الجمعة، 28 نوفمبر 2014

عن الإرهاب ومواجهته 1

منشور بالبديل الأسبوعى بتاريخ 12/11/2014
وعلى هذا الرابط

كان المفكرون المصريون لمئات من سنين مضت حاملين لمنبر الإشعاع الفكرى والثقافى للمنطقة العربية ككل بل أكثر من ذلك فى محيطنا الإفريقى والمحيط الإسلامى أيضا، سواء عبر الأزهر أو عبر أدبائنا ومثقفينا ومفكرينا من كافة التيارات الفكرية ، من الإمام  محمد عبده وقاسم أمين إلى نصر أبوزيد وحسن البنا وسيد قطب وعبد الناصر ونجيب محفوظ وغيرهم ممن لايمكننى أن أحصرهم حفاظا على محدودية المقال .. 
ليس فى ذهنى أن أتحدث عن أسباب التجريف الحاصل الآن فى مصر والذى بلا شك له أثر قوى ومباشر فيما يحدث فى منطقتنا العربية من تمادى للتيارات التكفيرية وتنامى للأفكار المتحجرة وكذلك تزايد للأفكار التشكيكية السلبية أو النسبية المتحررة، والطرفان للأسف مانعان لأى تقدم إنسان أو حضارى لما للأول من تأثير قوى تسانده القوى الغربية الكبرى بأشكال شتى من الدعم لتحقيق مصالح معينة، كذلك تغذيه وتساهم من تسارعه وتغلغله أنه يحمل راية المظلومية فى بلدان كانت أسيرة لحكم ديكتاتورى مهين على مدار عشرات السنين كمصر وسوريا والأردن واليمن وليبيا وغيرها، أو لبلدان أسيرة للاحتلال الذى لايقل تأثيرا فى الشعوب عن التأثير الديكتاتورى نفسه؛ كالعراق وأفغانستان .. ولما للثانى من قوة استمدها من رد فعل عنيف تجاه الزيادة المفرطة للاتجاه الأول.
فقط كل مايمكن أن يقال أن مصر مسئولة عما يحدث فى المنطقة؛ مسئولية فكرية وثقافية ودينية فضلا عن مسئوليتها السياسية والاقتصادية الغائبة تدريجيا منذ عزلها عن قضايا المنطقة بموجب اتفاقية كامب ديفيد المشئومة . وإذا كانت الأفكار التكفيرية باعثها ومنشؤها الحجاز " أو منطقة نجد بالتحديد " إلا أن دورنا المتخاذل عن مواجهة تلك الأفكار لم يقتصر على السلبية أو تجنب المواجهات فحسب، بل تعداه لأن باتت مصر من أبر البؤر المصدرة لأفراد ينتمون لهذه التيارات نفسها ! لا أريد أن أنعش ذاكرتكم بعدد المصريين الذين يحاربون فى سوريا والمنضمين حديثا لداعش فليس عندى عداد يقوم بالرصد الدائم للأرقام التى تتزايد يوميا سواء فى سفرها المباشر أو فى نسبة المؤيدين لتلك التيارات على شبكات التواصل الاجتماعى من المصريين ! بل فقط أود تذكيركم بأن قائد تنظيم القاعدة هو طبيب مصرى يدعى أيمن الظواهرى . يكفى ذلك  لنعرف إلى أى مدى وصل بنا الحال من الانحدار الفكرى والثقافى بأن صرنا نحن مصدرا للقلق والاضطرابات بالمنطقة بعدما كنا مصدرا للإشعاع والتنوير .

وبعيدا عن الحزن والتحسر بلافائدة لا أجد نفسي، وأنا الذى أفخر بالانتماء إلى هذا الوطن الغالى وتاريخه العميق العريق، إلا أن أحذر بدافع وطنى وأخلاقى من شخص يشفق على أمته من الانهيار، بأن استمرار قادتنا السياسيين فى استخدام العنف والحلول الأمنية لاحتواء تلك التيارات لن تجدى نفعا للأسف، فلا قادة تلك البلد الغالية يتسمون بالرصيد المقبول من العدالة التى تجعلهم يلجأون للعنف والقسوة؛ فتاريخهم الإجرامى يشهد على مدى عشرات السنين، ولا هناك حالة حقيقية من الالتفاف الوطنى والشعبى وراءهم لمحاربة الإرهاب داخليا وخارجيا مثلما التى كانت على عهد عبد الناصر سواء فى مشاريعه القومية المحترمة أو فى إجراءاته التعسفية  نفسها. فالواقع مختلف وصار الشعب المصرى منقسم بحق إلى فريقين لكل إعلامه وطريقه وأفكاره وأدواته، لم يتفقوا فى أى معيار سوى على أمرين لاثالث لهما: الأول احتماؤهما واستقواؤهما بالأمريكى وحلفائه من أجل نيل الشرعية الدولية والثانى استعدادهما التنازل عن أى شيء – مهما كان عزيزا – لنيل تأييد تلك القوى التى لطالما ساهمت فى وصول حالنا إلى ماهو عليه منذ اتفاقية كامب ديفيد المشئومة " للمرة الثانية أكررها " وللحديث بقية !   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق