الأربعاء، 12 مارس 2014

أوكرانيا ، بين الكفتة والبرجر !



منشور فى البديل عدد8 بتاريخ 12-3-2014
 

بأى منظور تقرأ الحالة الأوكرانية الراهنة ؟
هل تراها كما يراها الأمريكان والأوروبيون ؟ " ثورة شعبية كاملة على الديكتاتورية والقمع والفقر ، وتدخل روسي سافر ضد إرادة الشعب الأوكرانى وذلك  لحماية مصالحها كما حدث فى سوريا "
أم تراها بعيون روسية ؟  "حيث هى انقلاب بتدبير بعض جهات المعارضة المدعومة أمريكيا وأوروبيا بغرض إلحاق أوكرانيا بالاتحاد الوروبى وإخراج أوكرانيا من مشروع بوتن الرامى إلى إحياء الاتحاد السوفييتى القديم فى صورة تكتلات سياسية واقتصادية مناوئة للمشروع الأمريكى "
أم أنك صاحب " مزاج عالى " يمثله أصحاب ثقافة الكفتة فى تحليلاتهم ورؤاهم السياسية لما يحصل ؟ وقتها لن تخرج رؤيتك عن بعض عبارات " المصطبة " على غرار
" الثورة الاوكرانية ليها قائد وزعيم مش زي ثورتنا وكمان القائد امرأة !! "
" شوفوا طهروا المؤسسات بسرعة وحزم ازاى .. عاش الاوكرانيين عاش "
هل من منظور خاص بنا لتلك الأزمة – وغيرها - يعبر عن ثقافة أمتنا وأحلامها وتطلعاتها فى بناء عالم مختلف ، وينظر إلى نظام القطب الواحد ومتغيراته من منظورنا نحن ، لا من الزاوية التى يراد لنا ان نرى الأحداث من خلالها فقط؟
أقول ذلك مع تصاعد الحديث عن مشكلة " القرم " الأوكرانية وإدخال المسلمين فى فخ معادلتها من أجل المزيد من الاستعداء للروس وإظهار أن المشكلة فى تلك المنطقة دافعها الحرب على الإسلام .. فهذا منظور رابع يضاف إلى المنظور الأمريكى والروسي و أصحاب محلات الكفتة السياسية
والمهتم بتجميع محصلة تلك الرؤى المختلفة لما يحدث فى أوكرانيا سيتبين لديه دون أدنى شك أن ثلاثة منها يصب فى مصلحة الأمريكى؛ وإنى لأعجب عندما يتم توجيهنا وتزييف عقول نخبتنا الفكرية والثقافية بحيث يتبنى الجميع فى النهاية موقفا أمريكيا خالصا لما يجرى فى أوكرانيا وغيرها .. بحيث يتشابه فيه الإسلامى والثورى والليبرالى ؛ بل والاشتراكى أحيانا ! وكأن عقولنا يتم تشكيل وعيها عبر أداة إعلامية واحدة تضع " زوما " على ما حولنا من أحداث وترسل لنا بثا مقتطع الاجزاء والجوانب فيتهيأ لنا أن " جميع الشعب خرج " وأن " الشعب يريد " من مجرد عشرات من الألوف يتجمعون فى ميدان ويهاجمون الشرطة، حتى صار هذا المشهد ؛ مضافا إليه منظر الدماء، موحيا وبشكل دائم التعميم أن الحق مع هؤلاء ومع أى حركة تقاوم أى نظام وتتبنى شعار الحريات وفقط !
هل من مصلحتنا بقاء نظام دولى يقوده قطب واحد يسير العالم بحسب رغبته إما بالترهيب المكبل لحريتنا واستقلال إرادتنا أو بالإغواء المهين لإنسانيتنا ولقيمنا الروحية والثقافية ؟ هل من مصلحة الوطن والعروبة والإسلام أن نعمد بأيدينا لنخمد أية محاولة للتمرد على نظام أمريكى عالمى  ضاعت بسببه قضية فلسطين الكبرى – محور هويتنا- واستنزفت مواردنا الاقتصادية والسياسية وغرقنا بموجبه فى الديون والفقر والحروب الإقليمية والطائفية  تحت مسمى الحرية الزائف الخاوى ؟
إن كنا ننظر لمصلحة أمتنا العربية والإسلامية، فمن مصلحتها التحرر من التبعية للقطب الواحد واستقلال إرادتها السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية فى استصدار نظم للحكم تعبر عن هوياتها وثقافتها ، فهذه هى الحرية التى أفهمها؛ حرية نظام عالمى قائم على تعدد الحضارات والأنظمة المنبثقة من ثقافة كل حضارة
هكذا يجب أن ننظر إلى زيادة النفوذ الروسي، لا بنظرة التطبيل والانبهار والظن الساذج بأن الروس يخدمون العروبة والإسلام ويقدمون الترياق لما فيه مصلحة أمننا الوطنى، ولكن بنظرة  الأمل فى بناء عالم متعدد القوى والأقطاب ، فيه تتاح الفرص للنمو والترقى فى ضوء الأصالة والقيم الحضارية الخاصة بمجتمعنا اعتمادا على خلق الموازنات التى تحفظ لنا استقلالية الرأى والقرار
ليس التقدم الروسي خدمة للعرب والمسلمين كما قد يظن البعض ، ولكن معاداة المشروع الروسي من منطلق انه الخطر الأكبر على أمتنا العربية والإسلامية هو المضحك بعينه .. ربما هو خطر على المتأمركين والمتلحفين بغطاء الحريات والمنتفعين بصيرورة النظام العالمى تحت قيادة الشركات الرأسمالية ..
أخيرا فالكفتة ليست جملة أطلقها اللواء المخترع ليتهكم عليه الجميع؛ ظانين أن أدمغتهم تخلو من أثرها، وتحليلاتهم معصومة من رائحتها، إن الفهلوة للأسف مازالت " معششة " فى عقول بعض الثورجية ومساكين الإعلام الزائف ممن لايتابعون سوى موسيقا الروك وحفلات الأوسكار وجولات انجيلينا جولى الإنسانية .. فقط نزعت الكفتة وحل محلها " البرجر الأمريكى " ..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق