السبت، 5 أبريل 2014

سوريا.. بين جيش " الدولة " والجيش " الحر ".



العدد 11 بتاريخ 2-4-2014



تعمدت أن أضع بين القوسين كلمتى " الدولة " و" الحرية " باعتبارهما الأساسين المبنى عليهما النزاع الحالى فى سوريا بين القوات النظامية وما يعرف بالجيش الحر؛ فالأولى تطلق شعارات مثل الدولة ووحدة سوريا ومؤامرات تفكيك " الجيش السورى " بالتالى يأتى الدفاع عن كل تلك المبادئ غاية نبيلة وأساسية .. ولكن بالاستقراء البسيط تجد أن المجتمعين على تلك الشعارات هم وللأسف حزب الكنبة السورى وأصحاب المصالح والطوائف السورية التى تتعامل بامتيازات مادية واجتماعية عالية كالعلويين مثلا، إلى جانب عديد من المؤمنين بمبادئ المقاومة والوقوف بوجه الكيان الصهيونى وعملائه فى المنطقة .. فى مشهد وللأسف يجمع أصحاب المبادئ " الممانعة والاستقلال الوطنى " مع المنتفعين والفاسدين
وعلى الجانب الآخر يقف أنصار الحرية من أجل " الحرية " ؛ فهى الغاية والقضية الحاكمة وربما الوحيدة والتى يجب أن يلتف الجميع تحت لوائها؛ فالقمع ومصادرة الرأى وسجن المخالفين سياسيا ومنع التعددية الحزبية هى المبتغى وحده؛ فلايهمنا أن يلتئم جرحانا فى مستشفيات الكيان الصهيونى أو أن تخدم قضيتنا دولا بعينها تساعدنا من أجل إسقاط محور الممانعة أو إدخال سوريا – وهى المكتفية ذاتيا فى العديد من السلع - ضمن السوق العالمى المستورد والمستهلك لمجموعة السلع الأمريكية وغيرها ، أو إغراقها فى قروض البنك الدولى وهى التى رصيدها من الديون الخارجية كان صفريا ! فقط الحرية من أجل الحرية ، فى مشهد عبثى آخر كمثيله السابق يجمع المنتفعين وعملاء الغرب كتفا بكتف مع المستضعفين والحقوقيين وبعض الطوائف والطبقات المهمشة والمقهورة ..
والحقيقة أنى لست أملك حلا عمليا قصير الأجل لمايحدث فى سوريا ؛ فالوضع اختلطت فيه الشعارات والمبادئ من كل طرف مع وجود حفنة المنتفعين من الطرفين والتى تلعب دورا أساسيا ومحوريا فى تعقيد الأزمة ، جعلت مفاتيح الحل فى سوريا لابيد شعبها واحترام رأيه وكلمته ، بل بيد القوى الدولية والإقليمية والتى لاتتوقف عن التلسن بكلمات مثل " مصير سوريا بيد شعبها " ولا تتوقف أيضا عن إمداد المسلحين بكافة سبل الدعم اللوجيستى وذلك عونا للشعب السورى فى أن يدلى بكلمته ورأيه !
ولكن فى الوقت نفسه قد يكون الحل فكريا وتصحيحيا! ولم لا .. فالمراجعات الفكرية قد تكون عاملا مهما فى وأد الحروب وإيقاف نزيف الدم ، لن نطلب من حكماء الطرفين النظر فيمن حولهم من المنتفعين والفاسدين وتجار الدم والمصلحة فهم يعرفونهم جيدا وللأسف يبررون وجودهم بين ظهرانيهم بكونهم أقل ضررا من الخصم وأذنابه ، ولكن فقط مجموعة من التساؤلات لعلها تأتى بفائدة ..
مافائدة الحرية إن كان ثمنها هو التفسخ المجتمعى والانقسام الرهيب؛ لا إلى حر وأسير بل إلى حر وممانع للصهيونى ! إلى سنى وشيعى وعلوى وكردى ومسيحى؟
ماوظيفة الحرية إذا لم تخدم غاية كالعدالة وإعطاء الحقوق التى أولها وأولاها حق الدولة والمجتمع فى استعادة أرضه المحتلة فى الجولان وباقى الأراضى العربية التى اغتصبها الصهيونى الذى مازال يمد يد العون للجيش " الحر " !
وعلى الجانب الآخر ؛ مافائدة الدولة إذا كانت أجهزتها مسخرة لخدمة مجموعة من الضباط والعساكر يتصرفون فى شعوبهم كالسادة مع العبيد ويعطون الامتيازات لطوائف بعينها ؟؟
أى دولة تلك تتبنى شعار " وحدة سوريا " وفى الوقت نفسه تتعامل مؤسساتها مع مواطنيها لاباعتبارهم مشاركين فيها؛ بل عبيد فى خدمتها طالما الدولة تطعمهم وتؤمنهم من خوف ؟
إن الدولة أيها " السادة " هدفها خدمة الشعوب وإقامة العدل بينهم وإعطاء الحقوق لجميع طوائفهم ؛ والحرية أيها " الأحرار " وسيلة تمكن الشعوب من الوصول لصيغ أعلى وأرقى للتعايش وصولا للعدالة المنشودة وذلك على طبق معايير حقيقية كالاستقلال الوطنى ومقاومة المحتل الصهيونى ..
وإذا كان العدل غايتنا والحقوق مبتغانا؛ فلتسقط الدولة إن كانت لبنات مؤسساتها الظلم والقهر؛ ولتسقط الحرية بلا ضوابط أو معايير أو غاية
 هذه دعوة للمراجعات الفكرية – للجميع – فى سوريا الشقيقة عسى أن يتحرر عبيد الوسائل من قيود الإجراءات والعادات ؛ ويوجهوا أذهانهم صوب العدالة والإنسانية .. فالإنسان أرقى وأميز من أن تسوقه الوسائل والإجراءات وهو من صنعها وأبدعها ..
سوريا .. دولة واحدة تسع الجميع وحرية لاتتخطى ثوابت المقاومة والاستقلال والوحدة ..

ملحوظة : المقال مستوحى من مشاركة رائعة - على الفيس بوك - للدكتورة الفاضلة دينا القصاص هذا نصها " صديق من سوريا تحدث معي اليوم عن جرائم النظام السوري والمجازر التي يرتكبها، صفحات السوريين تشعرنا أننا أمام بلدين، بلد يتناقل جرائم الجيش الحر وأصبح له تاريخ من الشهداء ومستمر في نضاله مبرراً موقفه بالدفاع عن الدولة، وبلد يتناقل جرائم النظام وأصبح له تاريخه من الشهداء ومستمر في نضاله مبرراً موقفه بالدفاع عن الحرية، وبين هذا وذاك ضاعت سوريا الوطن وانزلق السوريون في الاقتتال الداخلى ،.نحن نسير بمصرنا إلى نفس المصير
.استمروا في التبرير،. استمروا في اجترار المرارات، حتى يصبح لنا تاريخين، ويضيع الوطن."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق