السبت، 13 ديسمبر 2014

عن الإرهاب ومواجهته (4)



منشور - بتصرف - بالبديل الأسبوعى بتاريخ 3-12-2014
وعلى هذا الرابط

فى الوقت الذى تتبنى مؤسساتنا الدينية عبء مواجهة الإرهاب والتطرف الفكرى، ولاتكاد تلك المؤسسات تخلو من المصداقية السياسية والتجرد عن المصالح كما قلنا مسبقا، فإن عجائز تلك المؤسسات تمنعهم عقولهم الجامدة أيضا من التطوير والتجديد سواء لمناهجهم العلمية التى اعتمدوا عليها والتى أصابها الصدأ من كثرة مخالفتها للعقلانية المطلوبة وقلة مراجعاتهم لها لدرجة تجعلهم يضعون أى محاولة من محاولات التجديد والتطوير فى قيد الاتهام بالعلمانية أو التحرر من الدين، بذلك يصير المخالف لأفكارهم إما وهابى أو علمانى أو معتزلى فاسد ناكر للسنة النبوية، مثلما هاجمت أقلامهم من قبل العديد من المفكرين المنحازين للاتجاه الإسلامى لالشيء سوى لمحاولاتهم التجديد ونفض عباءة تقديس السائد دون إعمال العقل فى كينونته وحجيته.. 
وحتى أستطيع إيصال الفكرة بشكل أوضح أحكى لكم حكايتين: الأولى عندما كنت فى زيارة إلى لبنان الشقيقة، وقع فى يدى كتاب للأستاذ عباس نور الدين، وهو مفكر محسوب على المؤسسة الدينية الشيعية بجنوب لبنان، الكتاب بعنوان " شباب الجامعة يسألون " واصفا فى مقدمة الكتاب بأن تلك الأسئلة هى مجموع ما تلقاه فى زياراته للجامعات اللبنانية المختلفة بما تمثله من تنوع مذهبى وفكرى واضح .. فى الحقيقة أذهلتنى الأسئلة نفسها والتى كانت عناوينها : ما معنى أن الله بسيط غير مركب؟ كيف خلقنا الله من لاشيء رغم أن هذا يعنى أننا مخلوقون من العدم الذى لاوجود له وبالتالى صار العدم شيئا موجود ! مامدى اتفاق المثل الأفلاطونية مع مبدأ " فطرة الإسلام "؟ هل يفيد العرش بأن وجود الله محدود؟ وغيرها من الأسئلة الوجودية التى تتعلق أيضا بالظلم والعدل والشر والخير وأفعال العباد ! ومع ذهولى من عمق الأسئلة عند طلبة الجامعات اللبنانية ذهلت أيضا من رحابة صدر هذا المفكر المتدين وقوة ومتانة إجاباته ومحاولة تأصيلها عقليا ودينيا بشكل سلس وقوى وابتعاده عن الإجابات السخيفة والمضحكة على غرار " إن الخوض فى تلك المسائل رجس من عمل الشيطان وأنك ينبغى أن تتوب عن التفكير فى تلك المسائل ! " أو إن تلك الأسئلة والشبهات هى دسائس وضعها المستشرقون ليشككونا فى ديننا وأنك ينبغى ألا تضع لهم الفرصة لهدم الدين بالتالى فابتعد عن التفكير ! . عندها سألت نفسي " ماذا لو كان لدينا علماء شباب لديهم العلم والحجة والمصداقية والدليل العقلانى الواضح بما يمكنهم من احتواء تساؤلات تلك الشباب ؟ "
 للأسف لدينا الآن ثلاثة أقسام من الدعاة، الأول: دعاة كلاسيكيون منتمون إلى مؤسسة كبيرة تدعمها الدولة وقد وصل بهم الحال إلى اعتبار أن الدعوة فى صلاة الجمعة هى عمل وظيفى لايحتم عليهم التعمق ولا القراءة المتأنية لمطالب العقيدة واستيعاب مدى التطور الذهنى الذى حل بأفراد المجتمع والذى جعل الطفل والفتى والشاب والرجل والكهل يتكلمون فى سبب خلق الله للكون وهل غير المسلم فى النار؟ ومادليلك على تواتر القرآن ورأيك فى سحر النبى ومحاولته التردى وزواجه من السيدة عائشة وهى بعمر التسع سنوات؟ الثانى : دعاة جدد لايفهمون من تجديد الخطاب الدينى سوى البدلة والكرافت وإثارة النكات والحكايات الواقعية عن الشاب الذى ترك دينه وأخلاقه فابتلاه الله بالفقر والإدمان وانتهى الفيلم بعودته توبته وسط بكاء الحاضرين ! والثالث : دعاة متحجرين ينتمون لتيارات من المفترض أن النداء الحالى لتوجه الدولة هو مواجهة أفكارهم المتغلغلة لما لها من أثر فكرى أوصلنا إلى تلك المرحلة من الجمود والسطحية ..
ثلاثة أصناف من الدعاة بعيدة كل البعد عما فى مكتبة هويتنا الدينية والثقافية من مؤلفات للإمام محمد عبده ورشيد رضا وعمارة وابن رشد والغزالى والمسيرى وأبو الحسن الشاذلى وغيرهم من مفكرين ودعاة أخلاق يستطيع علماؤنا الاستفادة من أفكارهم والتعمق فى فلسفتهم مع الحفاظ على هويتنا وماتبقى من دورنا الثقافى المفقود !  أما الحكاية الثانية ففى المقال القادم إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق