السبت، 7 يونيو 2014

الرقص مع الذئاب !

منشور بالبديل عدد20 بتاريخ 4-6-2014



فى هذا الفيلم الأمريكى الحائز على الأوسكار فى منتصف التسعينيات؛ كان البطل مضطرا أن يرافق ذئبا يؤنس وحشته فى مهمته التجسسية التى تستلزم بقاءه وحيدا حينذاك .. لكن هل اضطررنا الآن إلى الرقص مع الذئاب طواعية؟
الرقص على صناديق انتخابات وهمية .. الرقص على إنجازات لم تتعد قوى الخيال لتقفز على سطح الواقع .. الرقص على أمن لم يتحقق وطمأنينة لم تهدئ روع الناس عندما باتوا يخافون من صوت المفرقعات والألعاب النارية!!
مالذى جعل الكثيرين يفضلون " الرقص مع الذئاب " ؟ هل الحاجة للأمن؟ .. التعطش للمركزية الغائبة؟ الخوف من صراعات عنيفة مع الدولة فى حال استمرار نظام الاخوان السابق؟ أم هل يسهل انقيادنا للوسائل الإعلامية بهذه الدرجة من السهولة؟
أولا .. لماذا " الرقص " ؟
كان المصطلح فى السابق مجازيا، عندما يقال لشخص من شدة فرحته إنه " يرقص من الفرحة " لكن الحالة باتت حقيقية ! لقد رقصوا من شدة الاشتياق وهول الفرحة ! وهذه الحالة لايمكن أن تصدر إلا من إنسان عانى الحرمان الشديد والظمأ المهين، ثم تم إعطاؤه جرعة عالية مما حرم منه بشكل سريع ومفاجئ فكان رد الفعل هستيريا هكذا ..
نعم لقد عانى كثيرون من غياب الأمن والطمأنينة وفقد عديدهم لقمة عيشه إلى حد شعروا معه بغربتهم فى أوطانهم فى ظل حكومات لاتشعر حقا بما يقاسونه، وتهديدات إعلامية " حقيقية فى القليل منها وتهويلية فى غالبيتها " تحذر من فوضى أكثر إيلاما وتفكك أشد وطأة، ومع تزايد الخوف ظهرت لغة الطمأنينة الفجائية التى حملت مشعل التخلص من " نظام الاخوان المرعب والمخيف !" لتعيد للناس أحلامهم فى عودة الأمن والحياة مثلما كانت فى عصر " مبارك " ! لاتستغرب فالناس وصل بهم الحال إلى الحلم بعودة مبارك دون أن تنطقها ألسنتهم للأسف ..
هل كانت خطة شيطانية مدبرة بعيد ثورة يناير بتغييب الأمن وإشاعة الفوضى وجو الخوف فى مختلف وسائل الإعلام وشارك فيها مختلف مؤسسات النظام ؟ .. هذا عامل طبيعى ومنطقى ..
أم أنها فوضى طبيعية نتيجة لغياب " حاكمية " المشروع الثورى وترك الثوار مصائر البلاد فى يد أصحاب الحلول الخالية من الدسم الثورى وروح العدالة ؟ .. هذا عامل آخر لايقل أهمية ..
نعود إلى المحصلة ومشهد " النهاية " الراقص .. الذى لاينظر إليه فقط من زاوية " هيستيريا رد الفعل "؛ بل من زاوية طبيعة الفعل نفسه، أى حركة الجسد وتمايله بشكل كان يثير استهجان غالبية المصريين فى الثمانينيات وبدايات التسعينيات؛ وقتما كان الكبار يتأذون من مظاهر الرقص فى الأفلام والمسرحيات ويستغربون من موضة كليبات الأغانى التى تستخدم الراقصات " شبه العاريات " حول المطرب ! نفس هؤلاء الناس بات الأمر ينحو معهم نحو العادة؛ فصار الاستهجان لمطربات " يرقصن بأنفسهن " مع الرضا بما كانوا يستهجنونه من قبل وهكذا.. حتى صار  الاستهجان لا فى الزنا والخيانات الزوجية، بل بزنا المحارم ! لابقتل الناس والبلطجة ، بل بقتل الأبناء أمهاتهم وتخلص الآباء والأمهات من أبنائهم أو دفع الأم ابنتها لممارسة الرذيلة أمام عينيها !
فمجتمع ينخفض سقف الخطوط الحمراء الأخلاقية فيه تدريجيا لدى العديد من أفراده، لاتتفاجئ بلامبالاته تجاه " ظاهرة " رقص أفراده المستمرة والدائمية .. هذا عن ثقافة الرقص التى تعبر فى رأيي عن " ظمأ للطمأنينة " و " انحدار أخلاقى متدرج أصابنا دون أن نشعر " ..
ثانيا .. لماذا " مع الذئاب " تحديدا؟
وهل وجد هؤلاء حملا وديعا عادلا ليتمايلوا على إنجازاته ونجاحاته؟ هل وجدوا سوى أناسا نهوهم عن الرقص ودعوهم إلى العبادات والمعاملات وهم فى نفس الوقت يتراقصون أمام البيت الأبيض لينالوا منه الرضا والسماح – مثلما كان أسلافهم - ؟ ويتمايلون أمام الصهيونى كى لاينظر إليهم بعين الغضب والسخط؟ ويصفقون لرقص أبواق نظام مبارك ودعائم مؤسساته؛ لعل تصفيقهم لهم يحول بوصلة الراقصين إلى دعمهم والتمايل على أنغامهم هم دون سواهم !!
فى رأيي أن الحالة الآن ليست رقصا لأناس يتوقعون من الذئاب العدالة والشفافية، وينتظرون منهم تقديم الأمن والاستقرار دون مقابل .. بل هى حالة من التملق والاستجداء للذئب لكى يقدم الأمان فى مقابل تنازل الراقصين عن " حريتهم "، والطمأنينة فى مقابل " الكرامة " ، فللأسف يعلم الراقص جيدا أن الذئب ليس حملا حتى وإن خاطبه كما يخاطب الحملان ..
وفى النهاية لقد رقص الكثير مع الذئاب فى عصر خلا من العقلاء، و فى حال لن يستمر طويلا، فلا الراقص سيسعفه جسد أعياه الفقر والمرض على الاستمرار، ولا الذئب سيتحمل كثرة الشكاوى والطلبات، ولا الجهلاء سيتحملون بقاءهم هكذا دون علم وتعقل ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق