الثلاثاء، 18 فبراير 2014

بالعقل نبدأ 2

تم نشر المقال على موقع جريدة البديل بتاريخ 19 سبتمبر 2012
http://elbadil.com/2012/09/19/64472/

الحل من أعلى
قلت فى مقال سابق بأن المشكلة الأساسية هى غياب الإنسان وبذلك يبدأ الحل من استحضار نموذج الإنسان المفقود فى مصر .. وحتى يعود ذلك الإنسان إلى فطرته وإنسانيته على كل الأصعدة وفى كل فئات وطبقات الشعب .. لا محيص من أننا نحتاج إلى منظومة تنفيذية متكاملة تعى مشكلاتنا وتحمل مبادئ ومفاتيح الحل
ورغم تمتع الاخوان المسلمين بعديد من الطاقات البشرية النافذة جغرافيا بين مختلف طبقات الشعب بما يسمح لهم أن يعوا جيدا قدر ماتعانيه كل طبقة وفئة وكادر وظيفى فى مجتمعنا وهى ميزة لن أجدها فى أى منظومة أخرى فى مصر فضلا عن ميزة تمكن الرئيس مرسي وبسطه صلاحياته الرئاسية بما يجعله مسئولا كاملا ومباشرا عن أى قرار يصدر فى مصر   .. إلا أن ثمة خلل كبير يبدو على سطح الحياة السياسية فى مصر أستشف منه بشكل واضح أن المنظومة الحاكمة فى مصر حاليا مازالت غير قادرة على استيعاب أصل المشكلة ومن ثم سبل العلاج أو على الأقل " من أين يبدأ الحل "  
وحتى لا يكون الكلام استرسالا يحمل شعارات بلا اقتراحات فعلية ويحوى انتقادا لا يبنى ويقدم الحلول .. أرى أن الإصلاح فى مصر ينبغى أن يبدأ من القمة للقاعدة وليس كما يظن البعض بأن الأساس يأتى من المحليات ورؤساء الأحياء .. كذلك لابد أن نجيب على السؤال الحيوى : على أى أساس يتم إصلاح مؤسسات الدولة وما المعايير التى يتخذها المسئولون للحكم على حسن أو سوء إدارة أى كيان سياسي تابع للدولة؟ هل الأساس هو مايطلقه البعض " بأخونة الدولة " وذلك باستبدال المسئولين فى الوظائف الحيوية بمسئولين ينتمون للتيار الإسلامى ؟ وماهو المنحى الاقتصادى للدولة؟ هل اعتمادات مستمرة ومباشرة على صندوق النقد والبنك الدولى مع الاستثمارات الأجنبية من الجميع وبلا استثناء ؟ وما تأثير ذلك على الدعم الحكومى للسلع الخدمية والحاجات الأساسية للمواطن مثل الخبز والبنزين وغيرهم ؟ وماهى الخطة المعتمدة لإصلاح التعليم ؟ هل إصلاحات شكلية تتمثل فى تحسين الخدمة التعليمية والمستوى المادى للمدرسين وطلاء المدارس مثلما كان النظام السابق يفعل ؟ أم يتمادى ذلك ليصل إلى التغيير فى المتون ومضمون المناهج ؟ تلك الأسئلة التفصيلية لايمكن أن تروى ظمأها إلا إجابة واحدة عن سؤال يجمع كل ذلك .. ما هى رؤية النظام الحالى لهوية الدولة المصرية ؟ ومن ثم يتفهم كل عامل وموظف ومواطن مصرى ماهية الدولة الحالية والخطوط العريضة للإصلاح ..
من هنا وكما قلت وأكرر ، يبدأ الإصلاح فى مصر من الأعلى للأسفل .. من الإجابة أولا  وبالتفصيل على تلك الأسئلة
ماهى رؤية النظام الحالى لماهية الدولة وهويتها القائمة ؟
ماهى الخطوط العامة لما ينبغى أن تكون عليه الدولة حتى تسترد ماهيتها وتحقق أهدافها ؟
ماهى العراقيل على المستويين الفردى والاجتماعى والتى تعيق المسئولين كى يحققوا مايصبون إليه .. بمعنى آخر " مامشكلة الإنسان المصرى الحالية والتى تؤثر وتتأثر بأزمات المجتمع الحالية ؟ "
تلك الأسئلة لا  تحتاج فى إجابتها إلا إلى مفكرين .. بل إلى  حكماء يدركون ماينبغى أن يكون عليه المجتمع كى يصير فاضلا متكاملا .. يعلمون ماهو " التكامل " ومفهوم " السعادة " ومايحتاجه كل مجتمع كى ينهض ويسير للأعلى .. لأن من البديهيات بعد أى ثورة أو تغيير لنمط النظام الحاكم أن أى بناء لنظام جديد يتطلب فلسفة تمثل حجر الأساس للمبنى القادم ، فمبادئ الديمقراطية الأمريكية مثلا التى قننها إعلان الاستقلال والدستور- رغم الاختلاف حول مدى واقعيتها -  قامت على أساس كتابات جيفرسون وهاملتون وغيرهم من الآباء المؤسسين والذين تأثروا فى آرائهم بالفكر الليبرالى للمفكرين البريطانيين توماس هوبز وجون لوك فى القرن السابع عشر الميلادى .. كذلك كانت مبادئ الألمانيين ماركس وإنجلز مرجعا لثورات شيوعية تعدت الإطار الجغرافى لتصل إلى الاتحاد السوفييتى والصين وغيرهما .. كذلك لا يمكن نسيان فضل المفكر الفرنسي فولتير على مبادئ الثورة الفرنسية فيما بعد ..
وفى معرض تطبيق تلك المسلمات والحتميات التاريخية على مايحدث فى مصر .. تسنتنتج بكل أريحية أن الاخوان – بصفتهم المنظومة الحاكمة الآن - مازالوا يفتقدون الفلاسفة والمفكرين المعبرين بكتاباتهم وتصريحاتهم عن هوية الدولة الواضحة والمفترض أن يكونوا المدركين للقضايا الكلية والمفاهيم العامة والتى يسير عليها فيما بعد التنفيذيون بمن فيهم الإستراتيجيون والخبراء "كل فى تخصصه ".. وبذلك يصير الإصلاح من الكلى إلى الجزئى ومن تحديد المبادئ العامة إلى الخاص إلى التفاصيل الصغيرة بطريقة تبدأ من القمة للقاعدة العريضة بشكل انسيابى وسلس يعرف فيه كل مسئول دوره العام والإطار الذى لايجب أن يتعداه ، وتلك النقطة بالتحديد لايجيب عليها الدستور القادم لأنه مهما كان واضحا تفصيليا إلا أنه يقينا سيفتقد " روح التوجه والهوية " كما لن يحمل إجابات لكل الأسئلة التى طرحناها فى أول المقال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق