الجمعة، 28 نوفمبر 2014

الحب الأعمى

منشور بالبديل الأسبوعى ، عدد 38 بتاريخ 22/10/2014
وعلى ذلك الرابط 

اللى بيحب إنسان، لازم يحبه بكل مافيه من ميزات وعيوب ومشاكل ! هكذا جعلت تلك المقولة المشهورة الحب أولا وقبل الحكم على جودة وسوء الأخلاق والتصرفات من الشخص أو الكيان الذى نحبه ونكون له التقدير اللازم ..
هى مقولة تقال وتحصد الآلاف من الإعجاب على الصفحات الإلكترونية، يقولها عاشق لمعشوقه عندما يريدها أن تتحمل أذاه وتصبر على سيئاته بل ويتهمها بأنها لاتحبه لمجرد اشمئزازها من تصرفاته أو عدم تحملها لحماقاته ! هكذا تربينا على تلك المقولة التى لانجد مسلسلا أو فيلما يتناول حياتنا الاجتماعية إلا وتقال فيها تلك الجملة التى صارت معتادة ومستساغة عند الكثيرين لدرجة اعتبارها قولا مأثورا حكيما على غرار " المركب اللى ليها ريسين تغرق " أو " إن كبر ابنك خاويه " !. لكن الناظر للمعنى الغريب من تلك المقولة لابد فى النهاية أن يضعها فى نفس خانة الأقوال الوهمية التى قد نظنها صحيحة ولها مصدرية من الحكماء والخبراء لكن فى النهاية تكتشف أنها كالذهب الصينى الذى يختفى بريقه وتنكشف حقيقته مع أول اختبار يتعرض له من أصحاب الصنعة والباحثين عن معرفة طبيعته وخصائصه. تماما مثلما اكتشفنا زيف مقولة " لحوم العلماء مسمومة " والتى طالما اعتبرنا أن قائلها نبى أو من المنتمين للصدر الأول ! فعرفنا بأن تلك المقولة تخفى وراءها أمواجا من التبرير لكل من أقحم نفسه فى زمرة العلماء بحيث تكون كالحصانة التى تعصمه من سهام النقد وتبرر له أى قول أو تصرف يفعله طالما أن مجرد انتقاده سم يؤذى صاحبه فى الدنيا قبل الآخرة !
ومثلما ثبت زيف هذا الكلام السابق كذلك ينبغى أن نتفهم مدى زيف تلك الحكمة المموهة فى أول المقال؛ ليس لما لها من آثار اجتماعية سلبية تحبط أى محاولة للتغير الإنسانى للأفضل وتقتل الحب الصادق المبنى على التعقل واحترام الفضيلة وتقبيح نقيضها وذلك بكونها لاتطلب التماس العذر أو التسامح عن الخطأ – وإلا لكانت مقبولة – بل لكونها تعتبر حب الشخص وتقبل العيوب والقبائح هو الأصل طالما أننا " نحب " بل هى مثار للاستخدام الحالى لتبرير أى موقف سياسي يقوم به الزعماء وقادة الرأى تحت ذريعة أننا " نحب " هذا الشخص وبالتالى فالتغاضي عن الأخطاء وسكوتنا على كل ماهو مشين من أقواله وأفعاله هو قمة الحب وذروة الانتماء ! قبل عدة سنوات كانت مصر " مبارك " وبالتالى فالحديث عن سوء سياسة مبارك قد تنال من وطنيتك وانتمائك لمجرد أن مبارك هو " رمز لكل مصرى " وإهانته هو إهانة لأى مصرى مهما كانت سقطاته وذلاته والفساد المستشرى فى عهده ..
وكما يقولون فى القول الأكثر واقعية " صديقك من صدقك وليس من صدَقك " فالمحب الحقيقى هو من ينشد الفضيلة ويود أن يحقق التكامل فيما يحب أو من يهوى ، كذلك الوطن والانتماء الذى ينبغى علينا أن نحب له التقدم والرقى المطلوبين فبدافع الحب والانتماء العاقل لايمكننا السكوت على مايحل فيه من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية تهدد كينونته .

إذا كان لنا أن نخلق أجيالا تتسم بالانتماء الحقيقى و تقوم بدورها القيادى والرائد فينبغى أولا أن نزرع فيهم القوة العقلية اللازمة التى تجعلهم يحكمون على كل ماحولهم من أقوال متناثرة، العديد منها لايمثل فقط تناقضا عقليا واضحا ؛ بل له أثر سيء يوجه السلوكيات والتصرفات نحو الهاوية ، فى النهاية " اللى بيحب إنسان يحب له الخير ويمنعه عن أى شر " وبمناسبة الشر فهل ينبغى أن " نبعد عن الشر ونغنيله ؟ " بإننا " نمشي جنب الحيط " ؟؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق