السبت، 13 ديسمبر 2014

إنها الحجاب !


منشور بالبديل الأسبوعى  بتاريخ 10-12-2014 عدد45
وعلى ذلك الرابط (بتصرف)




وما أدراك ما الستينات؟ اتخذ الاخوان المسلمون موقفا مشيطنا للزعيم الراحل عبد الناصر وحقبته بأكملها، وصار على نهجه الكثير من المنتمين للتيار الإسلامى معتبرين أن تلك الفترة هى الأكثر انتكاسة من حيث الروح الإسلامية والأخلاق بشكل عام، ربما لم ينس الاخوان المسلمون ماحدث لهم فى فترة عبد الناصر معتبرين نفس تلك الفترة هى الأسوأ من حيث مصادرة حرياتهم واعتقال قادتهم .. على الجانب الآخر وقف تيار آخر يدافع بقوة عن جميع الإجراءات التى تمت فى تلك الفترة ويقدم صورة مثالية ملائكية عن كون هذا الزمن " الجميل " هو أزهى عصور مصر الحديثة ولايضاهيه سوى عصر محمد على أو العصور الفرعنية القديمة وبعض فترات مصر الفاطمية والمماليك " فى بداياتهم " .. هذا الموقف يتبناه التيار الناصرى والمتوافقون معه الآن من التيارات المؤيدة للحكم العسكرى " بوجه إجمالى " أو الرافعون لشعار الوطنية التى تعنى - فى نظرهم - تقديس وتكريم كل رئيس جمهورية حكم مصر باعتبار أنه " رمز " لمصر والمصريين وهذا يكفى لتكريمه بدون الحديث عن إنجازات فى مقابل إخفاقات وفشل ! ولعل مايسمون أنفسهم " أبناء مبارك " هم المصداق الأتم المنطبق عليه تلك القاعدة والشعار .
ليست تلك المقدمة التاريخية بغائبة عنا الآن ونحن نشهد فى أى حدث أو ذكرى تتعلق بتلك الفترة نشاطا ملحوظا من الفريقين المتناحرين ، فنجد نفس الردود والتبريرات والاتهامات من الطرفين  بنفس المفردات والكلمات التى اعتدنا على سماعها: جوانب من مذكرات الراحل محمد نجيب يستشهد بها الإسلاميون، وشواهد تاريخية تتعلق بتنظيم اخوانى مسلح- تبرأ منه حسن البنا كما يقال- يعتبره الطرف الثانى ذريعة للأحكام الصادرة ضد قيادات وشباب الاخوان المسلمين وقتها، ناهيك عن أزمة إعدام سيد قطب وهى التى اهتزت لها قلوب الإسلاميين الأصوليين منذ وقتها وإلى الآن . ولكن مالجديد إذن؟ ماطرأ مؤخرا من خلال شبكات التواصل الاجتماعى هو تناول تلك الحقبة من منظور مختلف عن ثنائية الرؤيتين السابقتين؛ نظرة تبرز أن تلك المرحلة شهدت ترقى اجتماعى حقيقى لأن " البنات " فى الصعيد والأرياف، وبالطبع العاصمة، مجردات من الحجاب وغطاء الرأس وأحيانا غطاء قصبة القدم وأعلى الركبة بقليل " فيما يعرف بالمينى جيب " ! وأن الحجاب الذى انتشر فى الثمانينات هو مظهر من مظاهر التأثير الوهابى السعودى الذى اجتاح مصر وقدم صورة قبلية للإسلام بعيدة كل البعد عن جوهره وحقيقته، وكان من ضمنها الحجاب أو النقاب وبعض المظاهر السلبية التى أضرت بمجتمعنا كثيرا وحرمته من مظهر التقدم الذى كان ينعم به لتجره جرا للرجعية والتأخر الحضارى .. فى الواقع لم أكن ألتفت لتلك المقولة إذا ماكانت صادرة من احدى السيدات التى تعانى الآن من ظلم وقسوة المجتمع الذى يحارب رغبتها فى أن " ترتدى " ماتريده دون ضغط نفسي أو تخويف أو اتهام بالانحراف أو " تحرش " ! لكن الملفت حقا أن تلك النغمة بدأت تزداد فى لهجتها على المستوى الإعلامى أيضا حتى وصلت إلى  لسان وزير الثقافة نفسه الذى تكفل بعرض نفس وجهة النظر تلك، بل ومتقمصا دور الفقهاء عندما أضاف إليها أن الحجاب نفسه ليس فرضا!

للأسف ما آلمنى فى تلك النظرة المختلفة أنها فاقت النظرتين الكلاسيكيتين " الاخوانية – الناصرية " فى السطحية وقشرية الطرح والرؤية إلى درجة أهملت فيها بشكل كبير الإنجازات السياسية والاقتصادية لتلك الفترة والتى لم يكن لنزع الحجاب أى تأثير فيها بقدر ماكانت قرارات فردية من زعيم بقدر جمال عبد الناصر، كما غضت الطرف عن المشكلات المتعلقة بالحرية والديمقراطية والحبس التعسفى للعديد من الشباب تحت ذريعة انتمائهم للاخوان المسلمين إلى جانب أزمة مراكز القوى نهاية بنكسة 67 التى كانت " اللمسة الأخيرة" القاضية على تلك الحقبة بأكملها والتى أيضا لم تكن نتاج لحالة مجتمعية انتشر فيها المجون والرقص بشكل سافر فى كافة قطاعات المجتمع – كما صور الإسلاميون – بقدر ماهى سقطات وأخطاء أيضا فردية من طبقة حاكمة يتزعمها نفس الزعيم جمال عبد الناصر وقد أعلن مسئوليته عنها بشكل واضح بعد النكسة . خلاصة القول بأن اختزال حالة المجتمع المصرى فى تلك الفترة " بدون حجاب وذقن " لاتعكس بشكل سليم أثرا كبيرا لتلك الحالة المجتمعية لا فى تقدم المجتمع " إذا كنت من المؤيدين لنظام الستينيات " ولا فى تراجعه " إذا كنت من المعارضين لذلك النظام " بل تتعلق المسألة لمسببات أكبر مما يدور فى ذهنية شخص تلمع عيناه لمجرد رؤية صورة لمجموعة من السيدات بلاحجاب، يضحكن ووراءهن منظر شارع نظيف غير مزدحم(بالأبيض والأسود) ويقارنها بماهو حاصل الآن مستحضرا صوت أم كلثوم و" زمن الفن الجميل " ليقدم لنا استنتاجه العميق : " وجدتها ! إنها الحجاب ! " أليس كذلك يا سيادة الوزير؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق