلكون الإدراك الحسي ويعقلون هم قادرون على معرفة القانون الطبيعى ) ، بل كشفت طبعة لوفلاس لمخطوطاته عن إشارة صريحة إلى أن هذا القانون يدرك بنور طبيعى ! " [23] ..
إن المشكلة أن قانون الطبيعة ليس حتما فحسب فى رأى لوك ، بل إنه جبرى أيضا يرسم نتائج التطور والتقدم من تلقاء نفسه وكأنه يقول " دع الناس تختار بأى طريقة ومعيار وفى النهاية سيتولى الأصلح ولو بعد حين !! " وماذا لو اختبار الناس ألا يختاروا؟ وماذا لو تسافل اختيار الناس لأسباب قهربة تتعلق بمؤثرات لادخل لهم فيها ؟
 إننا نرى أن القانون الطبيعى ليس جبريا يعطيك النتائج من تلقاء نفسه مثلما يقرر لوك، بل إن له شرطا وعلة وهى كون العقل الجمعى يتصاعد وينضج بطريقة التجربة والخطأ ، وتلك الأخيرة لن تحصل إلا بأن يلتزم الناس بقوانين ومعايير أخلاقية وسلوكية لايحيدون عنها وبضوابط تحكم طبيعة الممارسة الديمقراطية ، ووقتها وحينئذ حدثنى عن النضوج والتطور المجتمعى
فالأكثرية ليست معيارا لتحديد الحق من الباطل ، بل هى مقياس يعكس اختيارات الناس ومايريدونه عمليا إرضاءا لمتطلباتهم من الحياة ، وهذا الاختيار لمايمثل الناس أيضا ينبغى ألا يحيد عن المبانى الإنسانية العامة والقواعد العقلية والأخلاقية ، بل هو أيضا مثلما قلنا عن القوة والمنفعة "معيار يحتاج إلى معيار يضبطه ويحدد طبيعته " ، وما أجمل رد المسيرى على الأمريكى فوكوياما بخصوص المشروع المتجاوز للأكثرية بقوله " إن لدينا مشروعا. فنحن نؤمن بالله ونعتقد أن بإمكاننا تغيير العالم. نعم، ما زلنا نحلم بإقامة حكومات تحافظ على العدالة وإنسان غير ملتزم بالضرورة باللذة ومصلحته الشخصية. ونؤمن بأن بإمكاننا تحقيق قسط من التقدم مع الحفاظ على العائلة، ويمكننا تضمين الإجراءات الديمقراطية في نظام يسلم بالقيم الإنسانية العامة التي تتجاوز ديمقراطية عد الأصابع." [24]


أخيرا : منطق الحق والبحث عبر قوانينه
هى محطتنا الأخيرة التى من خلالها ينبغى على الإنسان أن ينشد الحقائق المجردة ويبحث عن ماهيات الأشياء من حوله فيرفض جميع الأطروحات المتعارضة مع الحقيقة والواقع ويقبل ماهو حق فى ذاته وواقعى فى وجوده ، وتلك غاية الحكماء والعقلاء منذ قديم الأزل وحتى الآن والتى من أجلها يخوضون فى قوانين التفكير وعبره لإيصالهم للحقائق حول الوجود والحياة ..
إن غاية مراد الإنسان هو البحث عن الحقيقة مثلما يقول أرسطو " الباحث بأقصى جهده عن الحقيقة هو الذى ينفرد بأكمل حياة ممكنة " ، وكما يؤكد سقراط " إن الحياة الخالية من التأمل والنظر لحياة لا تليق بالإنسان " [25]، ومثلما عبر أفلاطون " وإن من يعشق المعرفة حقا شخص ينزع بطبيعته إلى الحقيقة ولا يقف عند تلك الكثرة من الأشياء التى يتوهم الناس أنها حقيقة ، بل يظل يسعى وراء الحقيقة بلا كلل ، ولايفتر عشقه حتى يصل إلى ماهية كل شيء فى ذاته "[26] ، ذلك الحق هو الكاشف للواقع أو المطابق للواقع كما يقول الحكماء وليس كما يضع البعض من معايير أخرى للحق مثل القوة أو ماينفع الناس فى معايشهم المادية أو ما أجتمع عليه غالبيتهم !
والخلاصة إن التفكير عبر الضوابط القانونية لمنطق البحث عن الحقيقة :-
1-     هو المقدم على كل المعايير السابقة بأن يضع لها شروطها فيبرز الفرق بين قوة الحق وحق القوة ، ويضع مفهوم تصوريا سليما للمنفعة والسعادة وأيضا يضع ضوابط لوضع ديمقراطية سليمة
2-     هو البداية الصحيحة من المطلق – القوانين البديهية -  إلى البحث عن الحقائق المطلقة
3-     هو المعيار الوحيد لإرساء القيم الفاضلة وتغيير المفاهيم السائدة وخلق ثورة فكرية حقيقية على المتعارف عليه من مفاهيم « كالممارسة السياسية والحقوق والعدالة والمنفعة والوطنية ووو
4-     هو السبيل الأفضل لخلق نخبة جديدة تبدأ من التفكير وضوابطه لتنتج فكرا قويا حقيقيا يدرك الواقع فى ذاته ويصنع فارقا فى حياة المجتمع للأفضل ..






[1] حرية الفكر ، جون بيورى ، تعريب محمد عبد العزيز إسحاق ط المركز القومى للترجمة 2010 صـ 137
[2] تاريخ الفلسفة ، فريدريك كوبليستون مجلد 5 ، ترجمة محمد سيد أحمد ، ط المجلس الأعلى للثقافة صـ 387 ، 388
[3] المصدر السابق
[4] الفلسفة أنواعها ومشكلاتها ، هنتر ميد ، ترجمة د. فؤاد زكريا ، ط دار نهضة مصر- الفجالة صـ 312
[5] المصدر السابق صـ 315
[6] انظر نظرية الثورة العربية 3، المنطلقات ، د. عصمت سيف الدولة ، ط  أولى دار المسيرة بيروت 1979صـ15 ، 16
[7] انظر تاريخ المذاهب الفلسفية ، د. عصام الدين محمد على ط منشأة المعارف بالإسكندرية صـ 50
[8] انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ، يوسف كرم ، ط لجنة التاليف والترجمة والبحث 1936 صـ62
[9] أقدم لك الفلسفة " ديف روبنسون ، وجودى جروفز ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ، ط 2001 المجلس الأعلى للثقافة صـ160
[10] المصدر السابق  صـ 71
[11] نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة ، د. راجح الكردى ط أولى مكتبة المؤيد ، الرياض 1992صـ 79
[12] محاولات فلسفية ، د. عثمان أمين ط مكتبة الأنجلو المصرية 1953 صـ 64-65 بتصرف يسير

[13] انظر نصوص واصطلاحات فلسفية عربية ، د. مصطفى لبيب عبد الغنى ط دار الثقافة للنشر والتوزيع 2002 صـ24 ،25
[14] المصدر السابق
[15] كيمياء السعادة للغزالى ص3 PDF:  www.al-mostafa.com
[16] كل أقوال نيتشة وراسل فى كتاب تاريخ الفلسفة الغربية ، (الكتاب الثالث: الفلسفة الحديثة ) برتراند راسل ، ترجمة محمد فتحى الشنيطى ، ط  المصرية العامة للكتاب 1977 من صـ396 إلى 400
[17] حوار بين المسيرى وفوكوياما ، انظر موقع الدكتور المسيرىhttp://www.elmessiri.com
[18]  أقدم لك ، الفلسفة " ديف روبنسون ، وجودى جروفز ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ، ط 2001 المجلس الأعلى للثقافة صـ 90
[19] البراجماتية وليام جيمس ، ترجمة محمد على العريان ، تقديم زكى نجيب محمود ط المركز القومى للترجمة 2008 صـ 3
[20] المصدر السابق صـ 71
[21] نفس المصدر صـ 76
[22] جوستاين جاردر ، رواية عالم صوفى  رواية حول تاريخ الفلسفة ، ترجمة حياة الحويك عطية  ، ط . دار المنى ص 101
[23] نقد الليبرالية ، الطيب بوعزة ، ط أولى 2009 مجلة البيان مكتبة الملك فهد الوطنية ، صـ 56
[24] حوار بين المسيرى وفوكوياما ، انظر موقع الدكتور المسيرىhttp://www.elmessiri.com
[25]  دعوة للفلسفة ، أرسطو ، ترجمة د. عبد الغفار مكاوى ط الهيئة المصرية للكتاب 1987 صـ 7
[26] انظر كتاب نصوص واصطلاحات فلسفية عربية للدكتور مصطفى لبيب عبد الغنى ط دار الثقافة للنشر والتوزيع 2002 صـ 22