الثلاثاء، 4 مارس 2014

عايزين نعيش !!

منشور بجريدة البديل الأسبوعى عدد 7 بتاريخ 5-3-2014




أثناء الجدل حول الدستور وفى طريقى لاحدى المدن ؛ استوقفنى عدد من اللافتات الكبيرة المعلقة على مداخل تلك المدينة حيث تحمل موقفا ما من الدستور تتبناه حركة شبابية تحت مسمى " عايزين نعيش " ..
ربما يكون اختيار الاسم عشوائيا  لايحمل أى رسائل سوى أننا " عايزين نستقر " .. ولكن مهلا ؛ فإعلان المواقف السياسية لايأتى اعتباطا بل يحمل أسبابا تنطلق من مبادئ هى ذاتها " الشعارات " التى تتبناها الكيانات والأحزاب وغيرها
من هنا قررت أن " أحلل الشعار " محاولا انتزاع مغزاه والرسائل المرجوة منه بشكل واضح ودون تعقيد أو فك شفرات !!
" عايزين نعيش " ..  يمثل ردا واضحا وصريحا على مبدأ وشعار ثورة الخامس والعشرين من يناير وهو المعنى ضمنا " عايزين عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية " ، فالأخير ربط " العيش " وإشباع الحاجات الأساسية من الحياة ولكن بشكل جماعى يضمن " العدالة الاجتماعية " بل تعدى المفاهيم المادية للعدالة إلى مطالب متجاوزة لفكرة " الحياة " كالكرامة الإنسانية والحرية ، فالكرامة والحرية والاستقلال الوطنى وغيرها من المعايير الأخلاقية والكمالات الفاضلة هى التى تعطى للحياة معنى وتحرر الإنسان من دائرته الفردية والمادية المغلقة إلى واقع أكثر سموا وقيمة ..
وهكذا فمن المنطقى وغير المستهجن أن تتعدى تطلعات شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير دائرة المطالب المادية فنجد العديد منهم يضحى بأغلى ما يملك " وهى روحه وحياته نفسها " من أجل بلوغ غايات وقيم أعلى من الحياة ذاتها وأسمى من بعض حواسهم وأطرافهم التى فقدوها فى مواجهة أعداء القيم وعبيد المناصب وناشدى المصالح المادية الضيقة والأنانية المفرطة ..
نعود إلى " عايزين نعيش " .. فالغاية مختزلة فقط فى " إرادة الحياة والبقاء " والمبدأ الحاكم على إرادة هؤلاء هو " أن أحيا أنا " حتى لو فى ظل مظاهر الظلم والقمع وتوهين الكرامة وتسافل القيم والأخلاق عموما ..
أن أحيا وأعيش حتى لو كان ثمن ذلك هو موت الكثير ممن حولى من " المثاليين " الذين لاهم لهم سوى إرساء الفضيلة وتعميق جوهر الإنسانية المجرد ..
" عايزين نعيش " ومستعدون للقتال مع أى حركة أو كيان قد يتسبب فى تهديد دائرة أمننا واستقرارنا ومصادر دخلنا؛ حتى لو أقنعونا بأن بناء الاستقرار والأمن الذى نحتمى به قام على أشلاء المظلومين  ومصادر أموالنا مقتطعة من أقمشة المستضعفين وعرق الفقراء وحقوق العمال والفلاحين؛ مع كل هذا سنحارب ونقاتل " كى نعيش "
" عايزين نعيش " ثقافة هؤلاء ونظرتهم للسعادة والألم، وللعدالة والظلم تعشش فى أذهان طبقة كبيرة جدا من المنتفعين والجبناء  من أصحاب العقول الضعيفة والنفوس الانهزامية المريضة ؛ فعديد منهم حارب ثورة الخامس والعشرين من يناير بمنتهى القوة لكنه لم يصمد طويلا عندما ارتفع منحنى الوعى الشعبى وزاد معدل ارتباط وتلاحم المجتمع ببعضهم البعض تحت مظلة من القيم والمبادئ الإنسانية والدينية
وهذه النداءات أيضا تقوى شوكتها مع هبوط منحنى الوعى المجتمعى وهشاشة القيم والسقوط فى وحل الأغانى الهابطة والأفلام المسفة واستلذاذ التحرش الجنسي والبذاءة اللفظية والفكرية ..
تلك الرسالة الموجهة والمتعمدة تنطلق من خلفية نظرية شديدة الفردية والمادية معا للوجود والحياة ، وهذه النظرة لاتمثل خطرا فقط على من ينتهجها ، بل تهدد عوامل الترابط المجتمعى نفسه لو كانوا يشعرون ..
فى ذلك الزمن لم يعد هناك مجال للرسائل المبطنة والغير مباشرة، بل بات الصراع بين الفضيلة وماعاداها " عينى عينك وعالمكشوف " فإما أن تنشد " العيش والحرية والعدالة الاجتماعية " أو أن تحجز لنفسد مقعدا مع " شباب عايز يعيش "، ولك الاختيار ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق