الأحد، 28 ديسمبر 2014

كرة القدم والنظام الدولى (1)


منشور بالبديل الأسبوعى 24/12/2014 عدد47
وعلى البديل الإلكترونى " بتصرف " على هذا الرابط

العك المصرى!


كانت كرة القدم قديما لعبة ركض تعتمد على مهارات فردية فطرية ومهارات جماعية مكتسبة، حتى دخلت التجارة والبيزنس ذلك المجال الذى بدأ بالمراهنات التقليدية العشوائية ثم تطور " كما تطور النظام الدولى " إلى ثقافة الشركات المتعددة الساعية إلى اتخاذ تلك اللعبة كوسيلة للربح لما لها من شعبية جارفة يسيل لها لعاب رجال الأعمال الذين دائما مايسعون إلى " بيع " أى شيء يحتاجه الناس سواء للتسلية أو بشكل أساسي وضرورى، وكعادة أى شيء تتحكم فيه التجارة بلا ضوابط، فمن المتوقع أن تتحول الشركات الممولة لكرة القدم – خاصة العالمية منها -  لمؤسسات كبرى محتكرة للعبة " إن لم يكن قد وصلنا بالفعل لتلك المرحلة ".
أما عن كرة القدم فى مصر، ولأن عصر الستينات كان متميزا بنداءات الهوية العربية والاستقلال القومى؛  كانت هناك مقاومة كبيرة تعيق إدخال نظام " الاحتراف " للعبة كرة القدم ونقله بحذافيره إلى مصر، وأعلم أن الناقد الكبير الراحل نجيب المستكاوى كان من أشد المعارضين لتطبيق ذلك النظام فى مصر . ولكن فى النهاية انصاعت مصر وغيرها من دول العالم إلى ذلك النظام الذى حول كرة القدم من هواية إلى وظيفة مؤسسية تعتمد على شركات ممولة تأخذ ربحها من الجماهير والشركات المعلنة .. وما أدراك مالشركات المعلنة !   
نعود إلى مصر، فعاملان أساسيان من وجهة نظرى هما الباعثان إلى الاستسلام المصرى لتطبيق ذلك النظام فى مصر؛ الأول هو انتهاء الحقبة الناصرية بمبادئها وشعاراتها المستقلة وبدء حقبة السادات المنفتحة العائمة بلا أى ضابط قيمى أو أخلاقى واضح، فزادت المعاملات غير القيمية وطفا على السطح مجموعة من رجال الأعمال الذين ماكان لهم أى صوت أو تأثير لا اجتماعى ولا اقتصادى أو سياسي، فى الوقت الذى أعطى لهم السادات هامشا من الحرية الاجتماعية والاقتصادية تحت مظلة حكم عسكرى هو المتحكم بشكل مباشر فى فتح وغلق " حنفية الانفتاح "..
أما العامل الآخر الذى جعل المتمسكين بمبادئ الوطنية الصلبة – كالقوميين والناصريين وبعض الاشتراكيين – لايستمرون فى مقاومتهم لذلك التغلغل الرأسمالى لتلك اللعبة هو تحول تلك اللعبة من رفاهية إلى عنوان يعكس تقدم الشعوب ورقيها فى نظر المجتمع الدولى بشكل عام، فاللعبة دخلت حقل التنافس العالمى والدولى من خلال قوة الترويج لكئوس العالم وبطولات الأندية الأوروبية ، مما جعل ظهور دول واندية على قمة عروش اللعبة يعطيهم الشعبية الجارفة العالمية والمكانة الدولية الكبيرة التى بالطبع يظمأ لها دعاة الكرامة الوطنية وتقشعر أبدانهم وهم يسمعون السلام الوطنى المصرى ينال تكريما لائقا فى المحافل الدولية . بالتالى بات تطوير مستوى اللاعبين والحكام والمدربين والأندية بوجه عام – وهم الوقود اللازم لتطوير منتخباتنا القومية – ضروريا وأساسيا ولم يعد حالة من الرفاهية ، ولأن الدولة بكافة مؤسساتها ودعائمها للعبة لن تصمد أمام التطور الرهيب للعبة على جميع المستويات – من منشآت وملاعب وأندية وقاعدة لاعبين تستوجب التوسيع والرعاية والتنمية – مما سيجعلها تقف عاجزة أمام جولات المنافسة العالمية، لم يعد مفرا أن يسلم أصحاب المعايير الصلبة من دعاة الاستقلال والهوية الوطنية، مفاتيح التطوير والتنمية إلى الشركات الخاصة وبالتالى القبول بنظام الاحتراف ..
ولأن السياسيين والاقتصاديين فى بلدنا العزيزة لايمكن اعتبارهم أبناء بررة لمبادئ النظام الدولى ولا لاعبين مهرة محترفين فيه، بل متلقيين خائبين يبررون فشلهم فى نيل أى مكاسب منه بأن مبادئ هذا النظام تتعارض مع هويتهم التى لايعرفونها من الأساس، وفى الوقت نفسه لايلتزمون بمعايير أخلاقية تحكم تصرفاتهم وممارساتهم وتعبر عن هويتنا الحقيقية متعللين بحجية مبادئ هذا النظام " الغاية تبرر الوسيلة واللى تغلب به العب به " من الناحية العملية والتطبيقية ! بالتالى صارت مصر التى " رقصت على السلم " اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا منذ فترة السادات وحتى الآن، تعانى من نفس المشكلة فى كرة القدم، فلا الاحتراف يطبق بمعاييره الغربية الكاملة ولا تدار اللعبة الشعبية الأولى بمبادئ ومحاذير وقوانين تمنع الاحتكار وتضبط الأداء الإدارى والتنظيمى وترفع المستوى العام للعبة فى مصر وتضيف إليه هويتها القيمية والأخلاقية !  فسقطت لعبة كرة القدم فى مصر لإدارة الهواة ومنطق الفهلوة وثقافة " خد مصلحتك واجرى " كصورة مصغرة لمنظومة الإدارة العامة فى السياسة المصرية الحالية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق