الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

بعد حرب غزة.. هل انتصر المشلول؟

منشور بالبديل الأسبوعى عدد 33 بتاريخ 10-3-2014
على هذا الرابط


وسط الصخب والضجيج المصاحب لمابعد انتهاء العملية العسكرية الصهيونية فى غزة، طالعت بعض المقالات المتزنة التى تحاول بهدوء تحليل ماحدث متتبعة نتائج تلك العملية بالأرقام ، لكن الكثير منها – رغم اتزانها – لم تتمتع فى رأيي بالتعمق المطلوب فى رصد نتائج الحرب، بل لعلى أشعر بأن الجو العام المشحون فى مصر ضد جماعة الاخوان قد لعب دورا ولو غير مباشر فى انحراف زاوية الإنصاف والموضوعية فى الحكم على نتائج تلك العملية؛ إما لصالح المقاومة أو لصالح الجانب الصهيونى الذى اعتبره البعض منتصرا بالرجوع إلى حصيلة الشهداء الفلسطينيين من " المدنيين ". إضافة إلى انتهاء وقف إطلاق النار بغير اتفاق يحقق آمال الفلسطينيين حول سيادتهم التامة على أراضى غزة .
وحتى أبين وجهة نظرى فى تحليل نتائج الحرب، فلنتصور معا شخصا مشلول اليدين تم الزج به فى جولة مصارعة مع شخص سليم معافى مفتول العضلات مبسوط القدرات .. فبالنظر إلى عدد الكدمات والجروح التى فى جسد الطرفين نجد الكفة تميل إلى فوز المصارع المعافى؛ أما بالنظر إلى كون السليم لم يستطع " تثبيت أكتاف " المصارع المشلول ولا شل قدراته على المقاومة واستخدام قدميه؛ فالسليم هنا يعتبر بمقياس المنطق فاشلا عاجزا .. فما بالك أن هذا السليم قد تعهد منذ البداية بشل جميع حركات المشلول ؛ من أول أكتافه حتى اصابع قدميه ! ومابالنا إذا كان الصهيونى فى بداية الحرب كان هدفه القضاء على حركات المقاومة وبنيتها العسكرية ومنصات إطلاق صواريخها  واستهداف قادتها وهو مالم يحدث مطلقا؛ ليكتفى الصهيونى فى نهاية الحرب – بعدما كبد بخسائر جديدة فى الأفراد تضاف إلى خسائره المعنوية وكسر شوكة عنجهيته – بالقول بأنه استطاع تدمير الأنفاق؛ تلك الانفاق التى سوف يبنى مثلها الفلسطينيون مرة أخرى طالما أياديهم لم تنقطع وإرادتهم لم تنكسر ! تماما مثلما يقول المصارع المعافى بأنه استطاع أن يكبد المشلول عدة جروح وكدمات (من السهل جدا التداوى منها) دون أن يشل قدراته أو أن يطرحه أرضا !
نقطة أخرى تطرق إليها المحللون، وهى عدد الشهداء من المدنيين والتى ترجح فى قناعاتهم كفة الحرب لصالح إسرائل ، والعجب أن نفس تلك النقطة ذكرها أيضا الرئيس أبومازن، هذا الشخص المنتمى تنظيميا إلى حركة فتح والذى كان مقاوما فى يوم من الأيام .. كيف ينسى تاريخه وتاريخ أقرانه عندما كانت انتصارات المقاومة لاتحسب بعدد الشهداء من المدنيين بقدر ماهى بحسابات الصمود والاستمرارية كما هو الحال فى حروب العصابات التى لها موازين أخرى للانتصار !
أعود إلى مثال الرجل المشلول الذى يلومه المحللون أنه لم يستخدم يديه فى مصارعة الرجل السليم ! وقد نسى هؤلاء أنهم هم أنفسهم من ساهموا فى شل قدرات هذا المشلول .. حقا لاتستطيع المقاومة أن تسقط الطيران الصهيونى بصواريخ دفاع جوى متطورة أو تستخدم مدرعات ثقيلة ودبابات مكيفة أو أن تملك سلاحا قويا للطيران يدك حصون الصهاينة كما هو الحال فى مع العديد من الدول المجاورة التى من ضمنها دول الخليج حيث نسمع كل يوم عن شحنات متطورة من السلاح الأمريكى تذهب إلى السعودية والإمارات وقطر ؛ بل وتركيا التى اكتفى رئيسها بارتداء الكوفية الفلسطينية فى الوقت الذى يزداد فيه حجم التبادل العسكرى والمعلوماتى والتجارى والمخابراتى مع الصهاينة بشكل لم يسبق له مثيل فى تاريخ تركيا.. هل سأل أحدنا نفسه وهو يكبد المقاومة مسئولية الخسارة من أين يأتى سلاحها؟ وعبر أى طريق؟ وهل تناسينا أن جميع حدود قطاع غزة محاصر لايستطيع أحد إدخال الأسلحة الثقيلة المتطورة إليه سواء بشكل رسمى أو بشكل استثنائى؟ أقول ذلك وأنا أتذكر اعتقال اللبنانى سامى شهاب فى عهد مبارك وهو يتفق على إدخال شحنة أسلحة عبر السودان إلى قطاع غزة ! فإن كان لوم المشلول على جمود يديه شائنة فالعار عندما يكون اللائم مسئولا عن ذلك أكبر ..
النقطة الأخيرة التى ساقها البعض فى معرض المقارنة بين انتصار المقاومة اللبنانية فى عام 2006م والحرب الحالية هى فى عدد المدنيين. وقد تناسى المحللول أيضا الوضع الجغرافيا للبلدين ، بين بلد جبلية من اليسير اتخاذ ملاجئ أكبر للتخفى وحماية المدنيين فيها ، بل أيضا تم نقل جميع سكان الجنوب إلى العاصمة بيروت وسوريا وتم احتضانهم بشكل إنسانى ليس غريبا على الشعبين الكبيرين اللبنانى والسورى، فى حين أن جغرافية غزة ليست جبلية مما تجعل جميع المدنيين مكشوفين أمام الصهيونى ليتباهى كالأحمق بأن طلعاته الجوية تقصف مواقع المدنيين ! كذلك فإن فرصة نقل الفلسطينيين إلى الدول والأماكن المجاورة – حتى انتهاء الحرب – هى الآن مستحيلة خاصة فى سيناء حيث ستتداعى صرخات السفهاء بأن الفلسطينيين يحتلون سيناء وأن المؤامرة بين حماس والصهاينة تقتضى بقتل الفلسطينيين حتى يكون لهم ذريعة احتلال سيناء !!
الخلاصة فى رأيي أن المشلول قد انتصر لأن المعافى لم يستطع طرحه أرضا ولا شل باقى قدراته كما ادعى فى بداية التصارع، انتصر المشلول بصموده واستخدامه لجميع القدرات المتاحة لديه لأنه لم يمت ولم ينكسر ولم يفقد بيئته الحاضنة ولا قدرته على استكمال الزيادة فى قدراته العسكرية والعددية رغم الحصار ، فاز المشلول وسيفوز فى جميع الجولات القادمة رغم إمكاناته التى ساهمنا جميعا فى محدوديتها وإضعافها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق