الثلاثاء، 4 مارس 2014

إنسان ولكن

منشور بجريدة البديل الإلكترونى بتاريخ 21-2-2014
http://elbadil.com/2014/02/21/%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%84%D9%83%D9%86/



" اكتشفت عظام متحجرة للإنسان البدائى يرجع تاريخها إلى مائة ألف عام ، بينما وجدت رسوم فى الكهوف يبلغ عمرها عشرين ألف عام . أما التسجيلات المكتوبة للأحداث التاريخية فلا يرجع تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام " كما قال جون تايلور فى مقدمة كتابه " the shape of minds to com  "
وبهذا وصل إلى أذهان الباحثين أن من عاش قبل فترة الكتابة هو " الإنسان البدائى " الذى – فى رأيهم – استغرق مئات الآلاف من السنين فى صراع مع الطبيعة كان نتاجه زيادة نسبة الذكاء وتولد العقل لأول مرة منذ بضعة آلاف عام فقط مما مكنه ،من النطق واختراع اللغة والكتابة ففرض واقعا جديدا من العقلانية لم يكن متواجدا فى سلالته من قبل ..
هل ابن آدم الذى كتب ودون هو نفسه " شبيه  الإنسان " الذى وجدت صور جماجمه منذ أكثر من نصف مليون عام ؟ أقول شبيه الإنسان لأنه وحتى الآن لايوجد دليل واضح على أنه هو المعنى بالبحث والدراسة عن الإنسان الحالى " ابن آدم " ذلك المنتمى لجنس الحيوان والمميز بالناطقية والتفكير مثلما حده أرسطو ؛ وذلك الذى كرمه الله وانعم عليه بنعمة العقل والتكليف كما ذكر قرآننا الكريم ، وهوالذى عاش قبل ميلاد المسيح عليه السلام مايقرب من خمسة آلاف عام كما تقول التوراة فى تشابه غريب مع الخمسة آلاف عام التى ذكرها تايلور والتى تنسجم مع الرواية اليهودية بأن أخنوخ – وهو إدريس عليه السلام – السابع من ولد آدم هو من أول من خط وكتب اللغة بيده !!
لقد ملأوا آذاننا ضجيجا بأن ما فى الكتب السماوية هراء يناقض نظرية التطور وذلك بافتراضهم بأن آدم عليه السلام هو أول مخلوق على صورة بشرى يخلقه الله عز وجل ؛ فى حين أن التوراة أيضا وبعض الروايات الإسلامية تحكى عن وجود الجن بشكل مرئى وواضح – وهو شبيه الإنسان أيضا - قبل الإنسان وإفسادهم فى الأرض مما استوجب أن يرسل الله إليهم جيشا من الملائكة فأسر منهم إبليس الذى " كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ " كما تحكى عنه الآية 50 من سورة الكهف ، بل إن الأعجب من ذلك ما ذكره الفخر الرازى فى التفسير الكبير (9/117) بقوله (ونقل في "كتب الشيعة " عن محمد بن علي الباقر "عليه السلام" أنه قال : قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم، أو أكثر، وأقول : هذا لا يقدح في حدوث العالم بل الأمر كيف كان، فلا بد من الانتهاء إلى إنسان أول هو أول الناس، وأما أن ذلك الإنسان هو أبونا آدم، فلا طريق إلى إثباته إلا من جهة السمع )
لقد أوجع الدارونيون أدمغتنا قولا بأن العقل الإنسانى هو من فعل الطبيعة التى بدأت بسيطة وبدأ فيها الإنسان بدائيا لاعقل له ، ثم تعقدت وتركبت .. لا لشيء إلا لمحاولتهم المستميتة الوصول إلى إثبات فرضية كون الغاية والحكمة متأخرين دائما ،وعلى هذا يكون العالم البديع المتناسق ليس من صنع الحكيم المبدع المتقن وهو البارى سبحانه وتعالى ؛بل من فرط التطور الذاتى فى الطبيعة نفسها والبادئة من البساطة إلى التركيب !
بل إن  فكرة البدء من البساطة إلى التركيب فالتعقيد ليست غريبة عن الفلاسفة الإلهيين ، وليست أيضا دافعا للتقول بإنكار وجود الإله باعتبار أن الحكيم – فى وجهة نظر الماديين – يفترض أن يكون مركبا من " مخ " مليء بالأعصاب وجمجمة تكتظ بالتلافيف والخلايا المخية  حتى يعقل ويدرك ؛فواجب الوجود " وهو مسمى الإله كما وصفه الفلاسفة المسلمون " الذى هو علة وسبب كل الموجودات هو بسيط من كل الجهات وممتنع عنه التركب أو التقسيم إلى أجزاء وقد ساقوا لإثبات بساطته وأحديته عدة براهين وأدلة فلسفية خالصة ربما لاتطيق أعصاب أدمغة الدارونيين على استيعابها والخوض فيها
والخلاصة أن إنسان دارون صاحب المليون عاما قد يكون إنسانا ولكن بالشكل فقط دون الناطقية وباقى اللوازم والصفات " المجردة " الذاتية والعارضة لإنسان اليوم " ابن آدم " ،فلا عجب من تشابه الأشكال مثلما لم نندهش من تشابه القردة مع الإنسان وعديد من الأسماك بعضها البعض .. ومع ذلك فإن أشكل بعضهم على أنه لادليل على كون هذا المخلوق – شبيه الإنسان – ليس إنسانا ولم يعتدوا بكون الكتب السماوية والروايات أصولا ومصادر تاريخية موثقة ؛ فالرد أيضا من نفس الشبهة ؛لادليل قوى على النفى ولا دليل قوى على الإثبات ، الدليل القوى والواضح هو فى كون هذا الكون المرتب من صنع وإبداع العزيز الحكيم وحداثة عمر الإنسان العاقل المقدر ببضعة آلاف عام لايعقل أن يكون ذريعة لنفى تلك الحقيقة ،"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ" المؤمنون:115

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق