الأحد، 22 يونيو 2014

داعش؛ يوم لاينفع السكوت

منشور بالبديل الورقى عدد22 بتاريخ 18-6-2014



كان الكثير من الإسلاميين ينظرون إلى أسامة بن لادن باعتباره رجلا خدم الإسلام كثيرا رغم بعض أخطائه فى مجال الاجتهاد السياسي والإجراءات ! حقا فالرؤية واحدة والمنهج المعرفى لفهم الدين وماورد فى الكتاب يصل بينهما إلى المطابقة؛ ففهم الدين ومقاصد النصوص الواردة من القرآن والسنة ليس عبر أفهام واعية تتخذ العقل سبيلا للمعرفة؛ بل عبر تقليد أعمى لعلماء سالفين قد لانختلف على أخلاقهم بقدر مانختلف على ماحوته أذهانهم من فهم ..كان المفترض أن نقتدى بحسن سيرتهم من دون أن نطلق لهم العصمة من الخطأ فى فهم الدين ككل.
كان العدو الأول للمسلمين فى بداية الدعوة هم طائفة المشركين ثم أباطرة الفرس والروم فيما بعد؛ وهم المستعمرون الذين فرضوا فلسفة حق القوة كأمر واقع جاء الإسلام ليلغيه ويحل محله فلسفة الحق فى ذاته وفى النهاية من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،ولكن عندما قامت تحالفات تحمل اسم الإسلام – زورا- تحت راية خلافة أموية تارة وعباسية تارة أخرى؛ اشتدت الصراعات المذهبية والفكرية إلى درجة اعتبر فيها بعض علماء السلف أن الروافض هم أشد خطرا من اليهود والنصارى ! هكذا بلا نص فى كتاب أو سنة أو استناد إلى رأى صحابى مثلما جرت عادتهم فى اتخاذ الأحكام الفقهية والعقائدية وأيضا المواقف السياسية؛ وذلك فى تكريس لرؤية مختلفة توجه النظر إلى عدو آخر ..
ومع مجييء محمد بن عبد الوهاب ومن قبله ابن تيمية؛ توسعت دائرة الإقصاء والتكفير لتنال جميع المتصوفة ممن يتمسحون بالقبور؛ فوضعوا – بجانب الشيعة- عدوا آخر من المسلمين هم المتصوفة؛ إضافة إلى المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من باقى فرق المسلمين والذين تفاوتت نظرات هؤلاء العلماء لهم مابين التكفير أو التفسيق والبراء منهم ومن بدعهم وضلالتهم.
أقول ذلك معتبرا أن سلوكيات داعش ونظرتها للدين والمجتمع ولمخالفيها لم تأت من فراغ؛ بل من فتاوى وآراء لفقهاء ومحدثين مازالت كتبهم التكفيرية تحقق المبيعات الأعلى داخل أسواقنا! وفقهاء التكفير والأحادية ومحدثوهم مازال بعضهم يحمل لقب " شيخ الإسلام " و " مجدد الدين " .. ممن أفرزوا تلامذة نجباء بحجم ابن عبد الوهاب والظواهرى وأخيرا داعش وأفكارها؛ بل وبحجم من يختلفون مع الظواهرى فى مسلكه ويترحمون فى الوقت ذاته على " شهداء القاعدة " ويؤيدون داعش فيما تفعل ..
إن حجم الكارثة وهول المفاجأة لايكمن فى  داعش وحدها فقط؛ بل فى ثقافة وفكر من ينظرون إلى داعش وأمثالها بأنهم " مسلمون " ولكن " زودوها حبتين " وما أكثرهم فى مجتمعنا العربى والإسلامى، وقبل أن تعلوا ألسن العديد من الشيوخ والعلماء بالتبرؤ من أفعال داعش وممارساتها الوحشية؛ هل يجرؤ أحد من هؤلاء الشيوخ أن يتبرأ من منهجية داعش فى التفكير والتكفير ومصدرية استقائهم لممارساتهم نفسها؟ وهى نفس الأرضية والمنبع الذى يستقى هؤلاء الشيوخ أنفسهم فتاواهم وآراءهم .. نفس القلة القليلة من علماء سلف بعينهم " دون غيرهم " ونفس مصادر الكتب التى يستمد منها أتباع داعش فتاويهم التكفيرية؛ يستند إليها هؤلاء الشيوخ فى الفتاوى والآراء فى شتى قضايا الفرد والمجتمع !
حقا وقبل أن ترتفع الأصوات بضرورة التصدى لحركات مثل داعش؛ نحتاج إلى زلزلة فكرية وثورة ترتكز على الإنصاف وإعمال العقل والضميرنتصدى خلالها لتنقيح تلك الكتب السلفية " المقدسة " من هرائها الإقصائى وتناولها التكفيرى لباقى المذاهب والفرق الإسلامية؛ بل ونظرتها للدين والمجتمع وباقى الأديان بوجه عام .. نحتاج لوقفة جادة لكى نفهم حقيقة تاريخنا الإسلامى جيدا حتى نجيب على تلك الأسئلة التى للأسف لم يتوقف عندها الكثيرون:-
من الذى كتب تاريخنا الإسلامى بالشكل الذى يدعى فيه المؤرخون أن حكم بنى أمية كان عادلا والثورات التى قامت ضده كانت باغية وتشق عصا الطاعة للخليفة؟ من المستفيد من إبراز تلك النظرة السطحية الجاهلة المبررة والمؤيدة لقتل الفكر الفلسفى الإسلامى ووأد ثوراتنا التصحيحية  " كثورة الحسين وغيلان الدمشقى وزيد وانتفاضة الزنج  " ؟
من الذى اعتبر أن الأئمة الأربعة هم أعلم الفقهاء على وجه الأرض دون غيرهم من الأئمة كابن جرير والليث بن سعد؟ هل المعيار بالأعلمية أم بكثرة الأتباع أم بفرمانات السلاطين؟
ولماذا الخليفة المتوكل هو ناصر السنة وأحد الخلفاء الراشدين عند البعض؛ هل لإقصائه المتكلمين والعقلاء وأهل الاعتزال ؟ ولماذا كان المأمون شيطانا يمشي على الأرض؟ هل لكونه معتزليا أم هناك أسباب أخرى دون الحكم على تصرفات الناس بما يعتنقونه من مذهب أو اتجاه؟ ما طبيعة العلاقة السياسية بين الخلفاء والسلاطين وبين محدثين وشيوخ وفقهاء بعينهم استقروا على حرمة الخروج على الظالم وأوجبوا الاعتراف بإمامة الحاكم المتغلب بالقوة ؟! ومن المستفيد من اختزال معنى التوحيد فقط فى " تسوية القبور وهدم مظاهر التوسل بالأولياء " إلى حد اعتبار كل من يخالف ذلك مشركا خارجا عن الملة والدين ولايجوز الصلاة عليه أو دفنه فى قبور المسلمين.
هذه الأسئلة وغيرها من " ثقوب سوداء " ومناطق محرم الخوض فيها فى تاريخنا الإسلامى قد يترتب على إجاباتها المنصفة وضع النقاط على الحروف فى كثير من القضايا التى لاتتعلق بالوقوف على أرضية صلبة تمثل المنهجية الحقيقية للدين الإسلامى فحسب؛ بل وتكشف النقاب على مدى الزيف التاريخى والسياسي؛ بل والفقهى أيضا الذى قد نفاجئ أننا عشنا تحت رحابه لقرون عديدة من الزمان ظانين أن مانتلحف به هو الإسلام الذى جاء به القرآن على لسان نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأن هؤلاء العلماء هم أجل ما أنجبت أمتنا الإسلامية من علم وفهم ودراية ! فإن كنتم تريدون حقا الإجابة عن سؤال " لماذا ظهرت داعش ؟ وماعوامل انتشارها وقوتها الحالية؟ " أجيبوا من فضلكم على تلك الأسئلة حتى تتبينوا بعمق لماذا ظهرت داعش ولماذا ستظهر غيرها دوما ودوما طالما مازلنا نؤثر الصمت على ماضينا ونقاط ضعفنا التاريخية والمعيارية ونغطى عيوبنا بستار السكوت؛ يوم لا ينفع السكوت !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق