الجمعة، 18 يوليو 2014

دولة الخلافة الإسلامية !


منشور بالبديل الأسبوعى ، عدد 25 بتاريخ 9-7-2014



إذا كان غرض الشريعة الإسلامية؛ بل وشرائع الأنبياء بوجه عام هو إقامة العدل وبسط المعاملات التى تضمن ألا يظلم الناس فى معاملاتهم ومعايشهم كما يقول تعالى لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ الحديد/25 ، فلا تكمل الحكمة من تشريع تلك الأحكام إلا – وكما يقول مولانا محمد عبده – " إذا وجدت قوة لإقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضى بالحق. وصون نظام الجماعة. وتلك القوة لايجوز أن تكون فى فوضى فى عدد كثير فلابد أن تكون فى واحد وهو السلطان أو الخليفة " لذلك فقيادة الناس تحت لواء القانون الأصلح والأتم وتحت حاكمية القائد والحاكم الواحد هما ضرورتان عقليتان لاتنفك الأولى عن الثانية؛ بل العلاقة بين إجراء الأحكام العادلة ووجود الحاكم العادل هى علاقة الغاية " وهى إقامة العدل " والوسيلة التى لاغنى عنها لتحقيقها " وهى الحاكمية والقيادة " ..
أما عن شروط وماهية الخليفة فقد اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على استبعاد شرطين من شروط هذا القائد تعتبران من مقومات الاتجاه الشيعى؛ وهما أن الإمامة بالنص النبوى وليست بالاختيار والمشورة؛ والثانى أن الخليفة ليس عنده العلم التام المطلق بالكتاب والسنة وجزئيات القوانين التى تحفظ العدالة وتقيم السنة فى المجتمع وهى المعروفة عند الشيعة بـ " عصمة الأئمة عن الخطأ فى سواء فى الاجتهاد أوعصمته من ارتكاب الذنوب الأخرى بوجه عام " ، ولكن اختلف أهل السنة فى تعيين باقى الشروط الأخرى منقسمين بلحاظ الواقع الحالى إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية :-
الاتجاه الأول : وهو اتجاه التيار النصي أو أهل الحديث منهم والذين أوجبوا على المسلمين أن يكون لهم خليفة يجمع كلمتهم اعتمادا على النص الشرعى الصحيح  " من مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " وقد أفردوا شرط أن يكون الحاكم متغلبا بالقوة التى تعنى لديهم أن الله راض عن ولايته وحاكميته ومع رضا الله عن ولايته التى ربطوها بالآية القرآنية " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ" آل عمران/26 فإن بيعة الناس له تكون واجبة وطاعتهم له مطلقة، وطالما تصدى حاكم مسلم أمر الخلافة وتمت بيعته لها دون أن ينازعه أحد فيها فقد تمت الحاكمية له ووجبت بيعته على عموم المسلمين ويحرم الخروج عليه طالما أقام الصلاة فى الناس ولم يمنع شعائر الله ! بالتالى فشروط الحاكمية عندهم ضمنيا تشمل كون الحاكم أو الخليفة متغلباَ بالقوة ولايمنع شعائر الله " كالصلاة والصيام والحج " من أن تقام.
أما الاتجاه الثانى فهو ماغلب فيه الاحتكام إلى الإرادة الشعبية فى اختيار النظام والحاكم إلى الحد الذى لاضرورة عندهم إلى تطبيق وحدة الحاكمية على الأقطار الإسلامية طالما ارتأت الشعوب مصلحة أو فائدة أخرى من التقسيمات الدولية الحالية؛ ويغلب على أصحاب ذلك الاتجاه الميل إلى الحديث عن مضمون وروح العدالة الإسلامية دون التركيز على ضرورة وحدة الأمة تحت قيادة تطبق الشريعة وتعميم تلك القوانين العادلة على كافة الأقطار المسلمة إلى جانب قرب أصحاب هذا الاتجاه من النظريات الحداثية الداعية إلى تعميق الليبرالية وإرساء حاكمية الصندوق الانتخابى.
والاتجاه الثالث : وهو اتجاه الحكماء وأصحاب المنهج العقلى من المذهب السنى؛ والذين وجبت الحاكمية عندهم بالعقل والمنطق مثلما أوردنا فى مقدمة ذلك المقال؛ وتطابق الحكم العقلى مع النصوص الشرعية الداعية إلى ضرورة الخلافة والبيعة، ولكن الشروط التى وضعوها للخليفة الشرعى لاتقوم على فكرة التغلب بالقوة والتى تستلزم من أصحابها القول بالجبرية التى لاتستقيم مع العقل والنصوص القرآنية واضحة الدلالة هنا، لذلك فقد عدوا شروطا لولى الأمر الواجبة طاعته فى الآية القرآنية " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "النساء/59 أجملها مولانا محمد عبده فى قوله " شرط فيه أن يكون مجتهدا أى أن يكون من العلم باللغة العربية ومامعها- مما تقدم ذكره- بحيث يتيسر له أن يفهم من الكتاب والسنة ما يحتاج إليه من الأحكام، حتى يتمكن بنفسه من التمييز بين الحق والباطل والصحيح والفاسد، ويسهل عليه إقامة العدل الذى يطالبه به الدين والأمة معا. هو على هذا لايخصه الدين فى فهم الكتاب والعلم بالأحكام بمزية، ولايرتفع به إلى منزلة، بل هو وسائر طلاب الفهم سواء، إنما يتفاضلون بصفاء العقل، وكثرة الإصابة فى الحكم " ولأن القدرة على تمييز الحسن من القبيح فضيلة يتمتع بها المسلم العاقل الحكيم فقد استلزم ذلك أن يكون الحاكم عالما بالفلسفة والعلوم العقلية ولديه جانب من التفقه فى الأحكام الشرعية إلى جانب قبول الأمة بأعلميته وحاكميته، أما شروط طاعته وتقويمه فراجع، كما يقول الإمام محمد عبده وكما استقر الحكماء؛ إلى الأمة التى اختارته وقبلت بولايته كما يقول الشيخ عبده " ثم هو مطاع مادام على الحجة ونهج الكتاب والسنة والمسلمون له بالمرصاد، فإذا انحرف عن النهج أقاموه عليه وإذا اعوج قوموه بالنصيحة والأعذار إليه (لاطاعة لمخلوق فى معصية الخالق) فإذا فارق الكتاب والسنة فى عمله وجب عليهم أن يستبدلوا به غيره مالم يكن فى استبداله مفسدة تفوق المصلحة فيه. فالأمة أو نائب الأمة هو الذى ينصبه والأمة هى صاحبة الحق فى السيطرة عليه وهى التى تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدنى من جميع الوجوه." وهذا الاتجاه الجامع بين العقل والشرع يفرق بين ضرورة القيادة والإمامة للأمة الإسلامية ولكن دون إطلاقها لتشمل إمامة الظالمين وحاكمية الفسقة والجهلاء ؛ بل يعطى للإرادة الشعبية أيضا حقا أصيلا سواء فى مقبولية الحاكم أو إنهاء العقد الاجتماعى من الأساس كما أوضحنا فى مقال سابق بعنوان " الديمقراطى العادل "  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق