الثلاثاء، 4 مارس 2014

ناشط سياسي !

http://elbadil.com/2014/03/01/%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D9%86%D8%A7%D8%B4%D8%B7-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A/

منشور فى جريدة البديل الإسبوعى عدد 6 بتاريخ 26-2-2014



نظريا وفى عالم الأفكار المجردة، يُعرَف الناشط السياسي بأنه الشخص الذى ينشط دفاعا عن موقف أو نقدا لسلوك وتصرف سياسي معين
والذى يحرك الناشط لكى ينتقد موقفا بعينه هى القضية التى يؤمن بها، التى تعود بالنهاية إلى رفع المظالم وإقرار العدالة، ورغم كون الجميع يتحرك للمطالبة بها والمناداة بتطبيقها، ولكن يختلف التحرك باختلاف منظور ورؤية كل ناشط للعدالة، فقطعا رؤية المادى تختلف عن المتجاوز للمادة، كذلك فالليبرالى والاشتراكى والإسلامى لايحركهم معيار واحد لتقرير أسس تنفيذ العدالة على أرض الواقع مثلا..
ولكن إذا نزلنا من عالم الفكرة المجردة والمفهوم العقلى إلى مايجرى حاليا، فنعيد تعريف الناشط السياسي فى مصر طبقا " لما هو حاصل " لا من منظور " ما ينبغى أن يكون " يكون الوصف كالتالى : هو الشخص الذى ينشط منتقدا أداءا سياسيا معينا دون أن يتبنى هو موقفا واضحا يضع من خلاله أساسا للنقد وبديلا عن التصرف الحاصل.
والسؤال هو : مالذى يحرك الناشط السياسي بمصر؟
عديد منهم  لا تفسير أيدولوجى أو منهجى لديهم لقضية العدالة وبالتالى فهم ينشطون أولا ثم يبحثون بعدها عن المعايير ! وتجد بعضهم ينتقد قبل أن يبحث عن أسباب النقد.
 والحقيقة أن مرحلة البحث عن " أسس " للنقد ليست صعبة فى أن يجدها الناشط، ولكن الصعوبة هى فى تثبيت تلك الأسس بحيث تمسي معاييرا للحكم على أى تصرف أو موقف سياسي قادم يتشابه مع الموقف السابق .. لذلك تتعدد المعايير وتختلف طبقا لكل حدث وواقعة؛ فيسقط الناشط فى أسر " الكيل بمكيالين وثلاثة أو أكثر من مكاييل العدالة "
لذلك فالناشط فى مصر ليس لديه ميزان واحد يفسر به كافة مايطرأ حوله من أحداث ويقيس عليه مايجب أن يتبنى من مواقف، وتلك الهشاشة أو السيولة الفكرية تجعل الناشط أكثر عرضة للتأثير عليه من مؤثرات عدة تبنى نزعته وتكون شخصيته، فما وقوع بعض النشطاء فى مصر أسرى لتلاعب وتوجيه فكرى وسياسي من أصحاب المؤسسات الإعلامية الموجهة سواء لمصالح شركات أو أفراد أو دول بعينها؛ إلا محصلة من محصلات غياب المعايير وفقدان الاتجاه المعرفى والمنهجى لديهم .
والنتيجة الأخرى التى لاتقل خطورة عن سابقها، وهى وقوع المهتمين بالعمل العام ضحية لجهل قياداتهم وطائفيتهم وانتهازيتهم وبعدهم عن أبسط المبادئ الحاكمة لأفكار أى منهم .. وفى تلك النقطة أجدنى مضطرا إلى الكلام عن الفارق بين المبادئ الحاكمة للناشط ذى الاتجاه الإسلامى والتى تتمثل فى فهم عميق للعدالة على أساس إعطاء كل ذى حق حقه وبناء مجتمع يتبنى المثل والأخلاق الإسلامية التى تتبنى مبدأ الحاكمية لله وترفض الانصياع والركوع لغير الله فى كل موقف من المواقف؛ وبين سلوكيات وتصرفات عديدد من القيادات الإسلامية السابقة والتى ركعت لأمريكا ونافقت الصهيونى وتعالت على نصائح الجميع وتبنت الطائفية وسياسة الإقصاء وتناست حق الفقراء والفئات المستضعفة والمهمشة، لكن التباين الواضح بين مبادئ النظرية الإسلامية الحقة وبين سلوكيات قادتها وضع الناشط الإسلامى فى مصر فى موقف المبرر لجميع تصرفات قادته بما فيها التصرفات غير الإسلامية فى أصلها.
بقيت نتيجة أخيرة نرصدها من واقع حالات الاكتئاب والحزن التى تنتاب العديد من المهتمين بالشأن السياسي الآن – باختلاف المسببات والنتائج – بسبب ما أوصلهم فشلهم فى القرارات وتبنى المواقف من انتكاسة  فى ميزانهم الفطرى للعدالة إلى درجة بات الكثير منهم يشعر بدرجة من درجات الانفصام فى تصرفاته وسلوكياته السياسية !! فهو الحر الثائر الذى يبرر الانتهاكات الأمنية والحقوقية الحادة والحاصلة الآن لكى يقهر من خلالها خصومه الإسلاميين فيجد نفسه مضطرا إلى إقصاء الذين كان يتهمهم بالأمس بأنهم إقصائيون ؛ كل ذلك كى يبرر موافقته على استخدام القمع ضدهم..  فيصير ذلك الشخص، فى داخله، مثالا للثائر الحر النقى الانتهازى القمعى فى آن واحد !!
وعمليا يبدأ الحل بأن يتحول الناشط من مرحلة التحرك بناءا على الحماس والناشطية إلى مرحلة التحرك بناءا على القضية والمبدأ، وهذه المرحلة لاتدرك إلا من خلال التعمق فى القضايا النظرية ومن ثم بناء أيدولوجية قوية للناشط تعبر عن رأى واضح لمسألة العدالة (تعريفا ومصاديقا وميزانا وتطبيقا ) ومن ثم اتخاذ المواقف الناقدة بناءا على ميزان ومكيال واحد فقط ، فهل هذه صعبة؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق