الجمعة، 12 مايو 2017

التسليم للإله


من أكتر القضايا التي في صميم استنتاج العقل الإنساني قضية "التسليم لله"
فمن العقلانية انصياع الجاهل لمن هو أعلم منه، وتسليم العاجز بقدرة من هو أقدر منه ولكن بشرط أن يتمكن العقل من تعيين العالم والقادر والخالق الحقيقي (وهو الإله الحكيم جل شأنه)
ومن العقل التمييز بين الإله الحقيقي والنماذج الأخرى لآلهة من صنع الخوف والعادة والتقليد، ونماذج لآلهة وهمية تدعم السلطة الغاشمة وآلهة مادية لها وجه ويد وعين وأذن وتسمع وترى كما المخلوقين على شاكلة الأساطير اليونانية القديمة..
ولكن ماذا بعد تنقيح الفكر من الشوائب والخرافات وصولا إلى الإله الحقيقي الواجب الوجود واللامتناه الذي "ليس كمثله شيء"؟
هل نكتفي بأننا فقط عرفناه ومن ثم نعود إلى حياتنا التي رسمناها بمعزل عن وجوده؟ هل نركن إلى البحث عن السعادة والرضا وغاية الوجود ودورنا الاجتماعي والإنساني بمفردنا بطريقة التجربة والخطأ؟ بحيث يموت منا الملايين كما حصل في الحروب العالمية من أجل تجارب أيدولوجية ضعيفة الرؤية نجربها فينا فيموت معظمناا ثمنا لها دونما حتى الوصول إلى نتيجة مرضية.. ثم نسأل بعدها أين الله من موت هؤلاء؟ لماذا لايتدخل بيديه فيرسل ملائكة تحول دون الخراب والدمار؟
لقد وضع لنا الإله دينا ووصايا، إن وعيناها وفهمناها سنصل من خلالها لبر الأمان، لم يتركنا هكذا نجرب قوانينا وأفكارا بهذا الشكل العبثي، فلايوجد ضمان لأن يصل الإنسان للوعي الكامل بالتجربة والخطأ عبر التفكير الجدلي كما يقول هيجل أو قانون طبيعي يضمن أن يختار الإنسان الأنسب كما يظن جون لوك
فقط أعطانا الإله فيضا من نوره وهو "العقل الإنساني السليم" بحيث نصل إليه عبره ونفهم مقاصد دينه من خلاله، لا أن ننحي العقل جانبا فنفهم شرائع الإله بمنظور زماني وعرفي ضيق كما فهم النصيون والمقلدون وعبيد الظاهر والدواعش الآن... ولكن في نفس الوقت فهذا العقل نفسه هو من يؤكد أنه لاسعادة بدون تسليم لله بالعبودية والخضوع، لأننا عبيده حقا، ولاوجود حقيقي لذواتنا من تلقاء أنفسنا، إنما وجودنا مرتبط بوجوده الأزلي الذاتي له تبارك وتعالى... 
فقط نحتاج إلى مزيد من الفهم والتسليم ومعرفة أن عقولنا مهما وصلت إلى تعيين غاية وجودها والكشف عن وجود خالقنا، لن تدرك بمفردها باقي الحقائق إلا من خلال الإذعان لما يقدمه الله لنا من قوانين وعبادات وتكليفات فردية واجتماعية لايمكن عند فهمها أن تتناقض مع العقل لأن (الحق لايضاد الحق) كما قال ابن رشد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق