الأحد، 21 ديسمبر 2014

عن الإرهاب ومواجهته 5

منشور بالبديل الأسبوعى  بتاريخ 17-12-2014 عدد46
وعلى هذا الرابط

الحكاية الثانية بطلها صديقى الكاتب والباحث الدكتور يحيى جاد حيث جمعتنى الظروف السعيدة بمقابلته ، وفيها استعرض بعضا من أفكاره التى ملأت صفحات مؤلفاته الصادرة حديثا، ولأننى كنت محظوظا بأن يتلقف ذهنى " خلاصة " تلك الأفكار قبل النظر فى كتبه نفسها، حيث تحدث عن الحاجة إلى تقديم أطروحة مختلفة لأصول الاستنباط من الكتاب والسنة، إلى جانب نظرة معيارية واضحة للتأمل فى المحتوى القرآنى وكيفية أن يستمد الإنسان منه تكليفاته الروحية والاجتماعية والشرعية منه باعتباره الأصل الأول قطعى الثبوت وكثير من آياته قطعية الدلالة.
على قدر سعادتى بهذا الحديث لكنى لم أخفى حزنى حقا بعد تلك المقابلة.. لأن واقع من ينادون بتجديد الأزهر وتخليصه من الجمود قد صاروا على أنماط متعددة؛ بين المهمش بالكلية للنص النبوى اعتمادا على كونه ظنى الثبوت داعيا إلى بالتخلص من سيطرة الفقهاء على أحكام التشريع بل و هدم بناء أصول الفقه بالكلية وذلك تأصيلا لكون كل إنسان يستطيع الاستنباط من قرارة عقله ونظره الخاص فى القرآن فقط وكذلك لأن الفقهاء كانوا مصيبة الأمة ومانعيها من التقدم والتطور؛ وبين فريق آخر قوى من المدافعين عن الأزهر بشكله وصورته الفكرية الحالية متهما للفريق الأول بعلمنة الأزهر والمؤسسات الدينية بشكل عام وإدخال النسبية الشديدة و تعويم الأحكام الشرعية كإجراء يمهد لإلغائها أو وقصرها على الأحكام الفردية التى لن تخلو هى الأخرى من خطر التعويم، بالتالى قد نستيقظ على العديد من الآراء الدينية التى تقول أن الزنا ليس محرما فى الإسلام والخمر والربا لاسند قوى يحرمهما وكذلك الصلاة نفسها قد لاتعمد على حركات بعينها كشرط لصحتها وهلم جرا ..
والواقع أن ثمه تيار عقلانى آخر يقف مستندا إلى المنطق و يتسم بالمرونة والعصرية مع استيعاب تام للمطلقات والثوابت من الأحكام الشرعية والتى تم إثبات موثوقيتها واعتبارها من الأحكام الفطرية للعقل الصريح والنصوص الشرعية المعتبرة . وعلى هذين الأساسين المعتمدين يرفض هذا التيار أن ينجر إلى محاولات التجديد التى تنادى بإلغاء دور الفقه المعتمد على النصوص النبوية بالكلية تحت حجة أن عددا من الفقهاء تعاملوا مع تلك النصوص عن جهل أو سوء استخدام !وكأننا ينبغى أن نلغى علوم الطب مثلا طالما أن عددا غير قليل من الأطباء قد تسببوا، بإهمالهم أو تناسيهم لقواعد المهنة وأدبياتها؛ فى وفاة أشخاص أو المتاجرة بالأعضاء البشرية نفسها !!
ولكن ما المطلوب إذن وقد وصل الحال إلى أن الخطاب الدينى " سواء بالأزهر وغيره " قد تم وضعه إما فى يد المتاجرين بالدين وخادمى السياسيين، أو فى يد المتحجرين الذين قد يكونون أشد خطرا على الدين نفسه كما يقول الشيخ محمد الغزالى؟ المطلوب أن يكون الحق هو الهدف الأسمى والإنصاف هو المبتغى، لا التجديد من أجل التجديد ولا الوسطية من أجل التوافقات ووضع الحلول غير المنحازة. تلك العقلانية تتطلب موقفا منصفا من علوم أصول الفقه وطرق الاستنباط واتجاها متعقلا من السنة النبوية وعلم الجرح والتعديل نفسه دون الإلغاء الذى يدعو إليه المتشنجون وأصحاب العقول التعميمية والثقافة الثنائية أو التقديس المبالغ فيه للمحدّثين والذى ينتهجه المقلدون دون روية واستبصار. نحتاج إلى أن ينهض عقلاء الأزهر بأنفسهم للقيام بتلك اليقظة العلمية المطلوبة والتى تفاءلت كثيرا بإمكان تحقيقها وأنا أستمتع بحديثى الشيق مع الدكتور يحيى جاد الذى أتمنى أن يوفقه الله فى اتجاهاته ويكثر من أمثاله من الباحثين الشباب.. فمازال هناك أمل !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق