الثلاثاء، 18 فبراير 2014

30 يونيو ؛ رؤية من أعلى

July 23, 2013

أعلنت موقفى قبل أحداث يوم 30 بأننى ورغم علمى بظلم نظام الاخوان وتكبره واستعلائه وكذلك استقوائه بالأمريكان إما طمعا أو جهلا ، ومواقفه الطائفية سواءا فى الشأن الخارجى أو الداخلى ، رغم هذا لم أؤيد النزول فى يوم 30 لعدد من الأسباب أتذكر منها الآتى
1-   ضعف المد الثورى فى تلك الفعاليات وتزايد قوة الفلول المتمثلة فى رءوس الأموال والإعلام المساند والشرطة والقضاء وكوادر الدولة العميقة والتى سهلت من حشد رجل الشارع الفقير بالقيام بحركات مفضوحة ومكشوفة كقطع الكهرباء وأزمة البنزين وغيرها
2-   عدم رفع شعارات مناهضة للأمريكان ومعبرة بشكل واضح أن ظلم مرسي يتمثل فى مشاكل الفقر وغياب العدالة الاجتماعية والتبعية للنظام الغربى والأمريكى المسمى زورا " النظام العالمى " .. بل اكتفت تلك المظاهرات برفع شعارات داخلية سطحية بعضها صحيح ولكنه لايخرج من دائرة الأخطاء إلى مستنقع المصيبة والخطيئة ، والبعض الآخر يحمل افتراءات مقصودة على نظام الاخوان .. فمصطلحات مثل أخونة الدولة والفاشية الدينية ودولة المرشد و سقوط مشروع الإسلام السياسي والنزول رفضا لدخول الدين مجال السياسة هى معايير تتوزع بين الاحتمالين المذكورين سابقا
3-   عدم وضوح رؤية الثوار بالإضافة إلى ضعفهم جعلنا نشخص أن تلك الفعاليات سيتم احتواؤها والركوب عليها واستغلالها من قبل الفلول من أجل إعادة إحياء النظام القديم مرة أخرى
4-   كل تلك الأسباب جعلنا نشك بأن تلك الحركة لن تغرد بعيدا عن الخطوط الأمريكية الحمراء وبالتالى فإمكانية تنسيقها مع قيادات أمريكية هى قضية ممكنة ولها شواهد مثل العلاقات الوثيقة بين جبهة الإنقاذ وجون ماكين ، بالإضافة إلى رجال الأعمال الفلول المتواجدين بتلك الجبهة والمعلوم بداهة مدى ارتباطهم الوثيق بالمصالح الغربية والأمريكية بمصر ..
ولكن جاءا أحداث 30 يونيو وكان المد الشعبى كبيرا جدا وأكثر مما توقعت ، واحتواها الجيش متمثلا فى السيسي كعادة المجلس العسكرى سابقا عندما احتوى ثورة 25 يناير وحاول إطفاءها حتى لا تتعدى الخطوط الأمريكية الحمراء .. والسؤال الذى ينبغى أن نتناقش حوله كل يوم ، بل كل ساعة ، ما هو الموقف الأمريكى الحقيقى من تلك الاحداث ، فبوصلتنا الأقرب والأوقع والتى تكلمت عنها فى مقال سابق  هى أن نقيس ذلك بناءا على الاتجاه الأمريكى .. وبتطبيق ذلك المعيار رأينا تصريحات متناقضة كثيرة وتخبط أمريكى ( إما مقصود أو غير مقصود ) فى إعلان موقف رسمى واضح حول تلك الأحداث ، ومما زاد الطين بلة هو الاستجداءات الاخوانية للمجتمع الدولى وأمريكا والسفارات الغربية من أجل تبنى شرعية مرسي والضغط على الجيش تعميقا للديمقراطية ولكن هل استجاب الأمريكى لتلك النداءات البعيدة عن جوهر الإسلام والفاقدة لأبسط مبادئ الوطنية خاصة وأن مظاهرات إسقاط مرسي بدأت تصعد فى لهجتها وتتطاول على السفيرة الأمريكية وأوباما والتواجد الأمريكى المهين فى مصر  ؟ أم أشاح الأمريكى بوجهه لنداءات الاخوان  مستقبلا تطمينات البرادعى وصلابة العسكرى أمام ارتفاع ثورية المتظاهرين ومطالبهم بشيء من الاطمئنان على مصالحهم فى مصر؟ خاصة أن الخلاف سيبدأ سريعا تلك المرة بين حركة تمرد وبين العسكرى بسبب إصرار الأولى وبشدة على فرض أسماء ثورية فى الوزارات وحتى لايفوت الفرصة على العسكرى لاحتواء تلك الانتفاضة من جديد مثلما تم مسبقا بعد ثورة يناير وعملا بمبدا " لايلدغ المؤمن .. "
وحتى نجيب عن السؤال الجوهرى " ماذا تريد أمريكا فى مصر ؟ " ينبغى أن نضع عديدا من المعايير والتى إن تم التأكد من صحة المعلومات على ضوئها فسوف نجيب على هذا السؤال ويتضح لنا بشكل شبه واضح فيم يفكر الأمريكى
المعيار الأول : إن قراءة مشهد التغيير فى مصر لايجب وأن يتم منفردا وغريبا عن مشاهد التغير السياسي فى دول مثل تركيا وقطر وفلسطين ، فالأولى قامت بها حركة احتجاجية قوية ركبها أحزاب علمانية يتهمها المحسوبين على النظام التركى بالعمالة للغرب ! والثانية هناك تكهنات تشير بأن الأمير القطرى الجديد لن يحمل سياسات متوائمة مع الاخوان المسلمين ، أما فلسطين فرأينا فيها وفى نفس الوقت إعادة لإحياء مباحثات السلام بين عباس ونتنياهو وبمعزل عن حركة حماس .. فهل نستطيع مع فرض صحة كل ماسبق أن نشير إلى أن أشهر العسل بين الأمريكى من جهة و قطر وتركيا والمكتب السياسي لحماس من جهة أخرى قد انتهت جميعها بعد أن استخلص منهم الأمريكى مايحتاج إليه ؛ فنجح فى احتواء ثورة مصر وتونس واليمن والخروج منها بأقل الخسائر كالمحافظة على التواجد الاقتصادى والسياسي الأمريكى وحفظ أمن إسرائيل ، وتكسير عظام الجيش السورى رغم فشله فى إسقاط آخر معاقل النظم القومية العربية ؟ وبالتالى مع فرضية صحة المقدمات السابقة يصير الأوان لعودة النظم القديمة والعميلة فى مرحلة ماقبل الثورات العربية قد آن وحل ولكن تلك المرة بإرادة شعبية وديمقراطية موجهة كتلك التى توجه الرأى العام الغربى لانتخاب من يريده أصحاب رءوس الأموال والقنوات الإعلامية؟ بالتالى يجرنا كل هذا إلى النزول لتحليل كون مايحدث فى مصر انقلابا عسكريا يعكس رغبة أمريكية فى إنهاء حكم الاخوان وسيطرة الحكم الإسلامى لعشرات من السنوات القادمة بما يضمن التخلص من صداع " عالقدس رايحين شهداء بالملايين " لفترة ليست بالقليلة .. وبتطبيق نفس المعيار إذا ماحدث العكس ، أى بافتراض أن التغيير السياسي بمصر لن يماثله تغيير فى تركيا وقطر وفلسطين فيستمر الدعم الأمريكى لأردوغان والأمير القطرى الجديد والتنسيق غير المباشر مع حركة حماس واستمرار المحاولات المستميتة لإدخالها طاولة المفاوضات فسيحدث حتما تضارب قوى للمصالح الأمريكية عندما يتخذ النظام المصرى الجديد موقفا عدائيا مع حركة حماس وقطر وصلبا مع تركيا أردوغان ، عندئذ ومع استمرار الدعم الأمريكى لخطة الشرق الأوسط الطائفى الجديد سيجد الأمريكى مقاومة عنيفة من دولة كبيرة مثل مصر تحاول حينئذ أن تجد لها مكانا بين أعضاء محور المقاومة لذلك المشروع الأمريكى الصهيونى
وعلى ضوء ذلك المعيار ينبغى أن نستطلع المشهد كاملا ومتناغما مع ما يحدث فى تلك الدول بانسيابية واتساق وتكامل أدوار دائما ما تتميز بها السياسة الأمريكية تجاه الدول المرتبطة بها فى منطقتنا
المعيار الثانى : وهو معيار لا يقل أهمية ولكن ينظر إليه من الداخل للخارج وليس بالعكس ، فميل السيسي إلى تعيين رئيس حكومة ضعيف وغير ثورى وتشكيل مجموعة لينة وطيعة من الوزراء تحت غطاء كلمة " التكنوقراط " سيكون معيارا مهما جدا لمخاطبة الأمريكى وتطمينه بأن أركان النظام المصرى المتمثلة فى قيادات الشرطة والجيش والإعلام والقضاء ورجال الأعمال وكوادر الدولة العميقة فى مصر لن تمس ، تلك التطمينات أرسلها مرسي للأمريكان من قبل واستمر عليها عاما كاملا  وظهرت فى صور عديدة كالتصالح مع بعض رموز رجال أعمال الوطنى وانقياده لأحكام القضاء الفاسد واستبقائه على كل أركان الدولة العميقة ، فإذا ما ظهر أن تلك هى سياسة العسكرى أيضا يتضح منها أن المباركات الأمريكية موجودة ، أما إذا ماظهر عكس ذلك فأصبحت قيادة الدولة فى يد الثوريين فسيكون مؤشرا مهما يعكس رغبة حقيقية فى التخلص من التبعية وإحداث تغيير حقيقى يوجه مسار الدولة ناحية الاستقلال الوطنى وينحاز فيها القرار السياسي والاقتصادى للمواطن الفقير لأول مرة منذ قيام ثورة يناير
المعيار الثالث : يتمثل فى رد فعل التيار الإسلامى ، ولا أعنى هنا القواعد الشعبية الإسلامية بقدر ما أعنى القيادات المتمثلة فى جماعة الاخوان والجبهة السلفية وغيرهم ، فمزيد من استجداء هؤلاء القادة للمجتمع الدولى والذى وبطبيعة الحال لايعنى سوى أمريكا والغرب ، سيؤكد أن هؤلاء القادة لم يتعلموا أبدا من سقطاتهم الأخلاقية والدينية والوطنية ، بل وقد يكون عاملا مرجحا إلى كون الولايات المتحدة ماتزال لديها بعض المراهنات على قوتهم والتوافقات مع قادتهم ، أما إذا تخلى هؤلاء عن مواقفهم وبدأوا يتعلمون الدرس الأخلاقى فتغيرت مواقفهم وأعلنوا ضمنيا ندمهم على تخاذلهم عن قضية الاستقلال الوطنى والتبعية لأمريكا عندما كان القرار فى أيديهم والسلطة فى متناولهم ، فقد يكون ذلك مؤشرا لاينبغى أن يقرأ وحده ، بل يضاف إلى المعيارين الأول والثانى بحيث تكون صورة المشهد كاملة ومتضحة
لكن أحب أن أشير هنا إلى نقطة ترجح عندى بشكل ظنى استبعاد سيناريو أن يستوعب قادة التيار الإسلامى هذا الدرس الأخلاقى الدرس القاسي وهو أن القواعد الشعبية الإسلامية والتى كمثيلتها فى التحرير ، كلاهما يرفع شعارات ضد أمريكا والصهاينة ، يكمن الفارق بينهما فى أن قواعد التيار الإسلامى رغم اعترافنا بأنهم أكثر إخلاصا وأخلاقا بل ووعيا من قياداتهم إلا أن صوتهم ضعيف ولا يمثلون قوة مؤثرة تضغط على قادتهم وشيوخهم من أجل التغيير الحقيقى والتخلص من آفة الاستقواء بالأمريكى وأمراض الطائفية والتكفير والإقصاء ، ما لم تحدث مفاجآت أتمناها من كل قلبى ..
 أما القواعد الشعبية للثوار والمتظاهرين بالتحرير وغيرها فهم قد يمثلون عاملا كبيرا للضغط بشرط أن يحسن الثوار الاستفادة من ذلك وهو ما أتشكك فيه أيضا حاليا ، فصوت إعلام الفلول وبندقيات العسكر وطموحات أمن الدولة القديم فى العودة ورغبة رجل الشارع المصرى فى الاستقرار ستكون أقوى وأعلى من صوت الثوار فى تلك المرحلة ، مالم تحدث مفاجآت أتمناها أيضا من كل قلبى ..
ومع اكتمال تلك المعايير الثلاثة السابقة والنظر إلى مجريات الأحداث المتغيرة كل ساعة أرى أن تثبيت تلك المعايير كثوابت حاكمة قد تجيب فى القريب العاجل عن السؤال الأهم وهو " كيف نقرأ ما فى ذهن الأميركى ؟ " ورغم ارتباط ذلك السؤال بشكل وثيق بالإجابة عن سؤال أكثر أهمية وهو " ماذا سنفعل وماينبغى علينا القيام به ؟ " إلا أننى مضطر وبشكل نتائجى عملى لايعنى بالأسباب الظاهرة المباشرة بقدر ما هو يقدم حلولا ،أن أقدم حلا  يبدأ من القواعد الشبابية الشعبية من الطرفين وذلك عبر الآتى
1-   خلق قنوات للحوار بعيدا عن خطايا الكبار والقادة من الطرفين
2-   نبذ الخلافات جانبا وتبادل الاتهامات بأن الاخوان هم سبب النكسة أو أن حركة 30 يونيو هى السبب فى كل مايحدث من فوضى وقتل وانتهاكات
3-   التغاضى عن اتهام كل طرف بعمالته لأمريكا والاتفاق على أن قادة كل طرف أخطأوا فى تقديم التنازلات والمساومات لأمريكا أو فى عقد الصفقات المشبوهة والطرق الملتوية للاستجداء وأخفقوا عندما ابتعدوا عن التطبيق المباشر لأهداف الثورة وغضوا طرفهم عن احتياجات المواطن البسيط
4-   إحياء قيم ثورة يناير وتقديم تفسيرات واضحة لشعاراتها المتمثلة فى العدالة الاجتماعية والعيش والكرامة والحرية  
وإلحاق الاستقلال الوطنى والتخلص من تبعية أمريكا كمقياس أصيل وحاكم على كل تلك المعايير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق