الثلاثاء، 18 فبراير 2014

ثورة العقلاء !

24-3-2012
رجل فقير فى العيد شاف ناس كتير بتاكل لحمة
روح بيته لقى زوجته عامله "فول نابت"
...وبتقوله : كل سنه وانت طيب !!
قالها . وانتى طيبه ،،، وأكلوا عادى ..
هو بقى ياكل الفول ويرمى قشره من الشباك ويقول فى نفسه " بقى الناس كلها بتاكل لحمه وانا باكل فووول !! ..يللا الحمد لله .. "
نزل الفقير من منزله وشاف حاجه إستغرب لها جداً ..!
شاف رجل كان قاعد تحت شباكه
بيلم قشر الفول النابت وينظفه و ياكله!
ويقول: الحمد لله الذى رزقنى من غير حول منى ولا قوه.....!!!
فقال الفقير " رضيت يارب .. يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك "
ارض بما قسمه الله لك وقل الحمد لله

رغم إن البعض قد ينظر لتلك القصة من منظور الرضا والتسليم الإيمانى لله ، إلا أن ثمة  نظرة شمولية أخرى لتلك القصة بلحاظ  المجتمع نفسه ، و الذى فيه  - حسبما ذكرت القصة - نوعان من الفقر ، الفقر الإنسانى والفقر اللاإنسانى والذى بلغ حدا غير معقول من غياب الإنسانية ، فالرجل يحمد الله لأن هناك من هو أفقر منه !! ولم يلتفت الرجل ليسأل عن سبب الفقر العجيب الذى وقع فيه الآخر  فضلا عن نفسه ، لأن كاتب تلك القصة للأسف متيقن أن سبب ذلك الفقر هو الله !! وبالتالى لا يمكن أن نسأل عن السبب لأن فى ذلك نقصا وريبا فى إيماننا بالله ، وتلك مصيبة أكبر تتمثل فى الربط الزائف والخطير فيما بين الرغبة فى تغيير الواقع الطبقى البذئ من جهة ، وبين  مواجهة الإيمان بالقدر وعدل الله والذى أوجد تلك الطبقات وخلقنا على تلك الشاكلة من جهة أخرى
ذلك النوع من التدين الجبرى القائم على الرضا بظلم الحكام والمستبدين – وهم السبب الأول والوحيد فى الطبقية والفقر – مازال حيا يعيش بين ظهرانينا ، بل ويركب على ثورتنا المجيدة فيقول – على لسان مرشد الاخوان – أن تلك الثورة تدخل إلهى .. نعم فكل أسباب الخير من الله نعترف بذلك ، لكن هناك أسباب بأيدينا نحن – الشباب الرافض للواقع الأليم- و لكن بانتفاء الأسباب تنتفى النتيجة ، فباكتمال عدد وكيف الشباب الثائر الرافض للظلم والمطالب بالعدالة الاجتماعية - وهو جوهر مطالب الثوار-  جاء النصر والمدد من الله (إن تنصروا الله ينصركم ) فاشترط الله أن ننصره نحن أولا كى ينصرنا ، وليس العكس ، فلم يوقظ الله مثلا عشرين ألف شاب يوم الخامس والعشرين من يناير وينقلهم بالبساط إلى ميدان التحرير بالإجبار فيتم النصر الإلهى .. لو كان الامر كذلك لهدانا الله جميعا (ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا ) ولكن الهداية الإلهية تشترط أولا أن ننتصر لأنفسنا ونتوجه إلى الله فننصر الحق والعدل ونسعى إلى تغيير الواقع وتطهيره من عوامل الاستبداد والظلم والقهر فيشملنا الله بتأييده ونصره مهما كانت مقوماتنا .. وذاك هو الجمال والغاية الحقيقية للوجود ، أن نجاهد أنفسنا ونتطلع للكمال والقرب من الله فيأخذنا الله إلى قربه ومحبته ، فنشعر حينها بجمال القرب الإلهى وحلاوته وبمتعة وصولنا إليه باختيارنا وبمنتهى الحرية دون إجبار منه جل وعلا .. فقط (إن أتانى يمشى ، أتيته هرولة)
 أقول ذلك فى معرض مناقشة مع أحد شباب الاخوان عندما قلت له ببساطة كيف يتخلى الاخوان عن مطالب الشباب الذى كان وقود الثورة ومحركها ، فبادرنى قائلا : "لا .. هذه الثورة من الله !! ولا دخل لاحد فى حصولها !!  " بالطبع ادركت وقتها مدى الجبرية والقدرية فى التفكير والتى قادت الشاب المسكين أن يقول هكذا ، فهكذا علمه أساتذته أو على الأقل لم يهتم أحد بتصحيح عقيدته فى عدل الله وكيف أن المعلول هو نتاج مجموعة اسباب وعلل متسلسلة  لا تقابل أو تضاد بعضها فإذا غاب أحدها لم تقع النتيجة ، وهنا يظهر سؤال الجاهل : هل السبب فى وجودى مثلا :  النطفة التى جمعت أبى وأمى أم الله ؟ ولا يدرى أنها مجموعة من العلل تنتهى فى بدايتها ورحلتها إلى الله عز وجل
ما أود أن أقوله أن النصر من عند الله ، وشرطه الأساسي أن نسعى نحن أولا إلى التغيير ، تغيير الواقع من حولنا للأفضل ، أما باستمرار تلك الحكايات الغريبة – مثل تلك الحكاية فى أول المقال – فأثرها السيء أكبر بكثير من إيجابياتها ، يقول أبو ذر الغفارى رضى الله عنه فيما معناه عجبت للفقير كيف يحيا هكذا ولا يشهر سيفه فى وجه الحكام الأثرياء ، ويقول على بن أبى طالب كرم الله وجهه " ماجاع فقير إلا بما متع به غنى "
إن الجبرية والقدرية التى تتمثل فى ضرورة التسليم بظلم الحكام – تحت مسمى أن ذلك عدل الله ورزقه – هى فقط أدوات الحكام الظلمة الذين يختارون علماء الدين (الجبريين) بعناية كى يكونوا – المحلل الشرعى – لظلمهم واستبدادهم ، وحقا كان كارل ماركس قاسيا عندما قال إن الدين أفيون الشعوب ،  فقد كان النموذج الدينى المطروح فى عصره جبريا فقط فربط بين النظرية وسوء التطبيق .. بالتالى فأستطيع أن أقتبس ما قاله لأضعه فى إطار عقلانى واقعى فأقول " إن الجبرية والقدرية أفيون الشعوب والمخدر الذى يضعه علماء السلطة للشعوب حتى لا تنهض فى قبال أى حاكم ظالم وسلطة مستبدة  "
يقول الشيخ محمد الغزالى (لقد تكاثرت أوزار التخلفين المادى والأدبى على ظهر الأمة المسكينة حتى قصمته ولم يكن ثم بصيص نور يومض بهداية أو نصفة أو مرحمة ، كان الحاكم الجائر ينبت فى منصبه فيقال فى تسويغ وجوده "قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " ، أما إن المناصب أمانات ، وإن ملأها يتم بالاختيار النزيه فذاك حديث لا يخطر ببال !!
وكان من يقدر على انتهاب ثروة ضخمة يأخذها فى صمت ، أو تتطلع الأنظار إليه بوجل ، ولو تجرأ امرؤ فذكر حدود الحلال والحرام قبل له : صه !! " إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم " وصاح شاعر (مؤمن) يقول
ملك الملوك إذا وهب ..   لا تسألن عن السبب
الله يعطى من يشاء .. فقــفــن على حد الأدب !!
ونشأ عن استقرار هذا الفكر تسليم بالحظوظ العمياء والتفاوت الظالم وعد ذلك هو الوضع الطبيعى فما جاء على أصله لا يسأل على علته ! أما التساؤل : من أين لك هذا؟ سواء كان هذا مالا أوحكما فإنه سؤال مردود على صاحبه ، وقد يكون سببا فى اخترام أجله ) انتهى كلام الشيخ الغزالى ولكن لم ينته ذلك التفكير للأسف .. فى انتظار ثورة على المفاهيم .. ثورة العقلاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق