الجمعة، 30 مايو 2014

الشعب يفرض ثوابته !


منشور بالبديل الأسبوعى عدد19 بتاريخ 28-5-2014



بالأمس القريب، استجابت الجموع الشعبية لنداءات الخامس والعشرين من يناير ( عيش – حرية – عدالة اجتماعية ) وتاقت إلى الثورة على الفساد بجميع أشكاله .. ثم انتخبت غالبيته الفئة التى " هيتقوا ربنا فينا " ، فى الوقت الذى اتهمه العديد من " النخب " أنه شعب " الزيت والسكر " !
وبالأمس الأقرب، ومع نداء الوطنية والحفاظ على " الدولة " ونسيجها الوطنى الواحد؛ تعاملت الجموع الشعبية بإيجابية أيضا، وبغض النظر عن عملية " المتاجرة" بتلك الشعارات الفائتة إلا أن الزاوية التى ننظر إليها لمدى الاستجابات الشعبية المتعاقبة ينبغى أن تكون جديرة البحث والتحليل .. إن ثمة مبادئ وأسس شعبية يجتمع عليها أفراد مجتمعنا: كالعدالة ، حب الدين والقيم الأخلاقية، الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة ووحدة نسيجنا الوطنى، وأخيرا وليس آخرا، تفضيل الدولة المركزية القوية المحافظة على حدودها والمحققة للأمن بين أفرادها..
قد يقول قائل : مالجديد إذن فيما تقوله؟ إن جميع الشعوب تنحاز إلى كل ماذكرته من " بديهيات " ! .. لكن ورغم وضوح تلك المبادئ، هل حقا استوعبتها الأطياف السياسية التى تعاقبت علينا منذ ثورة يناير وإلى الآن؟ هل قدم التيار الإسلامى طرحا يعتز بأصالة القيم والثوابت الوطنية ؟ وهل النظام الحالى الرافع شعار الوطنية قد قدم هو الآخر مايؤكد فيه حرصه على تماسك القماشة المصرية ووحدة عناصره ؟؟ أقول ذلك فى خضم الممارسات " الإقصائية " الحالية التى نشهدها .. وهل الشباب الذى مازال يدافع بقوة عن منطلقات ثورة يناير؛ مازال يراهن على الحل الثورى بنفس الشعارات والمعطيات اللفظية السابقة؛ كإسقاط " النظام " وسقوط " العسكر " ؟ وهى المصطلحات التى لن تجد من الجموع الشعبية الآن سوى المقاومة والمزيد من النفور وزيادة فجوة التواصل مع الشباب الثورى .. بمعنى آخر ، هل استوعب الجميع الثوابت الوطنية التى توافق عليها مجتمعنا فراعوها وأكدوا على حقانيتها؟ بالطبع لا .. وإلا ما كنا وصلنا إلى هذا الحال من التشرذم والتفكك ..
عندما رفع البعض شعار " علمانية علمانية " لم يستجب أحد، وعندما تم استبدال الشعار إلى " مصر أولا " كانت الاستجابة كبيرة، هكذا نجح البعض فى اختيار ألفاظ مختلفة ومناسبة للتعامل مع العقلية المصرية دون إخلال بالفكرة ذاتها، وهكذا نجح المشير السيسي فى طرح لغة خطاب خاصة به تجمع بين " لغة القوى ولغة المتدين ولغة الوطنى " فى حين مازال خصومه الثوريون محافظين على نفس مصطلحاتهم المنفرة كـ" ثورة على النظام " ، " دولة العواجيز "  ،" الجيش العميل الخائن "!!
هذه الرسالة الموجهة للعديد من الشباب لاتدعوهم للتنازل عن أفكارهم ومبادئهم ، بل النزول بها وتقديمها عبر لغة مستساغة وطريقة سلمية ملتصقة بمطالب الجماهير ومراعية للخطوط الحمراء التى وضعتها الجموع الشعبية، بلا استهانة أو تجاوز لضرورات هامة كالأمن والتماسك الوطنى وثبات مؤسسات الدولة، فقط كلمة " الحكومة " قد تكون أقل قسوة من " النظام " لما للأخيرة من وقع وأثر على المتلقى لايفرق فيها بين " الدولة " والنظام ، كذلك لابد فى الوقت نفسه من المطالبة بتطهير جميع مؤسسات الدولة من مظاهر الفساد والعمالة ولكن مع الحفاظ على ضرورة أن يقوم " أبناء" كل مؤسسة بتطهيرها بأنفسهم مثلما يحدث فى العديد من حركات التغيير والتنمية ، هذه الاستدراكات " تطمئن " المتلقى على كون المرسل لايقصد الفوضى ولايحب التفكيك والتفتيت بقدر مايمقت الفساد وينشد التوزيع العادل للثروة فى مصر، ولن أكون متماديا إذا طالبتهم باستبدال مصطلح " ثورة " بمصطلح " عدالة " مثلا أو أى مصطلح يخفف من وطأة كلمة " الثورة " دون إخلال بالمعنى المراد أيضا..
لن أقول لأصدقائى من الشباب الثورى المناضل " ابدأوا بالتعقل ونيل الحكمة وابحثوا عن بدائل " فقد بح صوتنا ونحن نطالبهم بها حتى اتهمنا عديدهم بالتنظير " المثالى " ، لكن تلك المرة فالحديث واقعى لدرجة البساطة الشديدة والرسالة مستوحاة من ثوابت يفرضها الشعب علينا ولاتناقض المعقول أو تناطح المنطق، فقط المطلوب هو احترام ثوابت هذا الشعب ومنطلقاته والتعامل معه بلغة " الرافع لمطالبهم " وليست لهجة " مبعوث العناية الإلهية لتعليمهم وتأديبهم " !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق