الجمعة، 12 مايو 2017

الحرية والفضيلة


الحاجات الإنسانية في رأيي تنقسم إلى حاجات حيوية وهي الاحتياجات و المطالب التي يشترك فيها الإنسان مع غيره من الأحياء، كالحاجة للمأكل والمسكن " أو الأمان" والاحتياج الجنسي والاجتماعي.
ولكن هناك مطالب واحتياجات "عليا" تخص الإنسان وحده دون ماهو معلوم من الكائنات الحية، وهي الحاجات التي يطلبها "عقل الإنسان وروحه" ومنها معرفة الحقائق العليا عن لماذا وجد ومن أوجده وماغاية وجوده ورتبته، إلى جانب الحاجة لاكتساب السمات الأخلاقية والسلوكية الإنسانية المتجاوزة لسلوكيات الحيوانات.
لماذا هذه المقدمة؟
لأن الأفكار المتحررة قصرت السعادة الإنسانية فقط في الشعور بالحرية، واختزلت دور الدول في خدمة هذا الجانب لدى الإنسان، متغافلة عن جوانب أخرى لاتقل أهمية، بل تزيد.. كمجتمع الفضيلة والعلم والمعرفة.
هكذا كان الفارق بين فلاسفة كابن رشد والفارابي، وبين مفكرين متحررين.. فالمجتمع الحر ليس نهاية المطاف عند الفلاسفة والحكماء، بل إن الحرية عندما ينالها الإنسان لايكتفي بها كغاية، بل يكتسب من خلالها عقله المستقل بحيث يبحث عن الحقيقة والمعرفة والقيمة بعد أن ينال حريته في البحث والتأمل بلا قيود خارجية، ومن ثم لامفر بعد ذلك من أن يتقيد الإنسان بقيود حقيقية للحقيقة والقيم والسلوك الاخلاقي الإنساني حينذاك، لابقيود الخرافة والعادات غير العقلانية وبهذا يتشكل مجتمع الفضيلة الذي اعتبره الفلاسفة المرحلة العليا والنهائية بعد "مجتمع الحرية".
لذلك فالتوقف عن تشكيل المجتمع الحر والركون له كما حصل في عديد من المجتمعات الحالية يتسبب أيضا في ضرر بالأفراد، خاصة الذين يبحثون عن المعنى والغاية من وجودهم وحياتهم ولايرضون فقط بان تكون الحرية هي الهدف الأسمى من إيجادهم على الأرض.. ثمة غاية أسمى وأعلى وهدف إنساني أرقى من الحرية.. بحيث يحول التحرر من غاية إلى وسيلة..
ولكن هل ذاق الإنسان مدينة الفضيلة مثلما تمتع بالعيش في مجتمع الحريات؟ وكيف السبيل إلى إقامة مثل هذا المجتمع بلا استبداد أو متاجرة بالفضيلة والقيم كما كان في العصور الوسطى؟

للإجابة حديث آخر لاحق...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق