السبت، 6 سبتمبر 2014

أشكال الحكومة الفلسفية !

منشور بالبديل الأسبوعى ، عدد 28
وعلى هذا الرابط


أثناء عملى فى حملة دعم الدكتور البرادعى رئيسا فى عام 2011، كتب الدكتور البرادعى بمعونة عدد من المتخصصين وثيقة " فوق دستورية " تعتبر بمثابة الخطوط الحمراء الوطنية التى يتفق عليها جميع الفصائل السياسية وتمثل المنطلق الأول ونقطة البداية لأن يصاغ من تلك المواد " الإنسانية والحقوقية " البنود التفصيلية لدستور مصر القادم فيما بعد. وبعيدا عن الظرف السياسي الزمنى وماحدث بعد ذلك عندما أصدر الأزهر وثيقته ثم تعددت الوثائق فيما بعد ؛ كنت وقتها أمعن القراءة فى النظام السياسي الأمثل لإقامة المدينة الفاضلة لدى الفلاسفة والحكماء، والذى بدأ كفكرة أفلاطونية فلسفية خالصة تقوم على أن حاكمية العقل للبدن الإنسانى بقواه الشهوانية والغضبية هو حقا ما يجعل الإنسان فاضلا ويبلغ به سعادته الإنسانية المرجوة، ومن ثم فإن المجتمع - الذى وحدة بناؤه الإنسان- ينبغى أن يقوده العقلاء ليحكموا سيطرتهم على الجموح الشهوانى الغاضب للمجتمع فيسيروا به إلى بر الأمان من الناحية الروحية والمعرفية. وكما قلنا من قبل فى مقالات سابقة؛ اهتم الفلاسفة المسلمون كثيرا بحاكمية العقلاء وأضافوا لشروط الحاكم الفيلسوف ضرورة معرفته بالأحكام الشرعية وكيفية استنباطها من الكتاب والسنة، كذلك اهتموا بالتوفيق بين النظام الذى يؤمه الفلاسفة والحكماء وفى نفس الوقت يخضع للإرادة الشعبية سواء فى المشاركة بالقرارات التنفيذية أو معيار المقبولية الشعبية للحكماء أنفسهم إلى أن انتهينا أن السيادة هنا باتت للعقد الاجتماعى الموقع بين الشعب وحكمائه وأن هذا الاتفاق يظل سارى المفعول طالما استمر الرضا من الطرفين؛ والعكس صحيح أيضا.
نعود إلى الوثيقة فوق الدستورية حيث سألت نفسي عدة أسئلة : هل يمكن أن تكون المواد فوق الدستورية هى صيغة عقد اجتماعى مكتوب يخطه الحكماء ويقدمون فيه المسار العقلى والأخلاقى والأسس الشرعية التى ينبغى أن يسير المجتمع وفقا لهداها بحيث يبدأ المتخصصون والدستوريون على أثرها كتابة الدستور ومن ثم تعد القوانين التفصيلية بناءا عليها ؟ أى ينحصر دور الحكماء فقط فى كتابة الوثيقة الاجتماعية ولايكون لهم دور رقابى على الحكومات والتنفيذيين المنتخبين من الشعب. فى الواقع إجابة ذلك السؤال تقتضى فهما عميقا جدا لفلسفة النظرية السياسية سواء فى الإسلام أو فى النظام الفلسفى الأفلاطونى، ولا ننسى أن الفيلسوف المسلم أبو نصر الفارابى أثناء قيامة بالتوفيق بين النظرة الإسلامية والفلسفية للحاكم قد تكلم عن إمكانية وجود مجلس للحكماء فى حال خلو المدينة أو المجتمع من الرئيس الأول " وهو النبى " أو الرئيس الثانى " وهو العالم الفيلسوف الربانى الجامع للشروط والذى يمشي على أثر الرئيس الأول " . أقول ذلك مستشهدا بأفكار الفارابى الذى لم يتقيد بشكل واحد من أشكال الحاكمية الفلسفية وهو "الحاكم الأوحد"، بل أعطى المرونة اللازمة المقتضية إمكانية وجود مجلس للحكماء يكون بمثابة المرجعية الفلسفية للنظام والمدينة، فهل يمكن أن تأخذ المرونة حظها الوافر فى تلك الأيام لاستصدار شكل جديد من أشكال الحاكمية العقلية والفلسفية لايقوم على وجود الحكماء بأنفسهم؛ بل بوثيقة ثابتة تحمل خلاصة أفكارهم وعصارة المنطلقات القطعية الراسمة لمسار المجتمع والدولة وهى المعبر عنها شكلا بالوثيقة فوق الدستورية مثلا؟ قد يقتضى ذلك وجود ممثلين لهؤلاء الحكماء يفسرون تلك المواد حين يحدث النزاع مثلا مثلما هى وظيفة المحكمة الدستورية العليا التى تصدر رأيها القاطع فى دستورية القوانين من عدمها.
إذن فى جعبتنا الآن ثلاثة أشكال من الحاكمية الفلسفية : الشكل الكلاسيكى القديم هو الحاكم الأوحد الفيلسوف " أو الرئيس الثانى " ممتزجا برئيس للجمهورية يتم انتخابه شعبيا ويقضى مدته أو رئيس للوزراء يأتى به البرلمان؛ أيا كان الشكل التنفيذى للحكم سواء رئاسيا أو برلمانيا أو مختلطا. وشكل آخر يستبدل الرئيس الثانى بمجلس من الحكماء والتخصصيين، وشكل ثالث يختزل الحاكمية فى وثيقة حاكمة يرجع إلى الحكماء فى حال تفسيرها عند حدوث التعارض أو الالتباس فى فهم بنودها. ولعمرى إن لهذه الأشكال روح واحدة تجمعها وهى " نظام خاضع للمعايير القيمية العقلية والشرعية " يستمد مشروعيته من الإرادة الشعبية عبر صناديق ديمقراطية توفر لذلك النظام الحماية والتنفيذ اللائق والرقابة والاستمرارية .. ولكن مامعيار التفاضل والاختيار بين تلك الأشكال المتعددة؟ قد يكون لنا مقال آخر فى ذلك الشأن بإذن الله تعالى.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق