الأربعاء، 30 أغسطس 2017

قبل قوانين التساوي: هل توجد امرأة في بلادنا؟

منشور في مجلة المثقف العربي بتاريخ 30/8/2017 على هذا الرابط

ليست امرأة حرة، إنها خادمة تعمل في الخارج وتغطي نفقات 30 في المائة من الأسر وفي النهاية لاتعطى الجزاء الأوفى من التكريم والتقدير
دمية يتم التعرض لها والتحرش بجسدها في السينمات والحفلات والمرافق العامة والمصالح الحكومية ووسائل المواصلات، وامتد الأمر لبعض أقسام الشرطة...
هل توجد امرأة في بلادنا؟
لا بل هي سلعة مستباحة، مهانة، ترغم على الزواج أحيانا وتباع وتشترى، حتى في أرقي البيوت، يقولون عنها: بنتي تمنها غالي!
في الخارج بيتاجرون بيها أيضا، ويضعون صورها على علب القهوة والويسكي واعلانات الساعات والعربات الفخمة، لكن نظرة الخارج المهينة لها ليست قصتنا الآن، قد نتعرض لها في محفل آخر...
في مجتمعنا: بعض الأحيان تكون الأخت والأم في خدمة الأخ "الذكر" الذي يتأفف من شراء طلبات المنزل أو كي ملابسه، ويعتبر الأبوان مشاركته في أعمال المنزل نوعا من الإهانة لنوعه الذكوري!
في مجتمعنا أعراف بعيدة عن الدين، تعمم طاعة الزوجة للزوج وتطلقها في كل شيء وأي شيء، رغم كون الطاعة هنا في الفراش والحق الزوجي، بل إن الاستئذان في الصيام والخروج مبني على هذا الأساس لا أكثر.
في الأقاليم تمنع من ميراثها الشرعي كإنسان ويتم فرض الوصاية على حقها من جانب أخواتها الذكور لأسباب متباينة لاتمت للشرائع بصلة، ولاتنتمي حتى لقوانين الغابة!
في مناطق متفرقة من بلادنا، لاتطبق شريعة الدين المنصفة للمرأة، ويحرمونها من حقها الشرعي في الميراث والتطليق والنقاش مع الزوج، يرغمونها على خدمة أهل الزوج، بل وهي مجبرة على خدمة بيت الزوجية من نظافة وطبخ وخلافه، وكل ذلك ليس بواجب شرعي إنما تفضل منها... لكنهم للأسف يحولون التفضل إلى واجب ثم يحاسبونها على التقصير!!!
في بلادنا، لاتوجد امرأة، ولاحقوق، ولاشريعة، بل أعراف، تقاليد، عادات استعبادية مبنية على حق القوي في قهر الضعيف تحت أي مسمى ووراء مبررات تتستر بالدين تارة، وبالشهامة و"الرجولة" تارة أخرى...
.....
ولكن ما هو الحل الأمثل؟
هل بإلغاء تعدد الزوجات؟ أم بقوانين إلزامية تعطي للمرأة حقوقها المهدرة، ثم تصير كالحبر على الورق طالما بقيت تلك النظرة للمرأة كما هي...
إن أزمة المرأة إحدى تجليات مجتمعات تعاني الجهل، والعشوائية، والتجهيل المتعمد من أصحاب القرارات السياسية على مدار قرون من الزمان. فإن أراد الحقوقيون والمدافعون عن المرأة بحق الاختيار الأقوى والأصعب، فعليهم الضغط وبشدة من أجل تغيير مناهجنا التعليمية وإضفاء صبغة الإنسانية عليها، وكذلك فتح المجال لاستيعاب عدد أكبر من المعلمين المتدربين وأصحاب الوعي الحقيقي ليقوموا بدورهم المطلوب...
إن أردنا التغيير الحقيقي، علينا أن نصب اهتمامنا بالمراكز الإعلامية والتعليمية والدينية والفنية، إنه الرباعي الموجه للرأي العام، والمعبر عن ثقافة المجتمع ونظرته، فالعمل المتوازي على تلك الأصعدة لتبني نظرة قيمية إنسانية تعطي المرأة قدرها لابد أن يسير جنبا إلى جنب، وقبل هذا كله يجب أن يكون القرار السياسي معطيا الضوء الأخضر للعمل في تلك الأصعدة دون شروط وقيود معطلة، أو قوانين مقيدة. وإلا سيكون الجهد عبثيا عشوائيا...
أما مسألة تغيير القوانين، ففي ظني أنها سوف تأتي من تلقاء نفسها كنتاج لحالة اجتماعية مطلوبة ورأي عام يتم حشده من سنوات لتقبل ثورة قانونية قادمة، ولأن يكوّن حاضنة شعبية قوية تتبنى القوانين والقرارات. عندئذ لايحتاج السياسي لعمل قوانين ديكتاتورية شكلية – تحت مسمى حقوق المرأة-  يفرضها على مجتمعات لاتقبلها وليس فيها حواضن شعبية كافية لاستيعابها والتبشير بها، ولايقبلها سوى بعض النخبويين ممن لايعرفون لغة الاحتكاك بالشعوب والقرب من ثقافتهم...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق