الثلاثاء، 15 أبريل 2014

رومانسية أسياد البلد !

منشور بالبديل الأسبوعى عدد13 بتاريخ 16-4-2014



اعتدنا على استخدام مصطلح " الرومانسية " لوصف أفلام أو قصص أدبية تتحدث عن الحب وأحواله ، لكن ربط الرومانسي بمعنى " الخيالى " هو ما أود الحديث عنه فى ذلك المقال؛ لأن الفرضية الخيالية – علميا – هى المستحيل تحققها على أرض الواقع .. بذلك فالقصص الغرامية ليست جميعها خيالا بحيث يستحيل تحققه فى عالم الثبوت.
بهذا يكون مرادنا من " الرومانسية " هو الفرضية الخيالية التى يتعذر إيجادها فى واقعنا ، وللأسف أيضا يشتبه على الكثيرين وصف هذا الخيال المحال بلفظ " المثالى " .. فعالم المثل، فى اعتقاد الحكيم اليونانى أفلاطون، هو عالم الفضيلة والخير الحقيقى الذى تنسب إليه جميع أعمالنا الفاضلة وتنتمى إليه أرواحنا السامية بحيث يكون كل سلوك وتصرف قيمي فعله الإنسان؛ ماهو إلا استحضار وتذكر لما هو " واقع " فى عالم المثل قديما ..
نعود إلى مرادنا ، فالرومانسية التى نقصدها لاتمت لأى واقع بصلة ، سواء واقع العالم المثالى المجرد أو واقع العالم المادى الذى نحياه الآن ، إنها رومانسية من كانوا يطلقون على أنفسهم " أسياد البلد " حيث عاشوا وترعرعوا لعشرات السنين يقتاتون من خوف الناس وذلهم ويعيشون على إتاوات رجال الأعمال والمنتفعين، ويستمدون عزتهم الوهمية من ذلهم وخضوعهم الحقيقى أمام القوى العالمية الكبرى وجرذان الصهيونية العنصرية ..
ظنوا أن سيادتهم للبلد كان محصلة لمواهبهم وشطارتهم وقوتهم الذاتية،  فتوهموا أن الانبطاح للأمريكى " شطارة " والتنسيق مع الصهيونى " حكمة سياسية " والاستقواء على الضعيف " قوة " وبيع البلد – برخصة تراب – لرأسمالية الاحتكار تجارة رابحة ! وعلى هذا الأساس بنوا عالما خياليا محضا على أساس الموهبة والقوة والفهلوة ،فشيدوا كل وسائل الراحة والترفيه على فيض ما تمتصه طفيلياتهم مما يقبع فى بطون الغلابة، وما يسرقونه " بإكراه قوانينهم الظالمة وبلطجة لصوصهم" من أقمشة الفقراء ومساكن المحرومين ..
وكان طبيعيا أن يتسم عالمهم بغياب التعقل وانحدار الروح والقيمة، فالتفكير مقصور على أدمغتهم الخاوية التى لاتعرف سوى " حق القوة " وفلسفة السيطرة ، والأخلاق قيمة وطنية يفسرونها زورا بأن الحفاظ عليهم أربابا لمؤسسات الدولة هو واجب وطنى أخلاقى أصيل لكل من يفتخر بمصريته ..
هذا عالمهم الكائن قبل الخامس والعشرين من يناير ؛ والذى  فقدوا الجزء المعنوى منه بأن انكسرت " إنفتهم " وتحطم كبرياؤهم المزعوم أمام العديد من الشباب ممن يتوقون إلى الحرية والكرامة والاستقلال الوطنى والتخلص منهم ومن أسيادهم .. كان نظامهم " واقعيا " أساسه خوف الناس وسلبيتهم ولكن مهما علت مؤشراتهم بأن ما سبق سيعود مرة أخرى فإن واقعيتنا تحرمنا من الاعتراف والتصديق بذلك ، فقد انتفى خوف الشباب وسلبيتهم ؛ واختفى معها وقود النظام السابق وعلة تحققه وعودته مرة أخرى
نعم .. فقادتهم خارج السجون وشبابنا داخلها !
 نعم فجميع معارضوهم إرهابيون ؛ والمثقفون والمبدعون محاطون بأسوار مادية ظن سفهاؤهم بأنهم مانعتهم حصونهم من التفكير والإبداع والتواصل المعنوى والروحى مع ذويهم بالخارج ..
إلى " أسياد البلد " ! احلموا متى شئتم بالعودة لمدينتكم الظالمة مثلما كانت فى السابق ؛ اظلموا واقهروا وحاولوا كسر إرادتنا بمعاول أحلامكم الخيالية فى الرجوع للسابق مرة أخرى فإنى مشفق عليكم من الاستمرار فى تلك الرومانسية والعيش فى وهم خيال استعادة النظام السابق وعودتكم أسيادا للبلد واستفاقة طفيلياتكم الجائعة، فالواقع أن المحرومين لن يزيدهم حرمانا ألا يسكتوا على ظلمكم ، والفقراء لن يؤلمهم أن يخيطوا ثيابهم فى جلودهم حتى لايسلبها أغنياؤكم ، والأحرار ستتحطم رومانسيتكم البلهاء أمام واقعيتهم لأن انقطاع الكهرباء المتكرر حرمهم من مشاهدة المسلسلات التركية الرومانسية دونكم ! والحمد لله على نعمة الواقعية .. وانقطاع الكهرباء !!

هناك تعليق واحد: