الثلاثاء، 4 مارس 2014

شعب ابن تيت !

منشور بالبديل الورقى عدد 5 بتاريخ 19-2-2014



قد يحيلك إنصافك لأن تصف ابنك بأن أخلاقه سيئة ، ولكن ذلك الوصف لايمكن أن يسمح لك بأن تكرهه أو تنتقم منه ، فقط تبغض سوء الخلق نفسه مع الحفاظ على مشاعر الحب والإشفاق على ذلك الابن خوفا عليه من الاستمرار فى الخطيئة
فمابين توصيف الحالة وأخذ المواقف بناءا على ذلك التوصيف ، فارق كبير للأسف يصعب على البعض تمييزه فيختلط عليهم الأمران
وعلى هذا فليس من العيب أبدا أن نصف غالبية مجتمعنا بالأمية، فالإحصاءات تحكى أن نسبة كبيرة من أبنائه لايعرفون القراءة والكتابة ، وليس من العيب أن نصف عددا من انطباعاته ومواقفه بالجهل إن كان لدينا دليل على ذلك ، لكن العيب هو فى اتخاذ مواقف متعالية ومتكبرة بناءا على ذلك التوصيف ..
فلا معنى أن تتلوث آذاننا بتصريحات بعض الناس عن ذلك الشعب بأنه " لايستحق الحياة " و " مفيش فايدة فيهم " أو إنهم " ولاد تيت " ، ففضلا عن كون المتحدث نفسه جزء من هذا المجتمع وفى غالب الحال لايزيد علما ووعيا عمن يصفهم ، لكن فى الوقت نفسه لايمكن تحميل قطاعات عريضة من مجتمعنا مسئولية جهلهم ، لماذا إذن ألصقنا فقر الناس وأمراضهم بمسئولية أنظمة متعاقبة لعشرات السنين وأكثر ووقفنا عند الجهل وقلة الوعى لنلصقها بالجاهل نفسه؟؟
وعلى الجانب الآخر فالتشرف بالانتماء لذلك الوطن الأصيل والعريق شعبه والمتجذرة حضارته ، لايجعلنى أغض الطرف عن مشكلاتنا وأزماتنا الحالية ، نعم فالشعب تم تجهيله وعزلته فى مشهد يذكرنا بما كتبه المؤرخون فى فترة ماقبل محمد على ،  والنخبة من الطبيعى أن تكون إفرازا لذلك ، لكن الاعتراف بالمشكلة هو أولى مراحل العلاج ..  
أحب فلانا ولكن حبى له لن يمنعنى من الاعتراف بأنه مريض يحتاج للعلاج ، وإلا لصار عشقى له سببا فى إلحاق الضرر له ، أعشق وطنى ولكن حبى له لن يمنعنى من رصد أزماته والسلبيات المتواجدة فى نخبته وقطاعاته العريضة ..
نعم هذا الشعب العريق والعظيم قدم للإنسانية أقدم حضارة ، وسيظل يفرز العديد من المفكرين والعلماء والأدباء والفنانين والفلاسفة والقادة الروحيين ، وأيضا يظل رحم الوطن منجبا الابن العاق الذى تعامل مع الانجليز ووشى بعرابى وخان وطنه ، فالبطن التى سعت من رفعوا رأسنا عاليا على مر التاريخ ، مازال يقبع فيها الراكع للأمريكان والراضي بالفتات الذى يمن به أقطاب النظام الدولى الحالى علينا والمشروط بحفظ أمن الصهاينة والقبول بسيادتنا المنقوصة على سيناء والرضا بسلب حرية إرادتنا السياسية ، بل وقراراتنا الاقتصادية ونظمنا التعليمية أيضا !!
مافائدة الحب الأعمى للوطن عندما تغرق سفينته بأبنائه ؟؟ وماذا سيفعل التطبيل وغض النظر عن السلبيات مع الكوارث والأزمات الحقيقية؟ قد نغض أبصارنا عن أمراض هينة فلانتعالج منها ظانين أننا بخير وصحتنا " بمب " ولكن إلى متى نضحك على أنفسنا إذا داهمتنا أمراض تعيقنا عن الحركة أو الكلام ؟؟
هذا الوطن لايحتاج إلى هؤلاء المكابرين الذين يتلحفون بأغطية الوطنية ليبرروا الخطأ ويتعامون عن المشاكل ، بل ويحولونها إلى انتصارات ومناقب ، هذا الوطن الغالى ترابه يحتاج إلى المحب العاقل والعاشق المنصف الذى يستخدم يديه للبناء لا للتصفيق أو للقتل ، وينظر لوطنه من نافذة بيته البسيط لا من شباك الطائرة المهاجرة للخارج ..
قديما قال أرسطو عن استاذه أفلاطون " أحب افلاطون ولكن حبى للحقيقة أكثر !! " فهل وصلت الرسالة ؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق