الجمعة، 12 مايو 2017

آيات العذاب أم كوارث طبيعية؟


بعض الناس- من حقي أوصفهم بالسطحية- بيقولولك إما تعتبر الكوارث الطبيعية "غضب ربنا" أو تعتبرها "نتاج للقوانين العلمية والطبيعية" وبيعتبروا بالشكل دا إن فيه تعارض بين النظرة الدينية والعلمية للكوارث والأوبئة وغيرها...
بمعنى تاني بيفصلوا بين إن الكوارث الطبيعية أحيانا ربنا بيعتبرها "عذاب" بيرسله للمفسدين، في حين العلوم الطبيعية تعتبر كتير من الكوارث ليها أسباب أخرى غير كونها عذاب..
الحقيقة إن فلاسفة المسلمين قديما قدموا رؤية محترمة وعقلانية  للتوفيق بين العلم والقدرة والحكمة الإلهية وبين القوانين الطبيعية، هي رؤى العقلانيين "كابن رشد ومحمد عبده والمعتزلة وبعض مجددي الأشعرية"
خلاصة الرؤية دي إن الظواهر والكوارث الطبيعية ليها أسباب "طبيعية" ولكن يتدخل فيها العنصر البشري خاصة لما يتداخل الفعل البشري مع الطبيعي، زي زيادة معدلات الزلازل في بعض المناطق نتيجة للتجارب النووية، وزي المشاكل البيئية الناتجة عن صيد الأسماك بالديناميت والنفايات اللي بنضطر لحرقها..
وزي الشعوب الراضية بفساد حكامها... طيب إزاي دا؟
لما الطبقة الحاكمة تفسد، والشعوب ترضى وتستكين بيتحول الحق باطل والظلم إلى عدل، دا بيولد في الشعوب لامبالاة أخلاقية وقيمية فتنهار القيم وتزداد حالات الغش والسرقات والتزوير وغير ذلك، ودا بيؤدي إلى إننا ممكن ناكل لحم حمير ونروي الأرض من مياه المجاري ونزود الفورمالين في الجبن ونحقن الدواجن بالمية عشان يزيد وزنها وكل دا بيتم بشكل يبدو وكأنه منهجي ومنظم، ودا ليه تداعيات على صحتنا العامة وعلى تلوث المكان وزيادة نسبة الأوبئة والأمراض وتغير لون النيل والسما والسحاب زي مابنشوف..
وكل الأسباب دي العلم بيؤيدها جدا لدرجة إنه بيربط "المرض" بعاملي الجهل والفقر، والعاملين دول مرتبطين جدا بالطبقات الحاكمة وتأثيرها على زيادة الفقر والبطالة، وعلى شيوع الجهل اللي بيؤدي إلى انعدام الضمير والمسؤولية.
عشان كدا مينفعش نفصل العامل البشري "زي فساد الحاكم والمحكوم" عن الكوارث والأوبئة اللي بتصيبنا، ودا اللي أشار إليه القرآن في آية شديدة الوضوح "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"
لكن أحيانا المولى تبارك وتعالى بيتكلم عن الكارثة الطبيعية باعتبارها وسيلة بيرسلها للناس:  إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى يَوْمِ نَحْس مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْل مُّنقَعِر (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ (سورة القمر).
هل دا يتعارض مع إن فساد الناس كان سبب في إرسال الريح الصرصرا "اللي محدش عارف هي عبارة عن ايه.."؟
لا طبعا، لكن القرآن اتكلم عن الآية من زاوية تانية، إن الكوارث الطبيعية دي هي من جملة "أفعال الله" لأن الطبيعة دي هي اللي خالقها، وحتى لو فسادنا استدعى الكارثة وكان سبب فيها، فالكارثة الطبيعية لن تخرج عن كونها فعل من أفعال الله يقع تحت قدرته جل شأنه، وبالتالي كان من الطبيعي برضه إن ربنا يقول عن نفسه فيما معناه "احنا اللي بنعذبكم" وفي موضع تاني يقول فيما معناه "أفعالكم اللي بتستدعي الكوارث الطبيعية".. تعالى كدا نربط الجملتين ببعض هنلاقي الكلام معناه: أيها الإنسان، أفعالك بتخليك تستدعي الكوارث الطبيعية، انت كدا بتعذب نفسك، وبتخلينا نرسل لك الكوارث دي ونعذبك، أفعالك السيئة أيها الإنسان بتخلينا نعذبك..
ياريت بعد ما فهمنا ان مفيش انفصال بين إن الإنسان سبب من أسباب تعرضه للمصائب والكوارث، وإن هذه المصائب يرسلها الله تعالى "لأن الكون كله تحت قدرته وحاكميته" ياريت نتأمل في فهم الآية دي: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) (الأعراف)
أكيد أفعال الناس وقتها وظلمهم وفسادهم وتلويثهم لضمايرهم والبيئة حواليهم، استدعى الجراد والقمل والضفادع، بشكل ليه أسباب علمية ومنطقية، ودا اللي قاله ابن عباس في تفسير الآية، راجع معايا كلامه اللي رواه ابن كثير: قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَان " اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَعَنْ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة كَثْرَة الْأَمْطَار الْمُغْرِقَة الْمُتْلِفَة لِلزُّرُوعِ وَالثِّمَار وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم وَعَنْ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى هُوَ كَثْرَة الْمَوْت وَكَذَا قَالَ عَطَاء وَقَالَ مُجَاهِد الطُّوفَان الْمَاء وَالطَّاعُون عَلَى كُلّ حَال 
تعالى بقى لواقعنا الحالي، لو فرضنا- ودا محال- إن الوحي مازال ينزل فمن الطبيعي لما يحصل لنا كوارث زي السيول والأمراض والأوبئة إنه يعبر عن دا بنفس الطريقتين
1-    ظهرت الأوبئة بسبب فساد الناس: ودا كلام يؤيده العلم
2-    ربنا أرسل الأوبئة ومظاهر الفساد ليعاقب الظالمين، ودا كلام يؤيده العقل اللي اعترف بإن للإله الحاكمية والقدرة وإن القوانين الطبيعية هى نتاج أفعاله تعالى..
3-    وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون: ودي النتيجة المترتبة على إيمانك بالنقطة الأولى والتانية
بكدا يبقى اللي بيقول إن السيول والأوبئة دي غضب ربنا نقول له مظبوط، واللي يقول إنها كوارث ليها قوانين طبيعية نقول له مظبوط ونزود عليه إن الكوارث الطبيعية من جملة أسبابها إفساد الإنسان لنفسه وللطبيعة، أما الشخص اللي هيكون فاهم إن فيه تعارض بين أفعال الإله والأسباب الطبيعية اللي من ضمنها ظلم الناس، فهنقول له كلامك غير منطقي يتعارض مع العقل، وكمان مع آيات القرآن اللي مفيش أوضح منها في هذا السياق.
أقول لك المفاجأة الأولى بقى: اقرأ الآية دي للآخر: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) (سورة الروم) يعني ربط في نفس الآية بين إن الفساد بسبب الناس، وكمان من ضمن أفعال الله ودا بان في قوله "ليذيقهم بعض الذي عملوا"
طيب والمفاجأة التانية؟

هي تفسير الإمام محمد عبده للطير الأبابيل اللي ربنا أرسلهم لإبادة جيش أبرهة كما في سورة الفيل، والكلام بنصه هكذا:  "فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات، فإذا اتصل بجسد دخل في مسامه فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقُطِ لحمه، وإن كثيرًا من هذه الطيور الضعيفة يُعَدُّ من أعظم جنود الله في إهلاك مَن يريد إهلاكه من البشر، وإن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالميكروب لا يخرج عنها، وهو فِرقٌ وجماعات لا يُحصِي عددَها إلا بارِئُها، ولا يتوقف ظهور أثر قدرة الله في قهر الطاغين على أن يكون الطير في ضخامة رءوس الجبال، فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت أرسل اللهُ عليه من الطير ما يوصل إليه مادة الجدري أو الحصبة، فأهلكته وأهلكت قومه قبل أن يدخل مكة"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق