الاثنين، 2 يونيو 2014

حول بشاعة " الأضحية " .. وظلم نظام الكون وأشياء أخرى !!




" ذبح الأضاحى حالة من حالات الاعتداء على حق الحيوان فى الحياة " .. هذه الجملة قد يتفوه بها غير المسلم ممن يعانى الغربة من المنهج الإسلامى والنفور سواء من الاعتقاد بالإله الواحد أو التشهد بنبوة رسولنا ص ، فمن يجد فى نفسه جزعا من الاعتراف بتلك الحقائق لن تجد منه التسليم المرجو بعدالة الذبح والأضاحى عند الإسلام .. ولكن عندما تتمادى لهجة الاشمئزاز لتصل إلى شريحة من المسلمين أنفسهم فهاهنا وقفة مع ثوابتنا ينبغى أن نفكر فيها جيدا ونحيل الأمر برمته إلى ماهو أبعد منه وأعمق ، فالاعتراض على استحباب الأضاحى وفيه النص الوارد بالتصريح فى الآيات المحكمات بالقرآن ومتواترات السنة النبوية يخفى بين طياته اعتراضا على حكم شرعى قطعى الصدور والدلالة ، أى نعلم يقينا بأن الله استحسنه ورسولنا أقر بذلك فما المشكلة إذن؟
إنها مشكلة – كما قلنا – أعم وأعمق وتتمركز حول مدى إيمان بعض المسلمين بعدالة النظام الذى نحيا داخله .. لا أقصد نظام مبارك أوالنظام الدولى الحالى الذى يحرم غالبية سكان العالم من التمتع بموفور الثروات الطبيعية والزائدة عن حاجات مليارات البشر !!  فهذه الأنظمة من صنع أيدينا نحن ونحن مسئولون عن رفضها والتخلص منها بقدر مسئوليتنا من الاعتراف بها وتمكينها ، ولكنى أقصد نظاما آخر .. إنه طبيعة الموجودات والسنن والقوانين التى تحكم علاقاتهم ببعض والتى لاشأن لنا بتواجدها .. من يستوقفه بشاعة الأضحية يستوقفه أسئلة تتعلق بــ .. لماذا الأقوى يفترس الضعيف هكذا ولماذا يرضى الإله بوحشية ذلك النظام الآكل بعضه بعضا ؟ ولماذا الزلازل والبراكين ولماذا يتركنا الإله كذلك طالما هو عادل ورحيم ويحب لنا الخير؟
هل نعيش فى النظام الأمثل؟
ماذا لو كان كل حيوان لا يأكل حيوانا ؟ أو كان الكل نباتيين ؟ لن يقتات أحد فيحصل على وقوده اللازم للاستمرار ولانتهت الحياة بأكملها فى غمض البصر
ماذا لو كنا لا نأكل؟ سنموت .. وماذا لو كنا لا نأكل بحيث لانموت فنعيش دوما؟ سيضيق علينا المكان .. وماذا لو كان المكان أكثر رحبا ويتسع باتساعنا ؟ وماذا سيكون سبب اتساعه سوى أنه ينمو بالتغذية أو الطاقة والتى سوف يستمدها من كيان او مخلوق آخر .. السؤال المحورى حتى نتجنب الافتراضات التى تدور بنا فى دائرة لانهاية لنا هو "كيف تؤسس نظاما يقوم على التوازن البيئى ولايعيش فيه كل كائن على الآخر فيتغذى الحيوان من النبات والنبات من التربة ويعيش آخر على الفضلات وآخر على أكل القمل المتواجد بجسد حيوان ثالت وأسد يقتات من لحم غزال يصيده وإنسان يقتات من النبات ويعيش من لحوم وألبان بعض الحيوانات ؟؟ "
 هل تتصور ذلك بعقلك؟ وإن تصورت ذلك فهل سيكون عالمك الخاص هذا خال من العيوب ؟؟ إن الأمر أشبه بشخص يعلم جيدا وظيفة بطارية السيارة وسعتها دون أن يفهم طبيعة عمل السيارة ككل ، بالتالى فسيحاول أن يوسع سعة البطارية ويجعلها أقوى من السابق بكثير ويدعى أنه يمكن أن يخترع بذلك سيارة بقوة بطارية لامحدودة ويفاجئ عند التشغيل بعيوب قاتلة فى العربة نفسها بما لايمكنها من الدوران حتى اعتمادا على تطوير بطاريتها فقط .. إنه لم يفهم أن السيارة كيان مكتمل وتطور كل جزء من أجزائه معتمد على الآخر، والتقدم والتأخر فى كل جزء يخدم سير السيارة ككل وهذا هو المطلوب .. ببساطة فالجزء لايحيط بالكل ، وضيـًق الأفق لايمكنه أن يحكم على نظام كامل لايعرف عنه سوى عالمه الخاص به وبمن يحيطه .. وياليته يعلم عالمه نفسه من الأساس !!
إن التوازن الموجود فى ذلك النظام يضمن استمراريته بل وربما تطور عديد من الكائنات فى شكلها وهيئتها لتتكيف مع تغيرات هذا النظام هو ماينم عن مرونة النظام نفسه وسعته .. الإجابة وببساطة شديدة : طالما أن مجال علم الإنسان بالكون وكائناته مازال محدودا " باعتراف الجميع " فإن تفسيره للتوازن البيئى وتمرده على عدالة القانون العام للطبيعة ساعتها لن يعتد به لأنه سيكون صادرا عن عقلية ضيقة لاترى من الكون سوء بقعة صغيرة وأيضا لاتحيط علما بتفاصيل العلاقة بين كل ذرات تلك البقعة !! فأى حماقة تلك أن أصدر حكما عاما برفضى للقانون واعتبار صانعه ظالما من مجرد اطلاعى على أول ورقة فى أوراق القضية والتى لم أحط علما بتفاصيلها كاملة !!
ما أستطيع أن أقوله أن هذا الكون منظم وبديع وقائم على التوازم ودليله هو استمرارنا وتكيف جميع أفراد المنظومة مع حتى مايشذ عنها من فيروسات جديدة يتم تخليقها وميكروبات وتلوث كيميائى وإشعاعى مازالنا نعانى من ويلاته ورغم ذلك فالكون مستمر بل ويتكيف مع أوضاع جديدة ، هذا هو حكمنا الأعم والأشمل دون احتياج إلى الدخول فى تفاصيل قد يحتاجها شخص آخر كى يثمن موقفه الرافض لنظام الكون وقوانينه ..
المشكلة رغم بساطة حلها إلا ان ثمة بعض الأشخاص لايستطيعون أن يتخلوا عن نظراتهم الضيقة ، فمجرد ذبح الحيوان وتألمه يثير فيهم التعاطف الذى يثيره أخذك دواءا مرا أو إجراؤك لعملية جراحية يبتر فيها أحد أعضاؤك أو أجهزتك !! إنها نفس الشفقة والتعاطف والتى لو دخل التعقل ليبحث فى عدالتها لانتهى به الأمر فورا إلى إجابة واضحة مفادها " هذا هو الأفضل له ولصحته !! "
ألم تتأمل أيها الإنسان المنقاد فقط لعواطفك أن مجرد إحاطتك لبعض الأمور الطبية البسيطة ينجيك ذلك من الحكم على الطبيب بأنه ظالم عندما يتدخل جراحيا لعلاج أمك وأبيك؟ بل بعد إجراء تلك الجراحة تشكر الطبيب وتعطيه أجره أيضا؟ ماذا لو كنت تجهل أبسط مبادئ الطب والجراحة مثلا ؟ كيف ستحكم على هذا الطبيب ؟ إنه حكم الطفل الصغير الذى يرى رجلا مرتديا بالطو أبيض ويقطع فى لحم أمك فيسيل منها الدماء .. ياله من شرير !! ولكن بمجرد أن تكبر فى العمر وينضج عقلك حتى يحيط علما بما وراء الأشياء ، دوافعها وأسبابها ، ستبدأ فى اتخاذ مواقف مغايرة وتتغير نظرتك عن الطب والطبيب وعن " النافع " و " الضار " بالنسبة لجسد ابيك وأمك !!
فما بالك أيها المسكين تحكم بنفس طفولتك البلهاء على ظاهرة ذبح بعض الحيوانات والأكل منها .. ألم تسأل نفسك يوما " هل يضر الحيوان ذبحه؟ " و " هل الهالكين من البراكين والزلازل انتهوا إلى الفناء والضرر الشديد ونحن الأحياء مازلنا ننعم بالراحة والسعادة ؟ "  هناك مقاييس للضرر والنفع تتعدى حاجز الحفاظ على الحياة نفسها؟؟ بمعنى آخر : هل الموت شقاء والإيذاء الجسدى ضرر لك حقا؟؟
 إن كنت تؤمن أن الضرر يكمن فى الموت والبلوى الجسدية والمادية  فلماذا تضع صور الأم تريزا وجيفارا وغاندى وعرابى وعمر المختار وتستأنس بحكايات لوثر كينج وتستمتع بالسوبر مان وكل هؤلاء مايجمعهم هو إيمانهم بأن دائرة السعادة والنفع لاترسمها أعمارهم ورغباتهم فى المحافظة على حياتهم ، بل إنهم ضحوا حتى بحياتهم لاعتقادهم بأن ثمة شيء معنوى يحقق لهم السعادة ولا دخل له بحياتهم نفسها .. إذن فمهموم الضرر والنفع والسعادة والشقاء يتعدى الضرر والنفع الجسدى والمادى والمعبر عنه بالحياة الطويلة بدون أمراض أو بتر فى الأعضاء والأجساد !! وبم تفسر أنت أن المرض النفسي كالفصام والكآبة أشد إيلاما من المرض الجسدى الذى لاتفارق صاحبه حالة الرضا والطمأنينة والابتسامة !؟
نعود إلى الإجابة .. نعم هناك – فيما يبدو وفيما أعرفه عن الإله الحكيم وعن معنوية السعادة ذاتها – تفسير بأن كمال الحيوان فى أن يأكل من هو أدنى منه وأن يكون مستعدا للتضحية بكونه فريسة لحيوان آخر .. مالعيب فى ذلك إذا كان الغرض هو شعور الجميع " بالعدالة " و المتمثل فى التضحية تارة وفى محاولة الهرب من الذبح تارة وفى الصبر على الإيذاء تارة وفى التخطيط كى أنال وجبتى من كائن آخر ، وفى محاولة النجاة من ذلك الكائن وفى النهاية فى إدراكى لحقيقة كون النجاة قد تكون هلاكا والهلاك قد يكون نجاة حقيقية !! ، ومن الواضح من معرفتنا بأن السعادة معنوية وأن إلهنا حكيم يبغى لنا أن نذوق تلك الحالة فلا محيص من التسليم بحكمته وبكونه لايريد لا للإنسان ولا للحيوان وكل مخلوقاته إلا الخير .. الخير الذى ربما لانفهمه بسبب قصورنا فى التعقل والتفلسف والتأمل المجرد الحيادى والبعيد عن متعلقات المادة وبعيد أيضا عن النظرة الطفولية الضيقة لمدركاتنا الحسية دون الخوض أو التعمق فى ما وراء الحس والتجربة !!
هكذا هى الإجابة : إلهنا حكيم ورحيم إذن فجميع الابتلاءات التى تحدث لنا دون أن يكون لنا إرادة فى وقوعها هى الخير بعينه ، والأمور التى نحن متسببون بأنفسنا فيها قد تحمل الشر أو الخير " بمعناه غير المادى " .. وعلى هذا فما هو الخير إذن؟ هو كل عمل تفعله بإرادتك أو كل شيء يحدث لك دون إرادتك بحيث يفترض أن تكون محصلة ذلك مزيدا من قربك من جوهرك ومعناك وإنسانيتك الفاضلة والدنو من إلهك فتكتسب به رضاه .. وما هو الشر؟ هو عكس ذلك تماما والآية فى أشد وضوحها تتحدث " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " !! وكأنك تشاهدها لأول مرة ؟؟ إن صرت متفقا معى بأن الخير له وجوه غائبة عن إدراكك بسبب شدة معنويته وشدة ماديتك أنت ونظرتك القاصرة فلا تستعجب من كون الخير فى الذبيح أن يتم ذبحه وفى الذابح أن يتقرب بذبحه إلى الله فى يوم الأضحية !!
وقد يقول قائل أن كل ماسبق مبنى على اعتراف بوجود " إله " و " حكيم " يحمل الخير كله ويرفعنا إلى الخير عبر أفعال لانحكم نحن بنفعها ..  فما الدال على كون الإله حكيم ؟ ومالدال على وجد إله للكون من الأصل ؟ومالذى يجبرنى على التسليم بذلك؟ نقول إن كل ماسبق كان إجابة عن تساؤلات شريحة من المؤمنين بالله والدين الإسلامى فيما يتعلق بـ " فلسفة " الأضحية وطبيعة الخير والشر ، أما غير المؤمن بالإله فقد يجمعنا معه حوار آخر أشد بساطة وأقل عمقا مما قيل ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق