الثلاثاء، 29 أبريل 2014

الثائر.. الحزين.. العاقل

منشور بالبديل الأسبوعى ؛ العدد 14 بتاريخ 23-4-2014



آمن الشيخ " الثائر" محمد عبده بالثورات الشعبية وكيف أن الشعوب هى صانعة مجدها وحريتها، وانعكس ذلك فى بداية الأمر لا على موقفه السياسي – وقتها- من تأييده للثورة العرابية فحسب؛ بل على فكره السياسي ككل ؛ ففى المرحلة الأولى من تولد رؤيته السياسية، ركز على الإرادة الشعبية والحكومة التى تبتنى عليها والتى تصل إلى الحكم عن طريق ديمقراطى، ولكن بعد فشل ثورة عرابى وهزيمة الحل الثورى وقتها بدأ يدعو شيخنا " الحزين " إلى ضرورة وجود " الحاكم القائد " مبرزا تشككه فى وعى وإرادة القوى الشعبية والإجراءات الديمقراطية ككل ..
لايمكننى، وأنا أقرأ ملامح النظام السياسي لمولانا الإمام عبده، التى يتضمنها المؤلف القيم للدكتورة " حورية توفيق " حول الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، إلا أن أتذكر ثورية العديد ممن أسسوا لثورة الخامس والعشرين من يناير ودعوا إلى تغليب الديمقراطية والوثوق فى الصندوق الانتخابى باعتباره المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية التى سوف تجلب معها العدالة المنشودة والتغير السياسي والاقتصادى والاجتماعى المطلوب، فرفع الكثير منهم شعار " الديمقراطية هى الحل " ..
ولكن بعد أن أسفر الصندوق الانتخابى عن الإتيان بفصائل خذلت آمال الثائرين وأحلام ناشدى العدالة، بدأ الكثيرون فى مراجعة مواقفهم من الديمقراطية والإرادة الشعبية ككل إلى الحديث عن " وصاية الحاكم المطلق" أو تغليب معايير أخرى مقدمة على صناديق الانتخاب كالأمن القومى و " الحفاظ على الدولة " وغيرها فى موقف يتشابه – من منظور ما - مع ما حدث لمولانا الإمام محمد عبده ..
ولأن تلك المواقف الرافضة للديمقراطية والمغلبة للإجراءات " الديكتاتورية " لاتعدو كونها مجرد رد فعل قد انتاب العديد من الحالمين والرومانسيين وسرعان ما سيزول سريعا وهم يرون بأم أعينهم الويلات التى نعانى منها الآن بسبب " تفويضهم " للحل الفردى الاستثنائى، إلا أن عودة هؤلاء " النخب " من السياسيين والمفكرين إلى شعار " الديمقراطية هى الحل " هو المضحك بعينه حقا!  كذلك استمرار بعضهم فى تبرير مواقف " الحاكم الفرد الصمد " و " منقذ مصر " و " حامى الدولة والمؤسسات " هو المبكى بعينه !!
ولكن ما الحل إذن ؟
دعونا نكمل القراءة حتى نعلم " نهاية " ماوصل إليه مولانا الإمام محمد عبده من تأمل، حيث انتهى به المطاف إلى الدعوة إلى الحاكم " المستبد العادل " حيث يقصد بالمستبد هو أن تكون إجراءات الحاكم تحمل قدرا من القوة والثورية فى مواجهة الفساد وحمل الناس على الفضيلة حتى لو بالإكراه؛ اعتمادا على وجود حالة عالية من التشوه الأخلاقى والسلوكى والفكرى فى المجتمع نتيجة سيطرة الحكم الاستبدادى لعقود طويلة .. أما العادل بمعنى أن يحمل المجتمع على العدالة لا كما يراها الحاكم نفسه – كما فى الديكتاتور – بل كما هى العدالة فى ذاتها؛ كمجموعة من القيم الفاضلة التى لايختلف حولها عاقل، ومجموعة السنن التشريعية التى يئتلف عليها أئمة الشريعة وفقهاء الدين ..
بذلك عدل الشيخ موقفه من فكرة " الحاكم القائد فحسب " والتى تفتح الباب أمام الحكم الجائر وديكتاتورية القرارات والممارسات؛ إلى فكرة " المستبد العادل " المتقيدة قراراته بالفضيلة ومصالح الناس لا بآرائه ومصالحه هو ؛ فكسر الشيخ الراحل ثنائية ( الثائر/ المصدوم الحزين ) ليسطر على عالم أفكاره واقعا ثالثا يحمل الحل العقلانى والفلسفى ..
ولكن .. ماهى فلسفة " المستبد العادل " وكيف يمكن تضمين الإرادة الشعبية والديمقراطية فى ذلك النظام السياسي الفلسفى ؟ هذا سيتحدث عنه مقالنا القادم؛ فللحديث بقية ..

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

رومانسية أسياد البلد !

منشور بالبديل الأسبوعى عدد13 بتاريخ 16-4-2014



اعتدنا على استخدام مصطلح " الرومانسية " لوصف أفلام أو قصص أدبية تتحدث عن الحب وأحواله ، لكن ربط الرومانسي بمعنى " الخيالى " هو ما أود الحديث عنه فى ذلك المقال؛ لأن الفرضية الخيالية – علميا – هى المستحيل تحققها على أرض الواقع .. بذلك فالقصص الغرامية ليست جميعها خيالا بحيث يستحيل تحققه فى عالم الثبوت.
بهذا يكون مرادنا من " الرومانسية " هو الفرضية الخيالية التى يتعذر إيجادها فى واقعنا ، وللأسف أيضا يشتبه على الكثيرين وصف هذا الخيال المحال بلفظ " المثالى " .. فعالم المثل، فى اعتقاد الحكيم اليونانى أفلاطون، هو عالم الفضيلة والخير الحقيقى الذى تنسب إليه جميع أعمالنا الفاضلة وتنتمى إليه أرواحنا السامية بحيث يكون كل سلوك وتصرف قيمي فعله الإنسان؛ ماهو إلا استحضار وتذكر لما هو " واقع " فى عالم المثل قديما ..
نعود إلى مرادنا ، فالرومانسية التى نقصدها لاتمت لأى واقع بصلة ، سواء واقع العالم المثالى المجرد أو واقع العالم المادى الذى نحياه الآن ، إنها رومانسية من كانوا يطلقون على أنفسهم " أسياد البلد " حيث عاشوا وترعرعوا لعشرات السنين يقتاتون من خوف الناس وذلهم ويعيشون على إتاوات رجال الأعمال والمنتفعين، ويستمدون عزتهم الوهمية من ذلهم وخضوعهم الحقيقى أمام القوى العالمية الكبرى وجرذان الصهيونية العنصرية ..
ظنوا أن سيادتهم للبلد كان محصلة لمواهبهم وشطارتهم وقوتهم الذاتية،  فتوهموا أن الانبطاح للأمريكى " شطارة " والتنسيق مع الصهيونى " حكمة سياسية " والاستقواء على الضعيف " قوة " وبيع البلد – برخصة تراب – لرأسمالية الاحتكار تجارة رابحة ! وعلى هذا الأساس بنوا عالما خياليا محضا على أساس الموهبة والقوة والفهلوة ،فشيدوا كل وسائل الراحة والترفيه على فيض ما تمتصه طفيلياتهم مما يقبع فى بطون الغلابة، وما يسرقونه " بإكراه قوانينهم الظالمة وبلطجة لصوصهم" من أقمشة الفقراء ومساكن المحرومين ..
وكان طبيعيا أن يتسم عالمهم بغياب التعقل وانحدار الروح والقيمة، فالتفكير مقصور على أدمغتهم الخاوية التى لاتعرف سوى " حق القوة " وفلسفة السيطرة ، والأخلاق قيمة وطنية يفسرونها زورا بأن الحفاظ عليهم أربابا لمؤسسات الدولة هو واجب وطنى أخلاقى أصيل لكل من يفتخر بمصريته ..
هذا عالمهم الكائن قبل الخامس والعشرين من يناير ؛ والذى  فقدوا الجزء المعنوى منه بأن انكسرت " إنفتهم " وتحطم كبرياؤهم المزعوم أمام العديد من الشباب ممن يتوقون إلى الحرية والكرامة والاستقلال الوطنى والتخلص منهم ومن أسيادهم .. كان نظامهم " واقعيا " أساسه خوف الناس وسلبيتهم ولكن مهما علت مؤشراتهم بأن ما سبق سيعود مرة أخرى فإن واقعيتنا تحرمنا من الاعتراف والتصديق بذلك ، فقد انتفى خوف الشباب وسلبيتهم ؛ واختفى معها وقود النظام السابق وعلة تحققه وعودته مرة أخرى
نعم .. فقادتهم خارج السجون وشبابنا داخلها !
 نعم فجميع معارضوهم إرهابيون ؛ والمثقفون والمبدعون محاطون بأسوار مادية ظن سفهاؤهم بأنهم مانعتهم حصونهم من التفكير والإبداع والتواصل المعنوى والروحى مع ذويهم بالخارج ..
إلى " أسياد البلد " ! احلموا متى شئتم بالعودة لمدينتكم الظالمة مثلما كانت فى السابق ؛ اظلموا واقهروا وحاولوا كسر إرادتنا بمعاول أحلامكم الخيالية فى الرجوع للسابق مرة أخرى فإنى مشفق عليكم من الاستمرار فى تلك الرومانسية والعيش فى وهم خيال استعادة النظام السابق وعودتكم أسيادا للبلد واستفاقة طفيلياتكم الجائعة، فالواقع أن المحرومين لن يزيدهم حرمانا ألا يسكتوا على ظلمكم ، والفقراء لن يؤلمهم أن يخيطوا ثيابهم فى جلودهم حتى لايسلبها أغنياؤكم ، والأحرار ستتحطم رومانسيتكم البلهاء أمام واقعيتهم لأن انقطاع الكهرباء المتكرر حرمهم من مشاهدة المسلسلات التركية الرومانسية دونكم ! والحمد لله على نعمة الواقعية .. وانقطاع الكهرباء !!

السبت، 12 أبريل 2014

خطبة الجمعة القادمة !

منشور بالبديل الأسبوعية عدد12 بتاريخ 9-4-2014
http://elbadil.com/2014/04/11/%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%85%D8%A9/



فى كتابه "روح الاجتماع " يقول المفكر الفرنسي جوستاف لوبون " لايشترط في قيادة الجموع أن يكون القائد ذكيا أو عاقلا أو داهية أو مفكرا أو فصيحا، بل يكفيه من ذلك كله شيء من العلم بأذواق أتباعه وسبل الوصول إلى قلوبهم لايزيد عن علم التاجر بأذواق زبائنه ورغباتهم. "
وبإسقاط تلك المقولة على ذوق " الزبائن " فى مصر، بالطبع لن يعجز أى تاجر عن استنتاج مايعانيه المصريون من أزمات معيشية وخدماتية واجتماعية وسياسية؛ مما يستوجب أن تكون منابر الخطاب الإعلامى والتوعوى والدينى فى مصر على دراية – ولو إجمالية – بطبيعة ما يواجهنا من مشاكل وأزمات
ومصداقا لما قيل؛ وتزامنا مع مهزلة الأزمة الكهربائية فى مصر، كان رد الفعل إيجابيا وبناءا من صانعى القرار وعباقرة حلول الأزمات فى مصر؛ فقد جندت وزارة الأوقاف سلاحها المعنوى الشديد التأثير فأعلنت أن خطبة الجمعة القادمة سوف تتحدث عن " حرمة " التهرب من دفع فواتير الكهرباء والغاز وغيرها من الاستحقاقات! .. فيما يبدو أن " تجار " الدين مازالوا بعيدين عن فهم ذوق زبائنهم ..
وبمناسبة لهجة " التجارة بالدين " والتى كانت سائدة فى ظل نظام حكم الاخوان ، لا أجد تفسيرا منطقيا من المنادين بضرورة الفصل بين السياسة والعمل الدعوى - حتى لا يتلوث الدين بالسياسة  - مثلما كانوا يقولون وقتها.. والآن ماعساهم يبررون صمتهم وسكوتهم عن الخوض الواضح من دعاة الأوقاف فى مشكلاتنا السياسية وبهذه الطريقة الساذجة والبعيدة عن الواقعية الآن ؟ ألا يخافون من " تلوث الدين " تلك المرة كما فى سابقتها ؟ أم أن حتى مجرد الفصل بين الدين والسياسة لم يعد – رغم الاختلاف على حقانيته – موقفا مبدئيا بقدر ما أصبح المبدأ الثابت هو المكسب السياسي النفعى ، فصارت الشعارات هى من تتبدل وتتغير
أما عن الشباب ودورهم فى المجتمع؛ فقد كانت تعليمات وزارة الأوقاف لموظفيها " خطباء الجمعة " بالحديث وذلك بعد موجة من الحبس والتشنيع و" التسجيلات " التى طالت شباب ثورة يناير وخصوصا بعد عزوف الكثير منهم عن المشاركة فى الاستفتاء على الدستور الحالى
ومع زيادة الغليان بين أوساطهم؛ كان المسكن السريع فى الطريق إليهم للتهدئة ، فتغيرت اللهجة السابقة عبر خطب الجمعة  من تحذير الشباب من الانسياق للأفكار الهدامة والحركات الشعبية الممولة من الخارج وكيف أن الشباب "هم اللى ودونا فى داهية "؛ إلى اعتبارهم عماد الوطن وحجر الأساس فى بنائه ورفعته !
وفى هذه الأثناء تحتفل حركة 6 إبريل بعيدها السنوى المعتاد والذى يتزامن مع حملات التشويه التى اعتاد رواد الحركة على سماعها من أبواق كل نظام سياسي حل على مصر منذ بدء الحركة وحتى يومنا هذا ! ولا يسعنى فى تلك الأيام إلا أن أهنئ أصدقائى من شباب تلك الحركة الوطنية الشريفة بذكرى ميلاد الحركة مبشرا إياهم بأن خطب الجمعة النارية القادمة سوف تتحدث عن جزاء " الخيانة " لله ورسوله والدين والأوطان، وكل عام وأنتم بخير!!
 


السبت، 5 أبريل 2014

سوريا.. بين جيش " الدولة " والجيش " الحر ".



العدد 11 بتاريخ 2-4-2014



تعمدت أن أضع بين القوسين كلمتى " الدولة " و" الحرية " باعتبارهما الأساسين المبنى عليهما النزاع الحالى فى سوريا بين القوات النظامية وما يعرف بالجيش الحر؛ فالأولى تطلق شعارات مثل الدولة ووحدة سوريا ومؤامرات تفكيك " الجيش السورى " بالتالى يأتى الدفاع عن كل تلك المبادئ غاية نبيلة وأساسية .. ولكن بالاستقراء البسيط تجد أن المجتمعين على تلك الشعارات هم وللأسف حزب الكنبة السورى وأصحاب المصالح والطوائف السورية التى تتعامل بامتيازات مادية واجتماعية عالية كالعلويين مثلا، إلى جانب عديد من المؤمنين بمبادئ المقاومة والوقوف بوجه الكيان الصهيونى وعملائه فى المنطقة .. فى مشهد وللأسف يجمع أصحاب المبادئ " الممانعة والاستقلال الوطنى " مع المنتفعين والفاسدين
وعلى الجانب الآخر يقف أنصار الحرية من أجل " الحرية " ؛ فهى الغاية والقضية الحاكمة وربما الوحيدة والتى يجب أن يلتف الجميع تحت لوائها؛ فالقمع ومصادرة الرأى وسجن المخالفين سياسيا ومنع التعددية الحزبية هى المبتغى وحده؛ فلايهمنا أن يلتئم جرحانا فى مستشفيات الكيان الصهيونى أو أن تخدم قضيتنا دولا بعينها تساعدنا من أجل إسقاط محور الممانعة أو إدخال سوريا – وهى المكتفية ذاتيا فى العديد من السلع - ضمن السوق العالمى المستورد والمستهلك لمجموعة السلع الأمريكية وغيرها ، أو إغراقها فى قروض البنك الدولى وهى التى رصيدها من الديون الخارجية كان صفريا ! فقط الحرية من أجل الحرية ، فى مشهد عبثى آخر كمثيله السابق يجمع المنتفعين وعملاء الغرب كتفا بكتف مع المستضعفين والحقوقيين وبعض الطوائف والطبقات المهمشة والمقهورة ..
والحقيقة أنى لست أملك حلا عمليا قصير الأجل لمايحدث فى سوريا ؛ فالوضع اختلطت فيه الشعارات والمبادئ من كل طرف مع وجود حفنة المنتفعين من الطرفين والتى تلعب دورا أساسيا ومحوريا فى تعقيد الأزمة ، جعلت مفاتيح الحل فى سوريا لابيد شعبها واحترام رأيه وكلمته ، بل بيد القوى الدولية والإقليمية والتى لاتتوقف عن التلسن بكلمات مثل " مصير سوريا بيد شعبها " ولا تتوقف أيضا عن إمداد المسلحين بكافة سبل الدعم اللوجيستى وذلك عونا للشعب السورى فى أن يدلى بكلمته ورأيه !
ولكن فى الوقت نفسه قد يكون الحل فكريا وتصحيحيا! ولم لا .. فالمراجعات الفكرية قد تكون عاملا مهما فى وأد الحروب وإيقاف نزيف الدم ، لن نطلب من حكماء الطرفين النظر فيمن حولهم من المنتفعين والفاسدين وتجار الدم والمصلحة فهم يعرفونهم جيدا وللأسف يبررون وجودهم بين ظهرانيهم بكونهم أقل ضررا من الخصم وأذنابه ، ولكن فقط مجموعة من التساؤلات لعلها تأتى بفائدة ..
مافائدة الحرية إن كان ثمنها هو التفسخ المجتمعى والانقسام الرهيب؛ لا إلى حر وأسير بل إلى حر وممانع للصهيونى ! إلى سنى وشيعى وعلوى وكردى ومسيحى؟
ماوظيفة الحرية إذا لم تخدم غاية كالعدالة وإعطاء الحقوق التى أولها وأولاها حق الدولة والمجتمع فى استعادة أرضه المحتلة فى الجولان وباقى الأراضى العربية التى اغتصبها الصهيونى الذى مازال يمد يد العون للجيش " الحر " !
وعلى الجانب الآخر ؛ مافائدة الدولة إذا كانت أجهزتها مسخرة لخدمة مجموعة من الضباط والعساكر يتصرفون فى شعوبهم كالسادة مع العبيد ويعطون الامتيازات لطوائف بعينها ؟؟
أى دولة تلك تتبنى شعار " وحدة سوريا " وفى الوقت نفسه تتعامل مؤسساتها مع مواطنيها لاباعتبارهم مشاركين فيها؛ بل عبيد فى خدمتها طالما الدولة تطعمهم وتؤمنهم من خوف ؟
إن الدولة أيها " السادة " هدفها خدمة الشعوب وإقامة العدل بينهم وإعطاء الحقوق لجميع طوائفهم ؛ والحرية أيها " الأحرار " وسيلة تمكن الشعوب من الوصول لصيغ أعلى وأرقى للتعايش وصولا للعدالة المنشودة وذلك على طبق معايير حقيقية كالاستقلال الوطنى ومقاومة المحتل الصهيونى ..
وإذا كان العدل غايتنا والحقوق مبتغانا؛ فلتسقط الدولة إن كانت لبنات مؤسساتها الظلم والقهر؛ ولتسقط الحرية بلا ضوابط أو معايير أو غاية
 هذه دعوة للمراجعات الفكرية – للجميع – فى سوريا الشقيقة عسى أن يتحرر عبيد الوسائل من قيود الإجراءات والعادات ؛ ويوجهوا أذهانهم صوب العدالة والإنسانية .. فالإنسان أرقى وأميز من أن تسوقه الوسائل والإجراءات وهو من صنعها وأبدعها ..
سوريا .. دولة واحدة تسع الجميع وحرية لاتتخطى ثوابت المقاومة والاستقلال والوحدة ..

ملحوظة : المقال مستوحى من مشاركة رائعة - على الفيس بوك - للدكتورة الفاضلة دينا القصاص هذا نصها " صديق من سوريا تحدث معي اليوم عن جرائم النظام السوري والمجازر التي يرتكبها، صفحات السوريين تشعرنا أننا أمام بلدين، بلد يتناقل جرائم الجيش الحر وأصبح له تاريخ من الشهداء ومستمر في نضاله مبرراً موقفه بالدفاع عن الدولة، وبلد يتناقل جرائم النظام وأصبح له تاريخه من الشهداء ومستمر في نضاله مبرراً موقفه بالدفاع عن الحرية، وبين هذا وذاك ضاعت سوريا الوطن وانزلق السوريون في الاقتتال الداخلى ،.نحن نسير بمصرنا إلى نفس المصير
.استمروا في التبرير،. استمروا في اجترار المرارات، حتى يصبح لنا تاريخين، ويضيع الوطن."

كيم فوك .. قصة لم تنته !

منشور فى جريدة البديل الأسبوعى ، عدد 10 بتاريخ 26-3-2014



http://elbadil.com/2014/03/27/%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D9%83%D9%8A%D9%85-%D9%81%D9%88%D9%83-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%87/
صورة لطفلة فيتنامية عارية تهرب مذعورة من القصف الأمريكى لقنابل النابالم على قريتها
هذه الصورة التى أنكرها الأمريكيون فى البداية واعتبروها غير حقيقية " حاجة زى فوتوشوب كدا " التقطها مصور وكالة الاسوشيتد- برس لتصبح الأشهر والأكثر إيلاما وإبداعا فى نفس الوقت بما تمثله من إسقاط واقعى لماحدث وقتها فى فيتنام
خرجت الطفلة هاربة مع عائلتها، فظهرت في الجو فجأة فوق القرية طائرات اميركية بدأت ترمي بالنابالم على القرية ظنا منها أنها تهاجم مقاتلي المقاومة الفيتنامية. ثم اشتعلت النيران بجسدها الصغير، وكما تحكى تلك الطفلة : "لا سيما على اليد اليسرى، ولذلك احترقت ثيابي. لقد بكيت وهربت من النار، وكان الأمر معجزة أن أرجلي لم تحترق، ولهذا تمكنت من الفرار. "
وعندما وصلت كيم إلى المراسلين كانت من البكاء والصدمة بحيث لم تتمكن من شرب الماء، حتى أغمى عليها عندما صبّ أحد السفهاء من الجنود الماء على جسمها المحترق بالنابالم !.
ما يهمنا من تلك القصة المأساوية أن كيم فوك – والتى تعيش اليوم في تورنتو الكندية مع زوجها وطفلين – جمعها لقاء عاصف  مع الطيار الأميركي الذي قام بتنسيق هجوم الطائرات الفيتنامية الجنوبية التي هاجمت قريتها حينذاك؛ اللقاء كان فى واشنطن أثناء المشاركة في احدى احتفالات المحاربين القدماء ممن شاركوا في حرب فيتنام، وخلال اللقاء سامحته على الفعل العنيف الذي ارتكب بحقها  وماكان من الطيار – المرهف الحس – إلا أن بكى كثيرا شاكرا إياها على صفحها وتسامحها ..
هل انتهت القصة وأدرك الأمريكيون حماقاتهم وفظائع جرائمهم الوحشية فى حق الإنسانية ؟
لا ، فالقصة لم تنته و الخاتمة السعيدة لم تحن بعد، فدموع الجندى قد جفت بمجرد مغادرته الحفل، وسرعان ما سيعود إلى " رشده " حتما بمجرد أن يشاهد أحد أفلام المارينز الأمريكى التى يقشعر لها بدنه ويفخر بكونه جندى أمريكى يدهس القيم الإنسانية تحت حذاء الأمن القومى الأمريكى
القصة للأسف مازالت تتكرر؛ ويوسفنى ألا أستطيع أن أرويها لأولادى كحدوتة قبل النوم لأنى سأضطر أن أقص عليهم أيضا حكاية كيم فوك العراقية، وكيم فوك الأفغانية والفلسطينية واللبنانية، وكيم فوك التلميذة بمدرسة بحر البقر .. سأستمر فى الحكى حتى يحين موعد المدرسة صباحا ليتجه بعدها الابن العزيز إلى مدرسته " اللغات " ليسمع فيها حكايات أخرى تتغزل فى حرية العيش الأمريكى ونعمة الإنسانية هناك !
لم تنته القصة لأن أحدا من أباطرة رؤوس الأموال وتجار الطاقة والسلاح والمدبرين  لتلك الحروب لم يكونوا حاضرى ذلك المشهد المؤثر
لم تنته القصة لأننا نحن – ضحايا الهيمنة الأمريكية – لم نعد نتأثر بما حصل لنا من ظلم وقهر وفقر من جراء هذا النظام الدولى القاسي الذى تتزعمه أمريكا وحلفاؤها، لم نعد نبكى على فقرائنا وننعى شهداءنا ونجمع شتات شملنا للمقاومة والمواجهة ..
كيم فوك ..  قصة لم تنته ، ربما لأن السبب أن تلك السيدة – والتى احتاجت لأكثر من خمس عشرة عملية جراحية حتى تتعافى من حروقها – سامحت الأمريكيين دون قيد أو شرط ، دون أن تقول لهم " مسامحاكم بس متعملوهاش فى حد تانى الله لايسيئكم " .. مقولتيهاش ليه يا مسز فوك ؟!