السبت، 6 سبتمبر 2014

إلى الدكتور البرادعى : ليتك لم تفعلها !

منشور بالبديل الورقى عدد32 بتاريخ 3-9-2014

برر ستالين قتله لملايين الروس واصفا إياه بـ" التطهير الأعظم " للصفوف الأولى في الحزب والدولة كونه شرطاً لازما لانتصار الاشتراكية على النازية والفاشية الأوروبية ! والباحث فى نشأة البراجماتية السياسية يجد أنها بدأت فى بدايتها بشكل متطرف بعيد عن القيم والمبادئ إلى أن مرت بتحولات عديدة أكثر تقاربا مع الأخلاق والفضيلة ، بل مع الدين نفسه من خلال كتابات ويليام جيمس .
و الدكتور البرادعى أحد المفكرين الذين يتبنون تلك البراجماتية " الحذرة" وهو مبدأ المنفعة السياسية ليس فى ثوبه التقليدى الحاكم على الأخلاق والقيم والموجه لهما أينما ذهب ، أو الذى يغرد بعيدا عن المبادئ، لكن نفعية البرادعى كانت فى غاية الحذر من المساس بالمبادئ . هذا النوع من البراجماتيين يخافون من انتهاك القيم والمبادئ المتعارف عليها تحت مسمى النفعية و " مصالح الدولة " والأمن القومى وخلافه ..
ربما أدرك هؤلاء أن انتهاك القيم لن يؤتى بنتائج إيجابية على المستوى البعيد، فبالاستقراءات التاريخية ذهب الطغاة ومنتهكو حقوق الإنسان من الرؤساء والقادة إلى مزابل التاريخ وسط لعنات شعوبهم، وباتت أفكارهم محل اشمئزاز من الجميع وسياساتهم موطن استياء وتحقير..
أين هتلر وموسولينى وستالين والقذافى وصدام ومبارك الآن ؟ وهم من الطغاة الذين يبررون أفعالهم بانها ضرورة وأن الأخلاق لامحل لها إذا كان الأمر متعلقا بسيادة الدولة وأمنها القومى ، ولعلك لن تجد أى اختلاف فى أحاديثهم عن أحاديث سابقيهم من أباطرة الرومان والفرس واليونان قديما، ويزيد والمنصور والحجاج فى عصورنا الإسلامية ، والأخير كتب إلى عبد الملك بن مروان‏ قائلا :‏ أما بعد‏.‏ فإنّ لواذ المُعترضين بك وحُلول الجانحين إلى المُكث بساحتك واستلانَتهم دَمِث أخلاقك وسَعة عَفْوك كالعارض المُبرق لا يَعْدم له شائماً رجاء أن ينالَه مطرهُ وإذا أدنى الناس بالصّفح عن الجرائم كان ذلك تَمْرينا لهم على إضاعة الحقوق مع كل وال‏.‏ والناس عبيد العصا هم على الشدّة أشد اسْتباقاً منهم على اللِّين
بات الاتجاه البراجماتى الحذر يميل إلى عدم المماس بالقيم والفضيلة مخافة الفشل الحتمى والسقوط فى وحل الخيبة " ولو بعد حين " ، ومن متابعتى لتصريحات ومواقف الدكتور البرادعى فهو فى الحقيقة لم يكن متحمسا لأن تمضى الموجة الثورية بعيدا فى محمد محمود " الأولى " متجاوزة المجلس العسكرى وقالبة الطاولة على الجميع، وقد رفض العودة مرة أخرى إلى المربع صفر رغم تحفظاته على المسار الديمقراطى وقتها، فى الوقت الذى كان العديد من الشباب فى حملته يعارضون رؤيته ويصرون على المضى قدما فى الخط الثورى للنهاية ، وقد نجد له بعض العذر انطلاقا من مبادئه البراجماتية " الحذرة " التى قاست استمرار المسار الثورى بأن نهايته مجهولة ومظلمة، فى حين كانت نهاية المسار الديمقراطى الذى حدده العسكرى أكثر وضوحا وإن شابته الأخطاء والانتهاكات وفاحت منه روائح المصالح والاتفاقات.
أما المستغرب فعلا من مواقف الدكتور البرادعى التى – فى نظرى – أجدها لاتعبر عن طريقة تفكيره؛  هو الانقلاب على مسار ديمقراطى حتى وإن تجاوز الاخوان جميع الخطوط الحمراء حينئذ، بل والاستعانة بإعلام وأموال وحرس النظام القديم من أجل إنهاء الحكم السابق، وهو امتحان مهم ومصيرى للفضيلة فى مواجهة البراجماتية .. الذى أعرفه أن الدكتور البرادعى لم يكن مقتنعا فى البداية وكان متخوفا – بحسه البراجماتى الحذر– أن الوثوق بهؤلاء سيعود بنا إلى الخلف، لكن إلحاح معاونيه ومجموعة الشباب التى يثق فيها أعطت له الكثير من التبريرات والمؤمنات من أن ذلك لن يحدث خاصة مع وعود المشير السيسي وثبات الشباب الذين لن يسمحوا للحرس القديم بأن يركب على تلك الموجة القادمة .. وافق البرادعى وتم الزج باسمه فى مصاف رواد تلك الموجة إلى أن أدرك " المؤامرة " فقفز من المركب التى يعلم انها سوف تغرق طالما تلوثت أيدى ربانها بالدماء. فى النهاية ومع احترامى العميق للدكتور البرادعى – هذه القامة الوطنية الرفيعة – أقول له : ليتك لم تفعلها يادكتور ..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق