الثلاثاء، 29 أبريل 2014

الثائر.. الحزين.. العاقل

منشور بالبديل الأسبوعى ؛ العدد 14 بتاريخ 23-4-2014



آمن الشيخ " الثائر" محمد عبده بالثورات الشعبية وكيف أن الشعوب هى صانعة مجدها وحريتها، وانعكس ذلك فى بداية الأمر لا على موقفه السياسي – وقتها- من تأييده للثورة العرابية فحسب؛ بل على فكره السياسي ككل ؛ ففى المرحلة الأولى من تولد رؤيته السياسية، ركز على الإرادة الشعبية والحكومة التى تبتنى عليها والتى تصل إلى الحكم عن طريق ديمقراطى، ولكن بعد فشل ثورة عرابى وهزيمة الحل الثورى وقتها بدأ يدعو شيخنا " الحزين " إلى ضرورة وجود " الحاكم القائد " مبرزا تشككه فى وعى وإرادة القوى الشعبية والإجراءات الديمقراطية ككل ..
لايمكننى، وأنا أقرأ ملامح النظام السياسي لمولانا الإمام عبده، التى يتضمنها المؤلف القيم للدكتورة " حورية توفيق " حول الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، إلا أن أتذكر ثورية العديد ممن أسسوا لثورة الخامس والعشرين من يناير ودعوا إلى تغليب الديمقراطية والوثوق فى الصندوق الانتخابى باعتباره المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية التى سوف تجلب معها العدالة المنشودة والتغير السياسي والاقتصادى والاجتماعى المطلوب، فرفع الكثير منهم شعار " الديمقراطية هى الحل " ..
ولكن بعد أن أسفر الصندوق الانتخابى عن الإتيان بفصائل خذلت آمال الثائرين وأحلام ناشدى العدالة، بدأ الكثيرون فى مراجعة مواقفهم من الديمقراطية والإرادة الشعبية ككل إلى الحديث عن " وصاية الحاكم المطلق" أو تغليب معايير أخرى مقدمة على صناديق الانتخاب كالأمن القومى و " الحفاظ على الدولة " وغيرها فى موقف يتشابه – من منظور ما - مع ما حدث لمولانا الإمام محمد عبده ..
ولأن تلك المواقف الرافضة للديمقراطية والمغلبة للإجراءات " الديكتاتورية " لاتعدو كونها مجرد رد فعل قد انتاب العديد من الحالمين والرومانسيين وسرعان ما سيزول سريعا وهم يرون بأم أعينهم الويلات التى نعانى منها الآن بسبب " تفويضهم " للحل الفردى الاستثنائى، إلا أن عودة هؤلاء " النخب " من السياسيين والمفكرين إلى شعار " الديمقراطية هى الحل " هو المضحك بعينه حقا!  كذلك استمرار بعضهم فى تبرير مواقف " الحاكم الفرد الصمد " و " منقذ مصر " و " حامى الدولة والمؤسسات " هو المبكى بعينه !!
ولكن ما الحل إذن ؟
دعونا نكمل القراءة حتى نعلم " نهاية " ماوصل إليه مولانا الإمام محمد عبده من تأمل، حيث انتهى به المطاف إلى الدعوة إلى الحاكم " المستبد العادل " حيث يقصد بالمستبد هو أن تكون إجراءات الحاكم تحمل قدرا من القوة والثورية فى مواجهة الفساد وحمل الناس على الفضيلة حتى لو بالإكراه؛ اعتمادا على وجود حالة عالية من التشوه الأخلاقى والسلوكى والفكرى فى المجتمع نتيجة سيطرة الحكم الاستبدادى لعقود طويلة .. أما العادل بمعنى أن يحمل المجتمع على العدالة لا كما يراها الحاكم نفسه – كما فى الديكتاتور – بل كما هى العدالة فى ذاتها؛ كمجموعة من القيم الفاضلة التى لايختلف حولها عاقل، ومجموعة السنن التشريعية التى يئتلف عليها أئمة الشريعة وفقهاء الدين ..
بذلك عدل الشيخ موقفه من فكرة " الحاكم القائد فحسب " والتى تفتح الباب أمام الحكم الجائر وديكتاتورية القرارات والممارسات؛ إلى فكرة " المستبد العادل " المتقيدة قراراته بالفضيلة ومصالح الناس لا بآرائه ومصالحه هو ؛ فكسر الشيخ الراحل ثنائية ( الثائر/ المصدوم الحزين ) ليسطر على عالم أفكاره واقعا ثالثا يحمل الحل العقلانى والفلسفى ..
ولكن .. ماهى فلسفة " المستبد العادل " وكيف يمكن تضمين الإرادة الشعبية والديمقراطية فى ذلك النظام السياسي الفلسفى ؟ هذا سيتحدث عنه مقالنا القادم؛ فللحديث بقية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق