السبت، 6 سبتمبر 2014

إلى المهندس محمد الشيمى، دعنا من فلسطين، وهيا بنا ننهض!



منشور بالبديل الأسبوعى، عدد27 بتاريخ 23-7-2014

لقد تعبنا من الحروب مع إسرائيل لدرجة تجعلنا ينبغى أن نتقبلها كأمر واقع،  فلنعتمد على خلق علاقات طبيعية معهم، فهم لايكرهوننا كما روج الإسلاميون والناصريون والقوميون ذلك، ولنفتح أراضينا للمستثمرين الأجانب دون قيود وشروط قانونية معقدة بحيث يمكنهم إقامة مشاريعهم العملاقة داخل أراضينا وجذب العمالة إليها بما ينعش أسواقنا الراكدة. وحتى نجعل أراضينا جاذبة للسياحة والاستثمار؛ ينبغى علينا أن نهيئ كل السبل الممكنة لجذب رجال الأعمال الأجانب ، أهمها الأمن والأمان وبناء الفنادق الغالية وتوفير كل مايتمناه السائح الغربى من رفاهية ومتعة، ولاتكلمنى عن قيم أخلاقية أو تعاليم شرعية ومحرمات دينية فى ذلك فالمصالح فوق القيم والأديان أيضا.
آه ياعزيزى من لغة المصالح وتعميق ثقافة الاستهلاك ! ينبغى أن تتغير ثقافة مجتمعنا حتى تسمو مصالحهم ومنافعهم على المبادئ والسمو الأخلاقى وأية طقوس دينية مانعة من تقدم المجتمعات ورقيها. نعم سوف نعتمد فى البداية على معونات وقروض البنك الدولى لأن اعتمادنا كدولة جاذبة للاستثمار وتتميز باقتصاد منتعش يتوقف على تقارير صندوق النقد والمنظمات الاقتصادية العالمية وسوف نستميت حتى نحقق شروطهم الصعبة ؛ سنرفع الدعم على السلع التموينية والحاجات الأساسية للمواطن والتى تغطى بعض احتياجات الفقراء؛ لأنها بالفعل اكتشفنا مدى عبئها على الدولة. أما الفقراء فعليهم أن ينتظروا ويصبروا حتى ننال حظنا من القروض التى ستسمح بضخ المستثمرين إلى أراضينا. فلاداعى للتعجل ولامكان فى دولتنا الحديثة للأغبياء الداعين إلى المدافعة عن حقوق الفقراء والعمال والكادحين ولا من يصدعونا بدعم المقاومة الفلسطينية، لقد أغلقنا تلك الملفات وبلادنا باتت تضج من ناصرى الفقراء والمثاليين والمتلحفين بشعارات ومبادئ الكرامة وغيرها. وينبغى أن نتعامل مع المجتمع الدولى وواقعه الحالى بمفردات البيزنس والمصلحة دون مقاومته ومحاربته مثل تلك الدول الساذجة التى تعانى من العزلة العالمية والحصار والحرمان من الرفاهية والغذاء والدواء. قل لى يا أستاذى الشيمى ماذا كسبت تلك الدول بإعلائها ثقافة الاستقلال الوطنى ومقاومة التبعية الفكرية والسياسية والاقتصادية للغرب؟؟
قد يعرض المستثمرون الأجانب - بدلا من إقامة مشاريع عملاقة رائجة - شراء بعض الخدمات المقدمة إلينا كالكهرباء والتليفونات والغاز والنظافة والمترو. كذلك حصص كبيرة من أسهم قناة السويس. ولم لا؟ طالما أن الفائدة ستتحقق من المليارات التى تعود إلى خزينة الدولة من بيعنا  لخدماتنا " الوطنية " .. كذلك ينبغى أن نرحب بالعروض المقدمة إلى تقديم حق الانتفاع من العائدات السياحية لمزاراتنا المختلفة بشرط تحسن تلك الشركات للخدمة فيها وبالتالى سنوفر أعباء كبيرة كانت على كاهل وزارة السياحة فى ترميم الآثار وتحسين الخدمات حولها.
حقا ستكون بلادنا نظيفة الشوارع والمبانى والخدمات، صحيح أن ذلك سيكلف المواطن عبء الزيادة فى أسعار جميع السلع والخدمات لكن الفقراء دائما مايستطيعون التكيف مع الظروف المختلفة وتدبير أحوالهم وفقا للمتغيرات الجديدة. لقد عانينا طويلا حتى نتكيف نحن – المسئولين – ونطرد الحثالات الفكرية من رؤوسنا كمبادئ السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والقطاع العام والجهاد وحقوق الفلسطينيين وغيرها.
ولكن مالم نحسب حسابه حقا هو الزيادة المهولة فى حجم السرقات بالإكراه والتحرش والاغتصاب إلى حد أنه قد يضر بمسيرة الاستثمار الخارجى والسياحة. وفى نفس الوقت فشلت القوانين الرادعة فى علاج تلك الظواهر. ممم لاتقل لى تيسير الزواج والمهور وهذا الهراء الرجعى البالى الذى كان سببا فى تخلفنا لعقود مضت ! لم لانفتح بيوت الدعارة المرخصة مرة أخرى بحيث نقضى على الكبت والحرمان الجنسى للشباب ؟ لقد كانت موجودة أيام الملكية ولم نسمع وقتها عن حالات تحرش وسعار جنسي كما نتأذى الآن .. إن الصداع الذى سوف نعانى منه هى الفتاوى التكفيرية وعودة الإرهاب وبقوة خاصة فى المناطق الفقيرة والعشوائية التى عانت من إهمالنا لها لفترات طويلة.  ينبغى أن تساعدنا اسرائيل والدول الغربية الكبرى من أجل القضاء على الإرهاب والتنظيمات الأصولية ( عدونا الحقيقى ) لأن تلك التنظيمات تمثل ضررا على أمن المنطقة بالكامل، وطالما لم نستطع أن نقضى على حب التدين المغروس فى بعض فئاتنا المجتمعية، فلنستعن ببعض الشيوخ ورجال الدين لتقديم صورة مغايرة عن الدين تتوافق مع قيم الحداثة ومتغيرات الحياة وفلسفة الاستهلاك فيها مع نزع مفاهيم المقاومة وجهاد المحتل والأمر بالمعروف وتطبيق الشريعة من ذلك الدين؛ بحيث نأخذ الجانب الأخلاقى منه فى المعاملات الحسنة كالصدق ومساعدة اليتيم والتبرع وزراعة الأشجار فوق أسطح المنازل وخلق بيئة نظيفة " بشرط ألا يتعدى على مبادئ الحرية المطلقة والسياسة مهما كانت ".
فى سياساتنا الخارجية؛ لا داعى للتصادم مع سياسات الدول الكبرى التى أحكم مستثمروها وشركاتها قبضتهم على مفاصل اقتصادنا، بل ينبغى أن نعاونهم ونساعدهم فى قمع الاحتجاجات هنا وتقسيم الدول هناك وحصار المقاومين فى الأماكن الأخرى وإلا فسوف نعانى كثيرا إذا وقفنا أمامهم هذه المرة!
ينبغى إذن أن نتوقع زيادة فى حجم السخط الشعبى وخاصة من الفقراء والطبقات المتوسطة، ومن الإسلاميين المتمسكين بإسلامهم الأصيل والاشتراكيين والقوميين والناصريين، وحتى الليبراليين الرافضين لسياساتنا الرأسمالية المفتوحة خصوصا مع غلاء أسعار جميع الخدمات والسلع وتعاملنا مع إسرائيل وتنسيقنا معها للقضاء على الإرهاب و تيارات المقاومة هناك . وفى الحقيقة فأنا لا أجد أى حل نتمسك فيه بسياستنا التقدمية الراقية هذه إلا بالقضاء على تلك الحركات الإصلاحية والثورية، ولاتحدثنى عن الحريات لأن المسألة تخص الأمن القومى للبلد التى تعهدنا على الحفاظ عليه. فاستقرار الوطن مقدم على أى شيء عداه. سنقتل ونعتقل ونشرد ونتخلص من أعداء النجاح وأحزاب الفضيلة ووسوف نطلب ممن يتبقى من أهل مصر أن يعاونونا فى مسارنا النهضوى الشامل .. أظن أن هذا المشروع البناء هو خلاصة ما أفرزه عقل الأستاذ محمد الشيمى وغيره من مساكين النخبة المصرية الواعدة الواقعين تحت تاثير إعلام شديد المحلية، عظيم التخدير، متوقف الزمن حول أحداث ماقبل 30 يونيو ناظرا لها من زاوية واحدة غير عابئة بما يحدث هنا وهناك، وبما حدث فى تاريخ الأمم والمجتمعات وما ينتظر الإنسانية من تحديات. ثقافة " دعونا من وجع الدماغ ومشاكل الجيران وشعارات المقاومة والعدالة والمستضعفين " وهيا بنا ننهض .. غيبوبة كاملة !      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق